تُظهر الإحصاءات المتوافرة أن البطالة في لبنان ظاهرة شاملة وطويلة الأمد تؤثر بصورة متوازنة في الجنسين، وكذلك في مختلف المناطق والأجيال والفئات الاجتماعية المهنية، كما انها تعرض جدياً مستقبل لبنان الاجتماعي والاقتصادي للخطر الأكيد.
ومع ازدياد عمليات صرف الأجراء من العمل في عشرات المؤسسات، وفي وقت يسيطر الجمود على سوق العمل الداخلية، ويزيد الواقع الاجتماعي ألماً وبؤساً، ويرفع معدلات البطالة سواء الواقعية أو المقنعة، يمكن التوقف عند المؤشرات الآتية:
1 – رغم أن إحصاءات الاتحاد العمالي العام تُشير إلى أن نسبة البطالة بلغت أكثر من 17٪ فان قياس هذه النسبة يتم احصائياً، إلى عدد العاملين في لبنان، والتي تقدر بنحو 34٪ من السكان، وليس إلى عدد الذين يمكن ان يعملوا ولا يعملون.. واللافت هنا:
– ارتفاع نسبة البطالة عند الشباب وصل إلى 37٪ في العام 2013 وهو رقم قريب من الواقع، وأفاد رئيس الاتحاد العمالي العام غسّان غصن أن هذه النسب تمّ احتسابها بعد إضافة الشباب الذين خسروا عملهم، والباحثين عن عمل من خريجي الجامعات، والشباب الذين هاجروا بالإضافة إلى تراجع معدلات النمو الحقيقي، هذا ما تظهره احصاءات عام 2013، وما ينطبق من اسباب على تلك السنة ينطبق على النصف الاول من عام 2014 وهي موصولة الى نهاية العام الحالي.
– تسجيل نسب للعاطلين عن العمل أو الذين يبحثون عن عمل للمرة الأولى عند من تزيد فئات اعمارهم على 40 سنة وتبلغ 64 عاماً من الجنسين.
– يبلغ متوسط مُـدّة البطالة 13 شهراً ونصف الشهر وتبلغ 16 شهراً بالنسبة إلى الذين يبحثون عن عمل للمرة الأولى، وهو وضع سيئ، إذ لا يمكن تبرير ذلك للشباب ومن هم أكبر سناً (نسبتهم 44٪) أن ينتظروا بين 18 و24 شهراً قبل أن يتمكنوا من الانخراط في العمل. وقد أظهرت المسوح الديمغرافية أن مقام الفرد ومؤهلاته ليس من شأنهما ان يقلصا هذه المدة. مثلاً المبرمجين للمعلوماتية، وهو قطاع مزدهر، قد اهدروا زهاء 19 شهراً للحصول على عمل، في حين أن متوسط مُـدّة الانتظار عند المحاسبين 18 شهراً، اما الذين خضعوا لدورات تدريبية فمدة انتظارهم أدنى.
– الاقتصاد اللبناني بات غير قادر على خلق فرص عمل جديدة، وهو يؤمن بحدود 9 آلاف فرصة عمل سنويا، إذا صحت الإحصاءات، بينما الحاجة الفعلية هي بحدود 35 ألف فرصة عمل، مما يُعزّز فرضية الانتظار الطويل للحصول على عمل مناسب.
– العرض يناقض الطلب في سوق العمل، إذ يلاحظ من طلبات العمل أن اختصاصات طالبي العمل هي في معظمها مهنية وتقنية عالية (مهندسون، رسامون، برمجة كومبيوتر، شهادات تجارية عالية…) في حين ان المعروض هو لأعمال خدماتية (سائقون، مروجو بضائع، مهن حرفية خفيفة…)، مع الإشارة إلى انه في ظل عدم وجود آليات لسوق العمل، يتكل حوالى 70٪ من طالبي العمل على الواسطة والمحسوبيات والجغرافيا والصداقة.
– خسارة واحد لعمله من أصل اثنين لأسباب اقتصادية (اقفال المؤسسة 60٪، تقليص العدد 30٪) فيما نحو 60٪ من أصحاب والعمل والعمال المستقلين عاطلون عن العمل (أو كانوا عاطلين) لأسباب اقتصادية، مقابل 35٪ من المستخدمين الدائمين، فالشركات الصغيرة التي تعتبر منجماً حقيقياً للوظائف في فترات النمو الكبير، تتحول على العكس آليات لنسف الفرص عندما يتبدل الوضع، ويعيش لبنان اليوم هذه التجربة المرة.
