من لا يعرف صيف جبيل في السنوات الأخيرة، لم يستمتع بجوّ من المرح والموسيقى والسهر على ضوء القمر في شوارع بيبلوس القديمة وأجوائها البحريّة التي “تسحر” الشباب و”تشدّهم” اليها ليرموا خلفهم مصاعب النهار اليوميّة، ويتمتّعون بشرب كأس مع الأصحاب لا يشبه غيره من الكؤوس، كونه يجمع رواد السهر من كلّ المناطق ومن خارج لبنان أيضاً، فيتشاركون جلسة تغذّي حواسهم الخمس بالنظر الى الآثار والمباني القديمة ولمس هواء جبيل الذي يحمل حبيبات من ملح البحر تنعش الشمّ وتعيد الى النفوس الذكريات القديمة على وقع انغام الموسيقى الشبابيّة النابضة بالحياة وتحلو بطعم المشروب على انواعه.
يقرّ الشاب جيرارد يعقوب، صاحب مقهى في جبيل، أنّه بالاضافة الى الربح المادي الذي حصده أصحاب المحال في السنوات الاخيرة، اكتسبت جبيل “صيتاً” ما زال يثمر سنة بعد أخرى. وكذلك يوضح ريمون رعد، موظف في مقهى في السوق القديم انه “منذ تدشينه المحلّ والعمل لم يتوقّف، خصوصاً في الصيف، فنحن نقدّم المأكولات والمشروبات ونعتمد موسيقى هادئة وغير مزعجة”.
وعن أجواء السهر هذا الصيف، أوضح لنا الشاب ايميريك وهبة، صاحب مقهى، انّه كان للمهرجان فائدة كبيرة، ففتحت المقاهي ابوابها الساعة الخامسة بعد الظهر تقريباً لخدمة من يرغب في تناول الطعام او المشروبات قبل المهرجان. كما وكان للمونديال السنة الحصّة الأكبر، فشهدت جبيل ازدهار واقبال فاق التوقعات من مشجعي الفرق كافة في الفوتبول. واهتمّ اصحاب المقاهي في كلّ التفاصيل اذ قدّموا لزبائنهم الصفارات والأعلام لتشيع فريقفهم المفضّل. وكانت جبيل تصرخ مع كلّ “GOAL” يدخل المرمى فتخال نفسك في ملعب البرازيل حيث كان مونديال 2014.
أصبحت جبيل مقصدا للهاربين من ضجيج بيروت واكتظاظها. فلياليها ببساطتها وطبيعتها “غير المصطنعة” اصبحت بديل عن أماكن السهر الأخرى التي هدفها الربح المادي وتتطلّب ارتداء الثياب الرسميّة. في جبيل يختلف الأمر تماماً اذ يستطيع من أمضى يوماً على البحر ان يكمل ليلته في مقاهي جبيل بثياب صيفيّة فضفاضة ومريحة وكأنه في منزله. هذا الجوّ المميّز يحتضن السياح واللبنانيين الذين يقصدوها من جميع المناطق لينعموا بأجواء لياليها “الساحرة” بالإضافة الى الأمان الموجود فيها والتعايش الطائفي الذي يطمئن الناس عند زيارتها.
“اختبأت” جبيل لفترة طويلة عن عيون محبيها لتعود بأبهى حللها في السنوات الأخيرة و”تفتح يديها” أمام الزوار و”تتأهلّ” بهم مؤمّنة لهم كلّ وسائل الراحة والترفيه والثقافة والفنّ والأمان والسلام والتعايش، ليطول السهر بين ارجائها وشوارعها القديمة. وكما قالت السيدة فيروز في احدى اغنياتها “الليل مش للنوم أصل الليل للسهر” فجبيل لن تنام بعد اليوم.