Site icon IMLebanon

نفط القطب الشمالي واعد ومكلف

al-hayat
وليد خدوري

أعلنت شركة «غازبروم نفط»، الذراع النفطية لشركة «غازبروم» الروسية، عن تحميل الشحنة النفطية الثانية الأسبوع الماضي من القطب الشمالي الى الأسواق الأوروبية. وكانت الشركة صدرت شحنة أولى من 70 ألف طن هذه السنة. وتعتبر الصادرات هذه جزءاً من محاولات روسية حصلت أخيراً لاستكشاف البترول في القطب الشمالي.
بدأ الانتاج البترولي من القطب الشمالي منذ اوائل القرن العشرين، فتم حفر أول بئر برية خلال عام 1920 في آبار «ويلس» الكندية، والأولى في المناطق المغمورة في «كوك اينليت» في ولاية الاسكا الأميركية عام 1963. ويقدر مجمل الانتاج من القطب حتى الآن بنحو 40 بليون برميل من النفط الخام، والتريليونات من الأقدام المكعبة من الغاز الطبيعي. كما يبلغ معدل الانتاج حالياً من القطب نحو 8 ملايين برميل يومياً من النفط المكافيء. وعلى رغم أهمية هذا المعدل، تشير معلومات الشركات النفطية الى ان الجزء الأكبر من احتياطات القطب البترولية لا تزال غير مستغلة.
هناك اهتمام متزايد بتطوير حقول البترول في القطب الشمالي، على رغم توافر عوامل كثيرة تؤخر عمليات الاستكشاف والتطوير. اذ يتخوف كثير من المنظمات الأهلية والدولية (بخاصة حركة «غرينبيس») من تأثير انتاج البترول على البيئة الحساسة في القطب نفسه، إضافة الى أثره على التغير المناخي العالمي. تضاف الى ذلك الخلافات المستمرة بين الدول المطلة على القطب (كندا، روسيا، غرينلاند، الاسكا الاميركية، والنروج). كما عرقلت عمليات التطوير، البيئة الصعبة من جبال جليدية وتجمد المياه لفترات طويلة من السنة. وهناك أربعة أشهر من السنة تقريباً (تموز – يوليو – منتصف تشرين الثاني – نوفمبر)، يمكن الاعتماد عليها للنقل البحري، الوسيلة الوحيدة للمواصلات.
وعرقلت التطوير أيضاً، البيئة الصعبة التي تواجه شركات النفط، اثناء الحفر والانتاج، والتي تعتبر الأصعب من نوعها عالمياً. ناهيك عن كلفة حفر الآبار (نحو 700-800 مليون دولار للبئر الواحدة)، اي نحو ثلاثة أضعاف كلفة الآبار الاستكشافية البحرية في بقاع أخرى من العالم. ولكن ما يزيد الاهتمام بالانتاج، هو استقرار أسعار النفط على مستويات عالية نسبياً لسنوات، (ما بين 100-110 دولارات للبرميل)، والتقدم المستمر في التقنية، إضافة الى الانهيار المستمر للجبال الجليدية التي تغطي القطب، ما يفتح ممرات بحرية اكثر.
يضيف القطب مصدراً مستقبلياً ومهماً للنفط. لكن أهميته لا تكمن فقط في اضافة مصدر بترولي جديد الى الحقول التقليدية والنفط العضوي والنفط الصخري، بل أيضاً في امكان زيادة الطاقة الانتاجية للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا ومواردهما البترولية الذاتية وتعويض الحالية، كما يزيد المنافسة الجيوستراتيجية بين الدولتين.
ويوفر النفط القطبي امدادات بترولية من قارة جديدة ذات موارد غير مستغلة وأنظمة بيئية حساسة وطرق صعبة من المواصلات. ووفق دراسة صدرت عام 2008 لادارة معلومات الطاقة الأميركية، تشير التقديرات الى احتمال تواجد احتياطات هيدروكربونية غير مكتشفة في القطب تقدر بنحو 13 في المئة من مجمل الاحتياطات النفطية العالمية الممكن استكشافها مستقبلاً، ونحو 30 في المئة من احتياطات الغاز غير المكتشفة حتى الان. وإذا صحت هذه المعلومات، فإن هذه التقديرات تعني توافر نحو 90 بليون برميل من النفط المكافيء في القطب، وان الجزء الأكبر منه (نحو 84 في المئة) يتواجد في المناطق المغمورة. ونذكر بأن هذه الارقام اولية، فمن الصعب جداً الحديث عن حجم الاحتياطات غير المكتشفة بدقة، قبل الانتهاء من برنامج استكشافي واسع النطاق للحقول المتوافرة ومساحتها وعمقها وطبيعتها الجيولوجية، وكمية النفط الذي من الممكن استخراجه منها.
تكمن أهمية النفط في القطب الشمالي في اضافة احتياط (نفط وغاز) يضاهي مثيله في بعض دول «اوبك». ويعتبر خبراء غربيون ان هذا الاحتياط الاستراتيجي مهم جداً للعقود المقبلة، اذ يتوقع تضاعف الطلب على الطاقة عموماً والنفط بخاصة بحلول عام 2050، مع استنزاف كثير من الحقول الحالية والازدياد الكبير في استهلاك الدول الناشئة. وبالنسبة للدول المنتجة، من الواضح ان هذا المصدر النفطي الصعب الانتاج والباهظ الكلفة، أخذ يصبح ممكن الإنتاج اقتصادياً بفضل استقرار الأسعار على مستويات عالية لفترة طويلة. وواضح أيضاً، ان الاستثمار في القطب سيزيد المنافسة بين النفوط المختلفة، لكنه يطيل في الوقت نفسه عمر عصر النفط مقارنة بالمصادر الأخرى، ناهيك عن توجه الاستثمارات الضخمة الى هذه القارة الجديدة بدلاً من التركيز على بدائل الطاقة المستدامة.
لا يزال العمل البترولي في القطب في مراحله الأولى، على رغم الاحتياطات الهائلة الممكنة. والسبب هو تحديات العمل، التقنية والبيئية والاجتماعية (العلاقة مع السكان المحليين، وعلى سبيل المثال شعب الإسكيمو في ألاسكا)، والسياسية. فعلى سبيل المثال، تواجه شركة «اكسون موبيل» وضعاً صعباً في اتخاذ قرار بدء العمل مع شركة «روسنيفت» الروسية الحكومية للحفر في المنطقة الروسية من بحر «كالا»، نتيجة للعقوبات الجديدة التي فرضتها أميركا على الشركات بسبب الأزمة الاوكرانية. وكان مقرراً ان يبدأ تحالف الشركتين أعمال الحفر في بحر «كالا» هذا الشهر. وهذا الاستكشاف جزء من برنامج العمل الضخم للشركتين والذي يشمل أيضاً استكشاف النفط الصخري في «سيبريا»، وتطوير حقول نفطية في ولاية «تكساس». ومن المتوقع ان تضر العقوبات الاميركية بالعمل المشترك في بحر «كالا»، بخاصة لأن رئيس شركة «روسنيفت» قد أضيف اسمه الى قائمة الشخصيات الروسية الممنوعة من السفر الى الولايات المتحدة. فهل سيستمر العمل مع الشركاء الآخرين في المشروع، أي شركة «ايني» الايطالية و «شتات أويل» النروجية؟