بالنسبة لي لم يكن مهما التعرف علي اسم التحالف الفائز بتصميم مخطط تنمية قناة السويس بقدر ما كان مهما التعرف والوثوق بالإجراءت التي جري اتباعها لاختيار التحالف الذي سينفذ المخطط. فالنظام الجيد لابد ان يسفر عن نتائج جيدة, وهذا هو سر النجاح في الغرب وفي الدول التي سبقتنا علي طريق النمو السريع.
الخطوات التي اتبعتها السلطات المشرفة علي المشروع جاءت كلها باسلوب علمي يدعو للارتياح, ومن بين39 تحالفا ابدي اهتمامه بتصميم المشروع تم انتقاء14 تحالفا وتمت الاستعانة بشركة محايدة فرنسية الجنسية للقيام باعمال التقييم بالاشتراك مع البنك الدولي, كما جري الالتزام الصارم بتوقيتات قبول العطاءات والتقييم واعلان النتائج, وكل هذه مؤشرات جيدة علي اسلوب ادارة المشروع العملاق بما يتناسب مع اهميته لمصر وللعالم. وقد كان معيبا الي حد بعيد ان تظهر اصوات تندد بفوز مؤسسة غير مصرية بتنفيذ المشروع رغم كل ما تمتلكه مصر من كفاءات ومواهب قادرة علي تصميم هذا المشروع وغيره الي آخر هذا الطنطنة التي سئمنا سماعها من فرط تكرارها بمناسبة وبدون مناسبة. مصر غنية بخبرائها وبخبراتها هذا صحيح, ولكن المصريين لا يفهمون في كل شيء مثلهم مثل الالمان والانجليز والامريكان, فلا يوجد شعب يكتفي بذاته في كل المجالات وحتي ولو امتلك خبرات عريضة في مجال ما فالاصوب طبقا لعلوم الادارة الحديثة الاطلاع علي فكر الاخرين ربما يقدم شيئا غير متوفر لدي الخبرات المحلية. من اجل هذا نشهد عروض طلب خبرات في كل الدنيا لانشاء ميناء او مطار او ناطحة سحاب او مصنع, وفي غالبية الاحيان تفوز شركات اجنبية بالتنفيذ والتصميم.. يحدث هذا في اوروبا وفي امريكا بلا أي حساسيات فعالم اليوم اصبح قرية كبيرة ويكاد يكون سوقا واحدا ضخما ويتسع للجميع شرط ان تكون له مواهب ودأب علي العمل. وليس عيبا ان تخسر شركة عظيمة مناقصة محلية او دولية فلكل’ بيزنس ظروفه’, ولكن العيب ان يخرج الذي لم يحالفه الحظ ليطعن في الجميع من فاز ومن فحص ومن اعلن النتائج. وفضلا عن ان هذا الطعن لن يغير من النتائج فإنه يقلل من اعتبارية الطاعن ويثير الشكوك والريبة في نفوس الرأي العام غير المتخصص فتسود الريبة ويحل الشك محل اليقين.. فمن هو المستفيد من كل هذه البلبلة.
الامر المهم ان كل الناس تنتظر بشغف المخطط العام الذي يعده التحالف الذي رسا عليه العطاء وان يأتي معبرا عن طموحات المصريين في تعظيم الاستفادة من قناة السويس علي النحو الذي يستحقه هذا الموقع الفريد علي مستوي العالم والاكثر اهمية ان يظهر المخطط بصورة تجذب المستثمرين للاستفادة من هذه المنطقة العملاقة والفريدة.
وقد كان واجبا علي المؤسسة التي فازت بتصميم المخطط ان تقدم تصورا مختصرا للرأي العام والمستثمرين حول الملامح العامة للمشروع في ضوء التكليف الذي حصلت عليه من هيئة قناة السويس. وقد علمت ان ممثلي التحالف الفائز سوف يعقدون خلال الايام المقبلة عدة لقاءات بمستثمرين ورجال اعمال للاطلاع علي تصوراتهم لما يجب ان يتضمنه المخطط كما ستشمل هذه المقابلات لقاء مع شباب محافظات القناة وممثلي الحملة الشعبية لدعم قناة السويس بهدف التعرف علي رغباتهم واحتياجاتهم من المشروع باعتبارهم اهل المشروع رغم طبيعته العالمية وهذا ايضا جهد يستحق التقدير.
التحالف الفائز امامه تحد صعب وفرصة ثمينة, فالمشروع استثنائي بموقعه وبالظروف المحيطة به وهو بالتأكيد يمثل خبرة جديدة للخبراء والفنيين العاملين علي تصميه فمثل هذه المشروعات تحدث لمرة واحدة في حياة أي مؤسسة تعمل في تصميم المشروعات الضخمة, فلا توجد سوي قناة سويس واحدة, كما ان اغراضه متعددة تتوزع بين المناطق الصناعية والتخزينية والسياحية ويتضمن انشاء وتطوير مواني ومطارات وتشييد مدن جديدة ومحطات لتوليد الطاقة وكثير من المرافق التقليدية والمبتكرة.. كل هذا علي ضفتي اكبر ممر ملاحي صناعي في العالم ونقطة الاتصال بين الشرق والغرب, وهذا عمل يحتاج الي خبرات عميقة ومتنوعة وخيال واسع وممتد يستوعب حقائق اليوم وتصورات الغد بتقنياته الجديدة والمرتقبة. وقبل كل ذلك وبعده هذا مشروع قومي يحلم به المصريون منذ عهد الخديوي اسماعيل, وتترقبه الدوائر الملاحية والتجارية للاستفادة منه في تسهيل حركة البضائع بين الشرق والغرب.
الكل في انتظار انتهاء الستة اشهر المقررة للانتهاء من تصميم مشروع القرن حتي تكشف المؤسسة الفائزة عن تفاصيل ما جادت به قريحة مهندسيها وخبرائها يقدمونه خدمة للتجارة الدولية ويديره المصريون كما اداروا من قبل مرفق القناة بعد ان هجرها مرشدوها الاجانب قبل نحو60 عاما في واقعة تاريخية شهيرة.. وان غدا لناظره قريب.