IMLebanon

اليورو كبش فداء لأخطاء الزعامات السياسية الممزقة فكرياً

FinancialTimes
مارتن ساندبو

مع عودة بروكسل، يعود البيروقراطيون في الاتحاد الأوروبي ورؤساؤهم الساسة من كل عواصم أوروبا الوطنية، إلى مهمة رسم الاتجاه السياسي الذي يتعيّن على الاتحاد الأوروبي متابعته، على مدى الأعوام الخمسة المقبلة. أوروبا ليست ممزقة سياسياً فحسب، بل ومنقسمة فكرياً في الأعماق، بين رأيين يصعب التوفيق بينهما، حول ما العمل المفترض.
الأول هو الاقتناع العميق، الذي ولدته صدمة أزمة الديون السيادية، بأن أعضاء منطقة اليورو الـ 18 على الأقل، يجب عليهم السعي لتحقيق تكامل أعمق بكثير. هذا يعني وضع المزيد من الموارد المالية والمزيد من صناعة القرار بشأن السياسة تحت حُكم مركزي. الآخر هو الإيمان، الذي عززته الانتخابات في أيار (مايو) الماضي، من أن التكامل بالفعل قد ذهب إلى أبعد مما يمكن أن يقبل به الرأي العام. وأن الضرورة السياسية تقضي بإعادة الحكم الذاتي لصناعة السياسة إلى الدول الأعضاء.
عندما تكون المعاناة الاقتصادية لا تزال تُضعِف المنطقة من الداخل، يتحدى الأعداء والمنافسون من الخارج، فإن الارتباك هو آخر شيء تحتاج إليه أوروبا. مثل الأفراد، الأنظمة السياسية الحاكمة التي فشلت في حل تناقضاتها تميل إلى اللجوء إلى مزيج من التنافر أو الازدواجية أو النزاع مع التنافر – فقط تجاهل التناقض – سوف تهتز صناعة السياسة من اتجاه إلى آخر، في أوقات باتجاه أوروبا، وفي أوقات بعيداً عنها. هذا يعتبر تماماً بمثابة عدم وجود اتجاه على الإطلاق. الازدواجية – السعي وراء “المزيد من أوروبا” بينما التظاهر بالسعي لأقل من ذلك – تأتي بسهولة للقادة الذين عمدوا مطولاً إلى تهميش الخيار الديمقراطي لمصلحة الشعب كما يرونها، وتعزيز التشكيك في الاتحاد الأوروبي عن طريق إلقاء اللوم بمكر على “أوروبا” لأشياء في وسعهم تغييرها بشكل مباشر.
وإذا كانت كل بلاد ستهتز بجانب أو بآخر من المعضلة، فإن التناقضات ستنتهي باعتبارها معركة ملحمية بين معسكرين من الدول القومية. حتى الآن، الأمر مثبط للعزيمة، لكن هناك حل مستعص لهذه المشكلة المعقدة التي قيدّت بها أوروبا نفسها بنفسها. إنه إعادة تقييم الإدعاء أن الاتحاد النقدي ليس بإمكانه العمل إلا في ظل اتحاد مالي أو اتحاد سياسي.
ذلك الإدعاء سمح للبلدان المثقلة بالديون بالإشارة بأصابع الاتهام إلى عدم استعداد برلين لدعم اليورو مالياً دون حدود. في الوقت نفسه، يحق لألمانيا الرد بحق من أن البلدان الأخرى هي التي ترفض التخلي عن السيادة الوطنية في أي شيء، مثل المدى الذي تطالب به مجموعة الموارد المشتركة. بعبارة أخرى، اليورو يُقدّم للجميع كبش فداء مناسباً للحال.
لم يكُن اليورو هو الذي حال دون إعادة هيكلة سريعة للديون السيادية والمصرفية حين كانت غير قابلة للسداد، أو إعادة رسملة قوية للبنوك الأوروبية – مع رأس المال الخاص عندما يكون ذلك ممكناً، لكن من خلال مقايضة قسرية للديون مقابل الأسهم عند الضروروة.
كذلك لم يكُن اليورو هو الذي دفع الحكومات في أوروبا الدائنة للضغط من أجل سياسة تقشف للجميع، بدلاً من تحفيز الطلب في اقتصاداتها لتعويض التقشف في أوروبا المُثقلة بالديون. وأيضاً اليورو لم يكن هو الذي أجبر البنك المركزي الأوروبي على تنفيذ سياسة نقدية متشددة، بحيث إن الأرصدة النقدية الحقيقية والقروض التجارية في منطقة اليورو التي تقلصت لمدة خمسة أعوام، على التوالي.
في جميع الحالات، يُلقى باللوم على أخطاء السياسية غير الاضطرارية – وبالتالي على صناع السياسة، وليس على التصميم المؤسسي. لو كانت هناك خيارات أفضل في السياسة منذ بداية الأزمة، ما كانت منطقة اليورو لتخسر طريقها على طريق يسير باتجاه اتحاد لا يريده إلا قليل على ما يبدو.
تم تصحيح أخطاء السياسة جزئياً. تم تحقيق معظم التقدم من خلال استسهال شطب ديون البلدان المعسرة، أو إلقاء عبء الخسائر في البنوك الخاصة على مساهمي هذه المصارف، بدلاً من دافعي الضرائب. والواقع أن مؤسسات إعادة هيكلة الديون (للسندات السيادية وسندات البنوك)، هي الآن أكثر تطوراً بكثير من الاتحاد المالي والسياسي الذي يفترض أنه ضروري.
الأمر العالق هو الاعتراف بأن الاتحاد المالي يجعل الاتحاد السياسي غير ضروري. يمكن شطب الديون بأمان، فتختفي الحجة الداعية إلى التحويلات العابرة للحدود في المالية العامة لاسترداد هذه الديون. فضلاً عن ذلك، حين تقع الخسائر في المكان الذي تنتمي إليه – أي على المساهمين الذين يقامرون ويخسرون – فإن من غير المرجح أن تتجمع الديون المفرطة مرة أخرى.

