تقف الأقطاب السياسية و«مسؤولو» الدولة موقف المتفرج من معاناة المواطنين المتفاقمة، جراء زيادة التقنين في التيار الكهربائي وأعطال الشبكة المرشحة للتفاقم، في ظل استمرار سيطرة عمال «الكهرباء» المياومين سابقاً على المقر المركزي للمؤسسة والعديد من دوائرها في المناطق، ورفض إدارة «الكهرباء» التسليم والتعامل مع هيمنة المياومين كأمر واقع عبر دخول فرق تابعة لها المقر المركزي، بـ«إذن» من المياومين، للحصول على المعدات اللازمة لإصلاح الأعطال في كابلات التوتر العالي، والتي تسبب معاناة حقيقية لأحياء واسعة من بيروت الإدارية، وتهدد بانقطاع التيار عن مطار بيروت الدولي.
جددت «لجنة العمال المياومين» يوم أمس استعدادها للتعاون مع مؤسسة «كهرباء لبنان» لإصلاح الأعطال في كابلات التوتر العالي في منطقة الأونيسكو (صيانة كابلات التوتر العالي من اختصاص مديرية النقل في المؤسسة)، والتي تسبب تقنيناً قاسياً في مناطق وطى المصيطبة وكورنيش المزرعة وثكنة الحلو ومار الياس وتلة الخياط وعائشة بكار، وتهدد بانقطاع التيار الكهربائي عن مطار بيروت الدولي الذي يعتمد حالياً على كابل الاحتياط. قالت اللجنة في بيان إن «المياومين في تصرف من يريد سحب التجهيزات المطلوبة للصيانة من مستودعات (المبنى المركزي)»، وإنهم مستعدون للقيام بأي تصليحات تقع في نطاق عملهم واختصاصهم (أي على شبكتَي التوتر المتوسط والمنخفض)، وأبلغوا موقفهم هذا إلى رئيس لجنة الأشغال والطاقة النائب محمد قباني، الذي وضع خطوة اللجنة هذه «برسم إدارة المؤسسة، للتصرف فوراً»، عارضاً «الاهتمام شخصياً» بترتيب الأمر.
غير أن مصدر في مؤسسة «الكهرباء» يؤكد رفض الإدارة لاقتراح المياومين السابقين، مشيراً إلى تجربة سابقة في هذا السياق منذ أيام، حيث «وقف المهندسون (المكلفون إحضار المعدات اللازمة للصيانة) على أبواب المؤسسة المقفلة بالجنازير والإطارات المكدسة، ولم يجدوا من يفتح لهم البوابات». «لا أحد مستعد لتكرار التجربة هذه»، يقول المصدر نفسه، مؤكداً «وحدة كلمة» مجلس الإدارة مجتمعاً وكذلك نقابة عمال ومستخدمي المؤسسة على الموقف الرافض لدخول أي من الموظفين حرم المركز الرئيسي قبل فتح البوابات كافة ووصول الجميع إلى مراكز عملهم، «من المدير العام إلى آخر موظف من أدنى فئة».
وكانت مؤسسة كهرباء لبنان قد أعلنت يوم أمس أن مديري المؤسسة كافة، إضافة إلى رئيس مصلحة الديوان ورئيس لجنة الاستلام، رفعوا بتاريخ 25 من الشهر الجاري كتاباً إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة كمال حايك، يفيدون فيه «بتعذّر قيامهم بواجباتهم العملانية لتأمين استمرارية التغذية بالتيار الكهربائي وخدمة زبائن المؤسسة، في ظل منعهم من الدخول إلى مكاتبهم في المبنى المركزي»، و«برفع مسؤوليتهم» عن تداعيات «استمرار احتلال المبنى المركزي». وقد أحال مجلس إدارة المؤسسة يوم أول من أمس الكتاب المذكور إلى الهيئات الرقابية ووزيرَي الطاقة والمياه والمالية.
