كان من المفروض بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذي جاؤوا إلى كردستان، أن تكون لهم هذه المنطقة ملاذاً لاستثماراتهم وبوابة لدخول العراق، ولكن أصبحت هذه البوابة الآن مغلقة، بعد أن أصبح الأمن فيها سؤالاً مفتوحاً بلا جواب.
يقول مسؤولون أكراد في هذه الزاوية الشمالية من العراق، إن اقتصادهم سيعود ثانية كما كان بعد استعادة الاستقرار بواسطة الهجمات المضادة المدعومة من الولايات المتحدة، التي ساعدت في إيقاف تقدم “داعش” في منطقتهم شبه المستقلة.
ما زالت “داعش” تسيطر على نحو ثلث العراق، وعلى اثنين من ثلاثة ممرات تربط كردستان العراق بباقي البلاد. وبالنسبة لرجال الأعمال التواقين للاستثمار في سوق تقع بالقرب من عتباتهم، تصبح مشكلات العراقيين هي أيضاً مشكلات الأكراد.
قال قادم جديد من سورية افتتح مصنعاً لصنع رقائق البطاطا المقرمشة في العام الماضي: “تضم كردستان نحو خمسة ملايين نسمة، بينما يبلغ عدد سكان العراق 30 مليون نسمة. الشركات لا تأتي إلى هنا لتبيع منتجاتها للأكراد، إنهم يأتون لبيعها للعراق، وإذا كان لديك مصنع ولا تستطيع بيع منتجاتك في باقي العراق، فإنك لن تحقق ربحاً”.
عندما أجبر الثوار السوريون رجل الأعمال هذا على التخلي عن مصنعيه اللذين ينتجان المعجنات والرقائق المقرمشة، انتقل إلى كردستان، على الرغم من أنها بلاد ليس لها منافذ على البحر. وقال إنه حريص على الاستثمار في “سوق بِكر” في العراق.
وأضاف: “ما زلت متفائلاً بكردستان، خاصة بعد الضربات الجوية الأمريكية التي أظهرت أنه لن يتم التخلي عن كردستان، ولكن الثقة الهائلة التي امتلكناها لم تعد مثلما كانت من قبل”.
وربما زاد من هز الثقة بالنفس الضربات النادرة التي تعرضت إليها عاصمة منطقة الإقليم، أربيل، وهي علامة مثيرة للقلق، وحتى لو رُدت داعش على أعقابها، فإنها ما زالت تشكل تهديداً للاستقرار هنا.
وقال جميع رجال الأعمال الذين قابلتهم، والذين طلبوا عدم ذكر اسمائمهم خوفاً من انعكاس ذلك على أعمالهم، إنهم يقلصون عملياتهم حتى يتحسن الوضع.
قال صاحب مصنع لبناني ينتج أدوات المطابخ للفنادق والمطاعم، وهو من الذي انتقلوا إلى هناك من سورية: “سنبقي الأشياء إلى الحد الأدنى حتى كانون الأول (ديسمبر)، وبعد ذلك سنقرر إذا ما علينا أن نستمر هنا أو تخفيض عملنا أو الانسحاب من هنا.
إن ما يبقينا هنا هو أنه عندما يكون لديك أسبوعان جيدان أو شهراً جيداً، فإن ذلك افضل بعشر مرات ما كنت تجنيه من سورية.
وفي حزيران (يونيو) توقف عمله بسبب الهجوم الخاطف الذي شنته “داعش”. وقد توقف كل شيء عندما استولت على أراض في كردستان العراق قبل أسبوعين. وقال صاحب مصنع للفولاذ إنه منذ أن نجح الأكراد في إرجاعهم إلى الخلف بمساعدة غطاء جوي أمريكي، عاد العمل للنهوض من جديد “من الصفر”، ولكن لا تزال توجد مشكلات. وقال إن العمال العرب الذين وظفهم لمصانعه في جنوب شرق كركوك منعتهم الشرطة الكردية من العمل، لأنها خافت من أن يكون لهم علاقات مع “داعش”، وحتى شريكه رجل الأعمال العربي من بغداد، مُنع من الدخول إلى المنطقة.
وقال وهو يزفر حسرة: “كنت مستعداً للتوسع في أعمالي، فقد اشتريت مجموعة من الآلات الجديدة من إيطاليا، وكل شيء كان جاهزاً، ولكني طلبت منهم وقف شحن ذلك، وأنا أفكر الآن مرتين قبل عمل أي شيء”.
كان من بين من شملهم بطء العمل مشغلو النفط وموردو الخدمات إليهم- وهو الذي يعتبر الجزء الأهم في اقتصاد كردستان. وقد تمت إعادة العاملين الأجانب غير الأساسيين إلى بلدانهم، وشهد الكثير من العاملين المحليين عملهم وهو يتوقف.
كما يقول رجال الأعمال القلقين إن عملاءهم من الأكراد الأغنياء غادروا أيضاً لقضاء فترات عطل طويلة خارج البلاد. أما عملاؤهم المقيمون بعيداً إلى الجنوب، مثل مدينة الموصل، التي تعتبر ثاني أكبر مدن العراق، فهم عالقون في الأراضي التي استولت عليها “داعش”، وخائفون من إنفاق أي مال.
وقال أحدهم: “هاتفت عملائي في الموصل، وسألتهم لماذا لم يدفعوا ما استحق عليهم حتى الآن، فأجابني صانعو رقائق البطاطا “هل تمزح؟”
وهناك موظف شركة نفطية كان متفائلاً لأن أغلب شركات النفط الكبيرة اعتادت على مشكلات عدم الاستقرار الإقليمي، ولهذا ستعود لأعمالها العادية خلال أشهر قليلة، حيث يُتوقع أن يسترد الأكراد كل الأراضي التي فقدوها. على أن الشركات الدولية نفسها، يمكن أن تواجه تعقيدات مكلفة من ناحية المواصلات والواردات.
وتشكو الشركات التي تستخدم الممر الذي بقي الأكثر وثوقاً للخروج إلى العالم الخارجي- وهو تركيا- من الرسوم الجمركية المرتفعة، ويقولون إن الرحلة التي كانت تستغرق ساعات، قد أصبحت تأخذ الآن يوماً كاملاً على طرق خطرة أو حتى عبر الصحراء المفتوحة.
قال أحد ملاك المصانع “إن الشركات التي اعتادت استيفاء مبلغ 750 ألف دينار عراقي (نحو 645 دولاراً)، أصبحنا ندفع لها الآن مبلغ 1.5 مليون دينار عراقي. مليون واحد يذهب للسائق، ويذهب نصف المليون الباقي إلى “داعش”، بل إن “داعش” تعطي إيصالات للسائقين”.
وقال إن كردستان كانت دائماً تبدو كما لو أنها أكثر أجزاء العراق قوة وصدقية: “كنتُ دائماً أقول في نفسي إن الأكراد يعرفون ما يفعلون، ولكن الآن، وقد باتت – داعش- على بعد 15 كيلومتراً من مصنعي، لا أعرف ما يمكن توقعه من ذلك”.