كتب رضوان عقيل:
تحل الذكرى الـ36 لاخفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وقت يتطلع اللبنانيون الى طي الصفحات السود في هذه القضية وكشف مصيرهم ولا سيما بعد مقتل من كان وراء هذه الجريمة العقيد معمر القذافي. كما تواصل اللجنة الرسمية لمتابعة قضية الصدر ورفيقيه جهودها وسط موجة من العراقيل والتعقيدات السياسية والأمنية في طرابلس الغرب، وتواصل عقد اللقاءات والاستماع الى اقرب الكوادر التي كانت تعمل الى جانب القذافي على أمل الحصول على أي معلومة منهم. ولا يشمل تحركها ليبيا فحسب، بل وصل الى جنوب افريقيا وبلدان أخرى. ويطل رئيس حركة “امل”، رئيس مجلس النواب نبيه بري، في الثامنة مساء الاحد المقبل في هذه الذكرى على اللبنانيين ليسلط الضوء على هذا الجرح المفتوح منذ 31 آب 1978.
نجحت الدولة اللبنانية من خلال اللجنة في توقيع مذكرة تفاهم مع السلطات الليبية نتيجة ضغوط وسلسلة اتصالات قام بها بري بعد ارساله اكثر من برقية الى نظيره السابق نوري بو سهمين. وتم توقيعها في 11 آذار الفائت وقامت اللجنة بتحرك كبير في طرابلس الغرب.
ومن سوء حظ المشرفين على هذا الملف في البلدين انه بعد توقيع المذكرة انهارت الاوضاع الامنية في ليبيا ولم تعد توجد فيها مؤسسات حقيقية وفاعلة تستطيع متابعة هذا النوع من الملفات الشائكة، ولم يعد يستطيع الليبيون تسيير حياتهم اليومية بفعل الانقسامات السياسية والعشائرية والمناطقية من جراء التقاتل على المناصب والمواقع الرسمية والثروات النفطية والاقتصادية في هذا البلد المشرّعة ابوابه على اعمال القتل والفوضى وخطر التقسيم.
وتزامنت كل هذه التطورات مع اعتماد مجلس الوزراء الليبي هذه المذكرة. وكان بري قد ارسل النائب ايوب حميد الى طرابلس الغرب لحض الليبيين اكثر على متابعة القضية واجراء التحقيقات المطلوبة، فضلاً عن الدور الذي تقوم به اللجنة ورئيسها القاضي حسن الشامي.
وتفيد مصادر اللجنة أن نيات المسؤولين السياسيين والقضائيين في ليبيا حيال تعاملهم مع هذه القضية “حسن وجيد لكن المشكلة تكمن في البطء في التطبيق”.
وثمة اسباب عدة لدى المشرفين على هذا الملف حالت دون التوصل الى النتائج المرجوة سريعاً، منها على سبيل المثال عدم القيام بالتحقيقات المطلوبة حتى الآن مع نجل القذافي سيف الاسلام، والمسؤول الأمني عبدالله السنوسي، فضلاً عن عدد من مديري المخابرات بينهم عبدالله حجازي وعمر دوردة وسواهما والتوقف عند خيوط استجوابات تمت ولم تجر متابعتها.
ولمس الجانب اللبناني ان ثمة طرفاً ليبياً لا يريد متابعة هذا الملف والغوص فيه الى النهاية بسبب انهماكه في الملفات الداخلية.
وثمة معطيات تم التوصل اليها أماطت اللثام عن بعض النقاط التي رافقت عملية تغييب الصدر ورفيقيه بحسب مصادر اللجنة:
“- لم تثبت التحقيقات مشاركة اي جهة لبنانية وتورطها في خطف الأمام وتغييبه. وان كل ما جرى تداوله من معلومات في هذا الشأن، لا اساس له من الصحة. وينفي الجانب اللبناني كل ما اشيع من اخبار تحدثت عن مشاركة لبنانيين في هذه العملية “ولا يوجد اي دليل يؤكد تورطهم في جريمة الخطف”.
