فراس أبو مصلح
بعد فشل القوى الأمنية في إنهاء سيطرة عمال شركات مقدمي الخدمات (المياومين سابقاً) على مبنى مؤسسة الكهرباء الرئيسي والعديد من دوائرها في المناطق، قرر مجلس إدارة المؤسسة مجتمعاً اعتبار المباني المذكورة «محتلة»، وإخلاء المبنى المركزي من جميع الموظفين، ولا سيما موظفو التنسيق والعمليات المسؤولون عن مراقبة الشبكة وتحديد الأعطال المركزية، الذين كانوا حتى يوم أمس يحضرون إلى مراكز عملهم «بشكل غير طبيعي»، بحسب تعبير إدارة المؤسسة.
طلب مجلس الإدارة كذلك إلى القوى الأمنية «تسلّم الأمن في المبنى المركزي والحفاظ على موجوداته كافة من أموال عامة وفواتير ومستندات ومواد ومعدات في المخازن»، وطلب من مديريات المؤسسة تزويده أسماء «الأشخاص الذين يخلون بالانتظام العام» للادعاء عليهم قضائياً، واتخاذ ما تنص عليه العقود مع شركات مقدمي الخدمات من إجراءات إدارية بحقهم؛ كذلك طلب مجلس الإدارة من وزير الطاقة والمياه طرح الأزمة على مجلس الوزراء.
وفيما عللت إدارة المؤسسة قرارها إخلاء مبناها المركزي بالكامل بـ«تعذر الحصول على المستندات والمعلومات والمعدات الضرورية لسير العمل» من المبنى نفسه، وخاصة لإصلاح كابلات التوتر العالي المتضررة كخطّي البسطة-الأونيسكو والبسطة-المطار، يرفض المياومون تحميلهم مسؤولية عدم إصلاح الأعطال التي تطرأ على الشبكة، موضحين أن مسؤولية إصلاح كابلات التوتر العالي تقع على مديرية النقل في المؤسسة، لا على شركات مقدمي الخدمات وعمالها (أي هم أنفسهم)، وأن البضائع والمعدات اللازمة لإصلاح الأعطال تلك غير موجودة في المبنى الرئيسي أساساً.
وفي السياق، يقول أمين سر لجنة المياومين بلال باجوق إن زملاءه «يقدمون كل التسهيلات لموظفي التنسيق والعمليات في المؤسسة للقيام بإصلاح الأعطال المركزية التي تطرأ»، وإن «الحصار المضروب على مباني المؤسسة لا يشمل هؤلاء الموظفين»؛ بينما طلب رئيس لجنة متابعة العمال المياومين (سابقاً) لبنان مخول من مؤسسة الكهرباء إعلان ساعات التغذية بالتيار الكهربائي في الأسبوعين المنصرمين، ومقارنتها بالفترة نفسها من العام الماضي، لتحديد الأثر الفعلي لإضراب زملائه عن العمل.
في خطوة عدّتها لجنة المياومين «بادرة حسن نية» تجاه إدارة المؤسسة، طلبت اللجنة من الإدارة إرسال الموظفين المعنيين بالرواتب إلى المبنى المركزي لتنفيذ الإجراءات الإدارية اللازمة لدفع رواتب الموظفين والأجراء، ليسارع مصدر في إدارة المؤسسة إلى رفض البادرة هذه قطعياً، مكرراً الموقف برفض التفاوض قبل دخول إدارة المؤسسة وجميع موظفيها إلى مراكز عملهم، والتأكيد أن «لا حوار تحت الضغط والتهديد». غير أن المصدر نفسه يشير إلى «مرونة» في مذكرة المؤسسة التي فجرت الأزمة بتحديدها شواغر الملاك في الفئة الرابعة وما دون بـ897 موظفاً، لافتاً إلى أن النتائج التي تصدر عن مجلس الخدمة المدنية تكون صالحة لسنتين، (أي حتى انتهاء مدة عقود شركات مقدمي الخدمات) وأنّ من المحتمل أن ترتفع حاجة المؤسسة من العمال حتى ذلك التاريخ. تعيد المقولة تلك طرح السؤال عن الطابع «المؤقت» لعقود شركات مقدمي الخدمات: فهل تستعيد مؤسسة الكهرباء مهمات التوزيع، من استثمار وصيانة وجباية وإدارة، عند انتهاء مدة عقود الشركات، ما يرفع حاجة المؤسسة من العمال، أم يُصار إلى إعادة تلزيم التوزيع؟
