داني الأمين
في ظل تراجع الفرص في بلاد الاغتراب، بدأ بعض أبناء المناطق الجنوبية الحدودية بإنشاء مصانع صغيرة نسبياً تتناسب مع الطلب المحلي. ظاهرة مرحب بها في تلك المناطق كونها تساهم في تأمين فرص عمل، ولو قليلة، للمقيمين، إلا أن هذه الصناعات تواجه كغيرها مشكلات كبيرة تتصل بغياب الدعم الحكومي.
واجهت المصانع في الجنوب خلال العقود الماضية ما يشبه الانقراض. من أصل 70 معمل فخّار، لم يتبق سوى معملين، ومن أصل 60 معملاً للأحذية لم يتبق سوى 3 معامل، وهذا ينطبق على انقراض عشرات معامل لفائف التبغ والدباغة وحرف التنجيد والخياطة وغيرها.
صحيح أن انهيار القطاع الصناعي في جنوب الجنوب يأتي في سياق شهدته البلاد بأسرها، إلا أن المناطق الحدودية عانت أيضاً من الاحتلال المباشر والأوضاع الأمنية غير الملائمة، وهذا ساهم في ارتفاع وتيرة الهجرة الى بيروت وضواحيها وإلى خارج لبنان، ولا سيما أفريقيا، وبالتالي تراجعت الأيدي العاملة، كما تراجع الطلب على إنتاج هذه المصانع، وضعفت قدرتها التنافسية في ظل إغراق السوق بالبضائع المستوردة، ولا سيما من الصين. بحسب شرح التاجر محمد حوراني.
يوجد في بنت جبيل اليوم ثلاثة معامل للأحذية، أصحابها ذياب حوراني وغسان شرارة وحسين فاعور. ينتج حوراني (على سبيل المثال) 120 حذاءً يومياً، ويشغل 15 عاملاً، ويقول صاحبه إن باستطاعته مضاعفة الإنتاج إذا استطاع تسويقه، فآلات المعمل باتت قديمة، تعود الى عام 1995، والأرباح متدنية جداً بسبب منافسة الأحذية الصينية الرخيصة.
هذا الواقع أدّى إلى الانتقال الى صناعات مختلفة عن التي كانت مزدهرة في العقود الماضية. معظم المعامل الجديدة تستهدف الطلب المحلي، ولا سيما في مجالات البناء والغذاء. أحضر المواطن وليد صالح معملاً صغيراً من الصين لصناعة البوظة والعصائر، حقق حتى الآن نجاحاً مقبولاً. وأقام غاندي رزق مصنعاً جديداً لصناعة المطابخ والأبواب الخشبية في بلدة شقرا، يعتبر الأول من نوعه في تلك المنطقة، يشغل عدداً من عمال النجارة والديكور، لكنه يؤثر سلباً على أعمال النجارين كونه منافساً جدياً لهم. يقول النجار حسن سويدان إن الحل يكمن في توفير الدعم من الدولة وفتح الأسواق الخارجية بما يسمح بتشغيل العدد الأكبر من النجارين في المنطقة.
لا تنحصر المبادرات في مجال الصناعات المذكورة، إذ قام عدد من أبناء المنطقة بإنشاء مزارع الدجاج والأبقار، التي تعتمد على الأعلاف المصنّعة أكثر من الأعشاب، نظراً الى تقلص مساحات المراعي. هذه المزارع تدرّ على أصحابها مداخيل جيدة نسبياً، على الرغم من «المخاطر التي قد تتعرض لها».
لجأ اتحاد بلديات جبل عامل خلال العامين الماضيين وفق «خطة التدريب المهني والحرفي» الى إقامة دورات لتنمية القدرات الإنتاجية للرجال والنساء، تتعلق بتعليم «الخياطة وصناعة الصابون والسوائل، إضافة الى التصنيع الغذائي والحلويات والأشغال اليدوية والكهرباء الصناعية وتصليح الأجهزة الخلوية وصيانة الكمبيوتر». وبحسب رئيس الاتحاد علي الزين، أقام الاتحاد معملاً للألبان والأجبان في بلدة حولا على نفقة مجلس الجنوب، ما يساهم في تشجيع المزارعين على تربية الأبقار والأغنام وتنشيط الحركة الاقتصادية»، معتبراً أن «الدورات التعليمية هذه تسمح للمتعلمين باكتساب المهن بأسرع وقت ممكن، وخاصة أننا نعمل على مساعدة المتخرجين مالياً لافتتاح مصانعهم الصغيرة، وهذا ما حدث بالنسبة إلى العديد من المتخرجين الذين بدأوا فعلاً بأعمالهم الجديدة في أكثر من قرية وبلدة».
اللافت أن جميع هذه المبادرات تعدّ صغيرة وهدفها مواجهة البطالة المتفشية، ولم تنتقل بعد الى جذب أصحاب الرساميل الكبيرة لإقامة المعامل المتطورة التي من شأنها تأمين فرص عمل لمئات المواطنين. يقول وزير الصناعة حسين الحاج حسن لـ«الأخبار» إن «الوزارة بصدد وضع خطة لتشجيع الصناعة في لبنان مرتكزة على عوامل متعددة، أهمها إصدار قانون من مجلس النواب يساهم في تقديم تسهيلات وحوافز ضرائبية، إضافة الى العمل بشكل جدي على مكافحة التهريب والفساد اللذين يساهمان في شل الحركة الاقتصادية»، ولفت الى أنه سيتم التعاون مع جميع الجهات الفاعلة لتطوير القطاع الصناعي وتفعيله، ولا سيما البلديات التي بوسعها تقديم المشاعات لإنشاء المصانع المختلفة. ولكن المشاعات معتدى عليها على نطاق واسع. يجيب الحاج حسن أن «ذلك يجب متابعته مع القضاء المختص، وبشكل سريع وحاسم، نظراً إلى خطورة هذا النوع من الاعتداءات، وأثره السلبي على المواطنين».