ليس معنى ذلك أن التكامل الأعمق لن تكون فيه مصلحة. فهو سيسمح للدول بمتابعة الاهتمامات المشتركة أفضل مما تفعله كل دولة على حدة. الروابط المشتركة (من أجل تقليص تكاليف الاقتراض من خلال وجود سوق أعمق) ومشتريات الطاقة المشتركة (من أجل اكتساب القوة التفاوضية) هما مثالان على المزايا التي نتحدث عنها.
ينبغي متابعة هذه الأمور ليس تحت تهديد السلاح، وإنما من خلال أصوات الناخبين (وليس فقط أصوات زعمائهم) الذين يظنون أن هذه من الأمور الجيدة التي يجدر بهم القيام بها. ستأتي البلدان المختلفة للاعتراف بذلك في أوقات مختلفة ومن أجل جوانب مختلفة من السياسة. إن إدراك أن التكامل الأعمق هو خيار وليس ضرورة، يبين أيضاً كيف يمكن أن يبدو جذاباً في أعين الناخبين. الطريقة المناسبة في المرحلة المقبلة هي تبني أوروبا “من تحالفات الراغبين”، أي مجموعات من البلدان المستعدة لتجميع المزيد من الموارد والسيادة في مجالات محددة.
ينبغي أن تضع المفوضية الأوروبية وراء ظهرها تقليد “منهج الجماعة” الذي يتكامل فيه كل بلد على الطريق نفسه بالسرعة نفسها. بدلاً من ذلك يجدر بها أن تعتبر أن مهمتها هي تسهيل تحالفات الراغبين، وضمان أن التعاون الأوثق بين الراغبين في تطويره، يظل مفتوحاً لأطراف أخرى يمكن أن تنضم إليه فيما بعد.
كذلك يجدر بالدول المستقلة أن تركز، ليس على ما يستطيع الأعضاء الآخرون أن يقدموه لها، بل على السعي للعثور على شركاء للتكامل الذي ترغب فيه. يفترض في دعاة اتحاد الطاقة أن يبدأوا ببساطة بتطوير اتحاد بينهم.
والذين يطالبون بسندات صادرة عن منطقة اليورو، يجدر بهم أن يبدأوا تجارب على نطاق صغير مع أي شركاء راغبين يمكن العثور عليهم. لا حاجة للانتظار إلى حين قدوم جودو على شكل ضامن ألماني (لأن جودو لن يأتي أبداً).