ما يُعزّز هذا التصور هو ما يحذر منه غالباً رئيس الاتحاد العمالي العام غسّان غصن، ويخاف منه، وهو النمو السلبي للاقتصاد، الناتج عن العديد من العوامل منها:
1 – رداءة الأوضاع الاقتصادية عموماً بسبب تداعيات الأوضاع الأمنية والسياسية.
2 – الانكماش الاقتصادي الواسع، ما أدى ويؤدي إلى اقفال الكثير من المؤسسات أبوابها، أو تقليص نشاطها، أو نقله إلى خارج البلاد.
3 – اشتداد منافسة اليد العاملة الوافدة، لا سيما أن هذه اليد تستغل من قبل أصحاب العمل، ما يخالف قانون العمل اللبناني.
– أن النقطة الثالثة التي يثيرها غصن هي محط اهتمام من قبل أرباب العمل، إذ يجدون في عرض العمالة الأجنبية الفائضة فرصة لاستخدامها ضمن شروط لا يقبل بها اجمالاً العامل اللبناني، لجهة نوع العمل والأجر والتقديمات، وهذا منطق مرفوض، أي بينت الدراسات الاكتوارية أن العمال الأجانب وخصوصاً من الوافدين السوريين أو النازحين يحلون في مراكز عمل عالية التقنية محل عمال لبنان… وذلك الأمر يتيح لرب العمل تحقيق أرباح اكثر من حساب العامل اللبناني العاطل عن العمل، أو الذي يهاجر الى الخارج لتأمين بدل معيشته.
ويبلغ مجموع القوى العاملة اللبنانية المسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (563 الفاً و949 عاملاً)، وفق غصن، حوالى 200 ألف عامل في القطاعات غير النظامية، مثل المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر وعمال الورش وغيرها.
– يتحمل لبنان، إضافة إلى عاطليه عن العمل، العاطلين عن العمل من غير اللبنانيين المقيمين فيه (ضمن أسرة)، وتظهر الإحصاءات أن 6 من 10 أشخاص ممن هم فوق سن الـ40 يبقون اسرى البطالة لفترة تزايد على سنة. ويظهر واقع الحال: ارباب الأسر العاطلون عن العمل يشكلون 24٪، الشباب الذي يعجز عن تكوين أسرة لأسباب اقتصادية فضلاً عن تحقيق احلامه وطموحاته 64٪ من الذكور، و77٪ من الاناث هم عازبون، 37.5٪ من النساء تتراوح اعمارهم بين 55 و64 عاماً تبحثن عن عمل للمرة الأولى.
وبموازاة ذلك، فان دخل أكثر من نصف السكان بقليل هو يصل إلى مليون ليرة كحد وسط شهرياً، كذلك ثمة 38.3٪ من الأسر مستدينة، و37.1٪ من الأسرة اللبنانية صرّحت ان دخلها غير كاف… وهذا يعني أن البطالة لدى هذه الأسر جزئية لأن العامل الفرد يجب أن يكفيه أجره بعيداً عن الأسرة.
البنك الدولي
وفي تقديرات البنك الدولي فان هناك 40٪ من اللبنانيين هم تحت خط الفقر. ويتوقع أن ينحدر حوالى 170 ألف مواطن لبناني لما دون هذا الخط، محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان، ويرجح انحدار معيشي لـ320 ألف مواطن لبناني إلى ما دون خط الفقر.
دعم الأسر الأكثر فقراً
ومع أن الحكومة السابقة قامت بوضع برنامج «مشروع دعم الأسر الأكثر فقراً» موضع التنفيذ وهو يطال 80 ألف أسرة تحت خط الفقر، فهو لن يقيم العدالة الاجتماعية المرجوة، لكنه شكل فرصة للأخذ بيد العائلات الأكثر فقراً لمساعدتها على بناء قدراتها… فهل حقق هذا البرنامج، الذي تسهر على تنفيذه وزارة الشؤون الاجتماعية، غايته؟!!