– لم يتبين لنا ايضاً مشاركة اي جهات فلسطينية او عربية في هذه الجريمة لأن الفاعل الأساسي والمنفذ هو معمر القذافي وأركان نظامه، وإن كان المستفيدون كثيرين بدءاً من اسرائيل وصولا الى كل المتضررين من المشروع الذي كان يحمله الامام ويعمل على تحقيقه.
– اكد الجانب الليبي في شكل قاطع، وهذا ما جرى التشديد عليه في مذكرة التفاهم، ان الجريمة وقعت في ليبيا بأمر من القذافي وفريقه الأمني، ولا صحة لكل الروايات ومحاولات طمس حقائق هذه الجريمة على انها تمت على الاراضي الايطالية لأن ثمة تعاوناً حصل في هذه “الفبركات” بين القذافي ورئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني (يحتفظ بري بصورة للأخير وهو يقبّل يد القذافي).
– يشكو الجانب اللبناني من البطء الليبي الرسمي في التعامل مع هذه القضية التي تحمل عناوين وطنية وعربية واسلامية، وحال الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا دون متابعتها، علماً ان السفارة اللبنانية لم تستطع مواصلة عملها في الاسابيع الاخيرة في الشكل المطلوب شأن سفارات بلدان عدة. ولم يعد التواصل قائماً بالوتيرة السابقة مع المسؤولين الليبيين من جراء الاوضاع الأمنية المتدهورة هناك.
– أمام هذا الواقع المستجد، ثمة خطط بديلة ستلجأ اليها اللجنة فور استقرار الوضع في ليبيا، ولم يشأ المشرفون عليها الكشف عن ماهيتها وهي لا تستطيع التعامل إلا مع دولة ومسؤولين عنها. وترفض اللجنة الدخول في أي متاهات تؤدي الى المحظور والوقوع في فخاخ التضليل التي تؤدي الى عرقلة متابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه الذين ما زلنا نعتبرهم أحياء بسبب عدم ثبوت وفاتهم.
وفي معلومات لـ”النهار” انه في موازاة تحرك اللجنة والاتصالات التي تقوم بها على الاراضي الليبية كانت لها سلسلة من الزيارات واللقاءات الى الخارج ولقاء مجموعة من المسؤولين الليبيين السابقين الذين كانوا يشكلون الحلقة الاقرب والضيقة عند القذافي، وجرى لقاء هؤلاء والاستماع اليهم في بلدان عدة منها جنوب افريقيا، موريتانيا، مصر، قطر وعدد من الدول الأخرى.
ومن أبرز أركان القذافي الذين التقتهم اللجنة في القاهرة ابن خاله أحمد قذاف الدم الذي كان مسؤولاً عن ملفي سوريا ولبنان الى حين انهيار النظام، فضلاً عن موسى كوسا في الدوحة وآخرين.
ولم تحصل هذه اللقاءات إلا بعد تدخل مباشر من الرئيس بري بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات عن تفاصيل جريمة خطف الإمام. وأجرى بري لهذه الغاية اتصالات شملت شخصيات عربية وأجنبية أدت الى تمكن اللجنة من لقاء كوادر من فريق القذافي والاستماع اليهم للحصول على أكبر قدر من المعلومات التي تساعد في الاضاءة على هذا الملف.
أما على مسار القضاء اللبناني وتعامله مع قضية الصدر، فهناك “شبه تجميد” بسبب تقديم عائلة الإمام ادعاءات اضافية أمام المحقق العدلي الجديد القاضي زاهر حماده. وتشمل هذه الادعاءات مجموعة من كوادر فريق القذافي وعددهم أكثر من عشرة.
ويمارس المحقق العدلي مهماته بطريقة سرية، وفي المقابل يقوم المجلس العدلي بتفعيل اجراءاته وتحقيقاته وهو يستفيد من المعلومات التي حصلت عليها لجنة المتابعة.
ورداً على القائلين ان القذافي “لا يزال حياً” أمام المجلس العدلي في لبنان، توضح مراجع قانونية انه ليس المطلوب اثبات الوفاة أو عدمها انما المهم هو ملاحقة الفاعلين الآخرين من اركان النظام مع السعي الدائم لتحرير الإمام الصدر ورفيقيه “لأن ثمة من يعمل على اثبات وفاة القذافي للحصول على تعويضات مالية”.