في هذا الإطار، سُرِّب كتاب وجهه المدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه، غسان بيضون، إلى الوزير آرتور نظريان بتاريخ 12 آب 2014، وأحاله الأخير على المؤسسة «للاطلاع» على الملاحظات الواردة فيه، وأبرزها أن «تنفيذ مشروع مقدمي الخدمات، الذي سبق للمديرية العامة للاستثمار أن تحفظت عنه وما زالت، وبعد مرور أكثر من سنتين عليه، يواجه صعوبات وإشكاليات كبيرة أكدتها رسالة مدير المشروع، شركة نيدز رقم 0502/2014 تاريخ 26/5/2014، التي تشير إلى «حجم الأعباء المالية المترتبة على استمرار مؤسسة كهرباء لبنان في إعطاء دفعات مالية مسبقة لشركات مقدمي الخدمات خارج الإطار التعاقدي»، وتطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف «التداعيات المالية والتعاقدية الخطرة، تجنباً لانعكاساتها على المال العام، وحفاظاً على حقوق مؤسسة كهرباء لبنان»؛ فضلاً عن وجود تحديات تواجه استمرار ونجاح المشروع (الذي يحتاج) لإنقاذ، ووقف النزف المادي» لقطاع الكهرباء.
يبني بيضون على ما تقدم للقول «إن الدوائر المعنية لدى مؤسسة كهرباء لبنان هي التي يُفترض أن تتولى مهمات الإشراف على الأشغال المنفذة من قبل شركات مقدمي الخدمات، وقد سبق لوزارة الطاقة والمياه أن شددت على المؤسسة، وخاصة عند عرض مشاريع تلزيم اليد العاملة الفنية وعمال غب الطلب، وجوب ملء الشواغر لديها». ويرى بيضون أن «عدم مراعاة المؤسسة» لملاحظاته تلك «تعتبر مساهمة في عرقلة تطبيق القانون 287 (القاضي بتثبيت المؤسسة لعدد غير محدد من العمال المياومين سابقاً «حسب حاجتها»)، والحؤول دون تحقيق الغاية المقصودة منه». فهل هناك نية فعلية لدى الراعي السياسي لتحرك المياومين لإسقاط مشروع «مقدمي الخدمات» واستعادة مؤسسة الكهرباء لقطاع التوزيع، أم أن الأمر لا يتعدى ممارسة الضغط لتعديل الحصص والاتفاقات السياسية حول المشروع برمته؟
تفاعلت أحداث يوم أول من أمس، حيث استمر المياومون السابقون بإقفال بوابات المقر الرئيسي للمؤسسة والعديد من دوائرها في المناطق، رغم طلب مجلس إدارة الأخيرة من كل من النيابة العامة التمييزية والإدارات الأمنية استعادة السيطرة على هذه المباني، وحيث أقدم وزير العمل السابق سليم جريصاتي، من وزارة الطاقة والمياه، على تهديد الأخيرين بردود أفعال طائفية عنيفة على ما يقومون به. ففي لقاء مع لجنة «المياومين»، قال وزير العمل سجعان قزي إنه «ليس وسيطاً» في هذه القضية، لكنه «يرفض أي تهديد للعمال، بغض النظر عن أحقية المطالب أو عدمها». ورأى قزي أن على العمال مراجعة مسيرتهم، والمواءمة بين «حقوقهم وحاجات المؤسسة الموضوعية والطبيعية»، متمنياً على أطراف النزاع الابتعاد عن «المصالح الطائفية والخلافات السياسية».
من جهتها، رأت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان «إعطاء مهلة لمجلس الوزراء لحل المعضلة وإنهاء الوضع الشاذ، وإلا فإن النقابة تجد نفسها مضطرة إلى عقد اجتماع طارئ» صباح يوم الجمعة المقبل «وإعلان خطوات لاحقة، منها الإضراب»، مطالبة بـ«ترفيع ملاك المؤسسة من الفئات الخامسة وما فوق، انطلاقاً من قانون تثبيت المياومين وجباة الإكراء».