لا يقتصر الشغور على رئاسة الجمهورية، بل وعلى أبسط مقومات حياة اللبنانيين من ماء وكهرباء.
فقد باتت أسلاك الكهرباء خارج الخدمة معظم الوقت، ما أدى إلى تفاقم التقنين الذي يبلغ في كل مرة مستويات قياسية جديدة، بينما كان اللبنانيون ينتظرون أن تأتيهم الكهرباء 24 على 24 في صيف العام 2015.
ومن حسن حظ الطبقة السياسية ان اللبنانيين لم يجتاحوا الشوارع، على امتداد مساحة التقنين وطنيا، ليقتصر احتجاجهم حتى الآن على قطع الطرق لفترات محدودة في هذه المنطقة او تلك.
ويكاد لا يخلو منزل ومتجر ومصنع ومستشفى من تداعيات أزمة التقنين العابرة للطوائف والطبقات، لاسيما في المناطق الواقعة خارج العاصمة، إذ إن القاعدة تقول انه كلما ابتعدت عن بيروت كلما اشتد الانقطاع في التيار، إلى أن يصبح حضوره «رمزيا» في الأطراف، مثلما صار حضور المولدات الخاصة جزءا من نسيج الحياة اليومية للبنانيين، برغم كلفتها الباهظة، ولجوئها هي الأخرى إلى التقنين!
وبدل أن تكون قضية الكهرباء أولوية الحكومة ومجلس النواب في هذه المرحلة، أولا، من باب المعالجة السريعة لتقليص التقنين قدر الإمكان، وثانيا، لتحديد المسؤوليات عن سبب هذا الانهيار في وضع التيار خلافا للتوقعات السابقة، إذا بمجلس الوزراء يهمل هذه القضية التي ينبغي أن تُخصص لها جلسة أو أن تتصدر أي جدول أعمال، في حين أن مجلس النواب المعني بالمراقبة والمحاسبة ما يزال مقفلا تحت وطأة التقنين السياسي القاسي.
بيروت والمناطق
وتعيش بيروت والمناطق هذه الأيام أسوأ أزمة تقنين في الكهرباء خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد وصلت التغذية في العاصمة إلى 12 ساعة يوميا، وأحياناً أقل من ذلك، بينما وصلت في المناطق والضواحي إلى أقل من 8 ساعات يوميا. أما الأعطال فغير محددة نتيجة توقف المياومين عن العمل، وعدم وجود تقارير من «مؤسسة كهرباء لبنان» حول ساعات القطع والتغذية وفق البرامج المعروفة التي كانت تنظم سابقاً.
المشكلة المتفاقمة حالياً، كانت حذرت منها مؤسسة «كهرباء لبنان» في كتاب طالبت فيه بتخصيص 3700 مليار ليرة لدعم الكهرباء التي يصل عجزها إلى أكثر من 3700 مليار ليرة سنوياً، فيما خصص لها مجلس الوزراء حوالي 3056 مليار ليرة في حدود عجز العام الماضي.
وكانت المؤسسة حذرت في كتاب إلى مجلس الوزراء ووزارة الطاقة من أن تخصيص 3056 مليار ليرة سيؤدي إلى تقليص الإنتاج وتأمين التغذية بحوالي 14.5 ساعة يومياً لكل المناطق بما فيها بيروت الإدارية التي كانت تحصل على 21 ساعة تغذية.
وجاء قرار مجلس الوزراء ليعطي «مؤسسة كهرباء لبنان» الحجة لتقليص العجز عبر توفير استهلاك المحروقات، وبالتالي تقليص الإنتاج إلى الحدود الدنيا، لتتوافق هذه الخطوة مع مبالغ الدعم لشراء المحروقات بما في ذلك محروقات البواخر التركية التي تنتج حوالي 300 ميغاوات حالياً، أي ما يعادل ثلث الكميات المنتجة في كل المعامل.
هذا التردي في الإنتاج رفع ساعات التقنين، وزاد أعباء المواطنين من المشتركين البالغ عددهم حوالي مليون و350 ألف مشترك، حيث انتشرت تجارة المولدات الخاصة وتعددت الفواتير لتأمين الكهرباء، إذ يبلغ العبء الشهري لفاتورة الكهرباء بين اشتراك المولدات الخاصة وكهرباء الدولة ما يتخطى نصف الحد الأدنى للأجور، حسب تأكيدات مواطنين مشتركين بمعدل خمسة «أمبير».
أما الكلفة، مع فاتورة شراء المياه للخدمة ومياه الشرب، فتصل إلى ما يتخطى الحد الأدنى للأجور البالغ 625 ألف ليرة شهرياً، علما أن انقطاع الكهرباء يصعّب نقل المياه وجرّها إلى المنازل.
أما الصرخة الكبرى، فتتعلق بالضرر المباشر وغير المباشر لجهة فساد الأطعمة والمأكولات في برادات الفقراء العاجزين عن تأمين الاشتراكات في المولدات الخاصة، والعاجزين أصلاً عن امتلاك القدرة على تنويع مصادر الطاقة، اضافة الى الاعطال التي تصيب الآلات الكهربائية .
وهكذا تحولت أزمة الكهرباء الناتجة من العجز المالي والإداري، والخلافات السياسية وتنازع المصالح السياسية والمكاسب الخاصة على حساب التقديمات، من أزمة تقنين إلى معاناة تعتيم وأزمة وطنية فعلية.
نظريان: تزايد الطلب والإضراب
ويقول وزير الطاقة أرتور نظريان لـ«السفير» إن «السبب الأساسي في تزايد تردي أوضاع الكهرباء يعود إلى إضراب المياومين وإقفال باب المؤسسة». وأوضح أن «الأعطال لا يتم تصليحها، ولا تتم عمليات الدفع للمهندسين لشراء التجهيزات والمعدات وقطع الغيار وغيرها من المستلزمات، أي أن العمليات الإدارية الضرورية متوقفة، وبالتالي تتأخر التصليحات وتزداد الأعطال، فالمؤسسة لا تستطيع القيام بأية إصلاحات وأعمال بلا الموظفين ودفع المستحقات للمتعهدين وتأمين اللوازم اليومية الضرورية».
وكشف نظريان أن لا تقارير من المعامل حول حجم الإنتاج فيها منذ عشرة أيام تقريباً، مع التقديرات بأن الانتاج حاليا يقدر بحوالي 1300 إلى 1400 ميغاوات، بينما يفوق الطلب 2800 إلى 2900 ميغاوات، مع الإشارة إلى أن الطلب يتزايد نتيجة النزوح السوري من دون القدرة على تلبية الحاجة خصوصا مع اشتداد موجة الحر.
وأشار نظريان إلى أن استجرار الطاقة من سوريا (120 ميغاوات) توقف منذ مدة لأسباب مالية لبنانية.
وثمة تحذيرات من ان تجاوز نسبة العجز في القطاع الكهربائي 50 في المئة من عجز الموازنة في العامين 2013 و2014 البالغ أكثر من 6500 مليار ليرة للمرة الأولى في تاريخ لبنان، أصبح يشكل معضلة بنيوية لا بل كارثية، خصوصا في ظل التوقعات باستمرار تزايد العجز، وبوتيرة تصاعدية، ليتجاوز الـ50 في المئة من نسبة الدين العام في 2017- 2018.