في موقف لافت، رد «اتحاد الوفاء لنقابات العمال والمستخدمين» في بيان على تلويح شركات مقدمي الخدمات بصرف العمال المشاركين في «الاحتجاجات» والممتنعين عن الالتحاق بمراكز عملهم، مشيراً إلى أن «خطوات استفزاز العمال واستنفارهم عنصر غير مساعد على المعالجة المسؤولة لمطالب مياومي الكهرباء»، مضيفاً أنه «ما زال مع الحقوق العادلة والمشروعة التي أقرّ بها ضمناً المجلس النيابي للعمال المياومين، ومع التحركات النقابية المشروعة التي أقرتها شرعة وحقوق العمل النقابي».
وكانت نقابة عمال ومستخدمي مؤسسة كهرباء لبنان قد قررت الإضراب أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء المقبلة، «والحضور والاعتصام في كافة مراكز المؤسسة» وعدم تسلّم وتسليم المحروقات في معامل الإنتاج، للمطالبة بفتح بوابات المركز الرئيسي للمؤسسة «فورا»، و«ترفيع ملاك المؤسسة وفقاً للمادة 116 من المرسوم 13537/98»، مستثنية من الإضراب عمال الاستثمار في معامل الإنتاج ومناوبي التنسيق في مديرية النقل والمناوبين في محطات التحويل الرئيسية. ورأت النقابة أن «ما يحدث للمؤسسة منذ واحد وعشرين يوماً، (في ظل) الصمت الرهيب واللامبالاة لجميع المسؤولين والسياسيين»، يُحدث بالغ الضرر بالمرفق العام الحيوي، ويهدد لقمة عيش مستخدميه.
في ظل «النأي بالنفس» عن أزمة الكهرباء على المستوى السياسي، وتسليم القوى الأمنية بالعجز عن إنهاء تمرد المياومين السابقين، و«رفع المسؤولية» من طرف الإدارة المعنية، يحاول مختار محلة المصيطبة في بيروت صائب كلش متابعة مسألة أعطال الكهرباء. يقول كلش إن حايك طلب من فريق الصيانة الذي توجه منذ أيام إلى مبنى المؤسسة الرئيسي لتسلّم المعدات والبضائع اللازمة لصيانة خطوط التوتر العالي في الأونيسكو، أن يغادروا المبنى إن هم سُئلوا عن أسمائهم؛ لأن الدخول والخروج من مبنى المؤسسة هو مسؤولية الإدارة، وليس مسؤولية المياومين. ويروي كلش أن المياومين السابقين سألوا بالفعل أفراد الفريق عن أسمائهم والمعدات التي سيُخرجونها من المخازن، فنفّذ الفريق تعليمات المدير العام وانسحب فوراً. يستنتج كلش أن «هناك من يريد أن تتفاقم الأعطال» ليفرض معالجة شاملة للأزمة. وريثما تصل الأمور إلى المرحلة تلك، تنقطع الكهرباء لمدة خمس ساعات في الأحياء البيروتية المذكورة مقابل كل ساعة تغذية، بحسب كلش.
«لا اتصالات سياسية لحل أزمة الكهرباء» حتى الآن، يقول أحد الوسطاء العاملين لحل الأزمة، مشيراً إلى أن إدارة المؤسسة تريد «زيادة الضغط، من أجل التوصل إلى حل للمسألة كلها». يروي المصدر نفسه أنه عمل على حل عبر مجلس الخدمة المدنية، يقضي بتوصل إدارة المؤسسة ولجنة المياومين السابقين إلى رقم تسووي للشواغر في ملاك المؤسسة، بدل ذاك الذي جاء في مذكرة الإدارة إلى «مجلس الخدمة»، والذي حددت فيه المؤسسة حاجتها من العمال في الفئات الرابعة وما دون بـ879 موظفاً. وأبدى الوسيط تخوفه من وجود إرادة سياسية تمنع أي تسوية لأسباب تتعلق بتناتش الحصص من «التوظيف الانتخابي» في المؤسسة. إلا أن مصادر مؤسسة كهرباء لبنان كررت أنها لا تسعى إلى زيادة الضغط، فهي وموظفوها هُجِّروا من مقارّ عملهم بسبب احتلالها من عمال شركات مقدمي الخدمات، وبالتالي لا يجوز مطالبة الإدارة بالمرونة، في حين أن المتعنت هو من يمنع هذه الإدارة من العودة إلى مكاتبها وممارسة أعمالها.