«هناك عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية لم تشرب هذه السنة سوى مرة واحدة، عليك أن تحمد ربّك ألف مرّة على أن أرضك شربت مرتين هذه السنة وتبطل نق». هكذا ردّ أحد نواطير مياه الريّ في الضنية على مزارع في المنطقة كان يلحّ عليه بهدف توفير المياه له لريّ بستانه. هذا الجدل ارتفعت حدّته في الآونة الأخيرة بين نواطير المياه والمزارعين في الضنية، بعدما وجد مئات المزارعين في المنطقة أنفسهم غير قادرين على ري أرضهم بشكل كاف، ما ألحق أضراراً كبيرة بمواسمهم الزراعية.
يوضح رئيس بلدية قرصيتا محمد علوش، أن «عدم ري الأراضي الزراعية كفاية، أدى إلى يباس نحو 30% من بساتين البلدة»، وهي بساتين تشتهر بأنها الأولى في إنتاج الإجاص في الضنية والشمال، إذ يناهز موسمها عادة 400 ألف صندوق، لكن هذا العام، و«بسبب موجة البرد التي ضربته باكراً وندرة المياه، فإن الموسم بالكاد وصل إلى 15 ألف صندوق».
يكشف علوش أن «إشكالات شبه يومية تقع بين المزارعين ونواطير المياه بسبب عدم توزيع مياه الري بشكل عادل، وأن البلديات وفاعليات ولجاناً محلية تعمل على حلحلة هذه المشاكل قدر المستطاع»، وحمّل مصلحة مياه الضنية «القسم الأكبر من مسؤولية أزمة المياه في الضنية هذه السنة». ويلفت إلى أن مصلحة المياه «لم تنظم عمل النواطير كما يجب، ولم تراقبهم في عدم تقيدهم بالتعليمات، كذلك إن الاهتراء في قنوات مياه الري الفرعية والرئيسية، التي لا يزال بعضها ترابياً حتى اليوم، وعدم قيام المصلحة بصيانتها كما يجب، كان سبباً إضافياً في تصاعد أزمة المياه». ويضيف علوش سبباً آخر لأزمة المياه، هو عدم إنجاز سد بريصا، الذي تبين بعد انتهاء أكثر من 90% من منشآته أن أرضيته غير صالحة ولا تضبط المياه المتجمعة فيه، مشيراً إلى أنه «لو كان سد بريصا منجزاً لأمكن سد حاجات المنطقة كلها إلى مياه الري».
يلجأ بعض المزارعين إلى شراء صهاريج المياه المكلفة مالياً
رئيس بلدية نمرين المجاورة مصطفى عربس، أوضح لـ«الأخبار» أن مواطناً من بلدته «لم يرو أرضه الزراعية سوى مرة واحدة هذه السنة، كانت منتصف شهر آب، ما ألحق أضراراً كبيرة بها».
عربس الذي انتقد بشدة أداء مصلحة المياه، اعترف بأن «الأزمة سببها قلة المياه»، لكنه رأى أن «إدارة مواردها بشكل سيئ فاقمها»، لافتاً إلى أنه «لو اتبعت مصلحة المياه إجراءات معينة لأمكن تجاوز الأزمة بأقل ضرر ممكن، ولكن لم يُستجَب للمطالب والنداءات».
الشكوى من أزمة المياه تمتد إلى بلدة سير، المركز الإداري للقضاء وواحدة من أغنى بلدات الضنية بالينابيع والمياه. إذ يوضح رئيس بلديتها أحمد علم أن «هناك تراجعاً بلا شك في موارد الينابيع»، معتبراً أنه «لو كانت هناك إدارة جيدة لهذه الموارد، ولو نفذ مشروع سد بريصا جيداً، لما كانت هذه الأزمة موجودة في منطقة تعد واحدة من أغنى مناطق لبنان بالمياه، سواء الينابيع أو خزانات المياه الجوفية».
انخفاض منسوب مياه أغلب الينابيع كان ملحوظاً هذه السنة، فقد تراجع منسوب نبع السكر الشهير في الضنية، والذي يروي أراضي جرد الضنية ووسطها، نحو 60% عمّا كانت عليه السنة الماضية، وهو أمر انسحب أيضاً على نبع القسام الذي يروي بلدتي سير وبقرصونا وجوارهما.
يشير رئيس بلدية بقرصونا محمد بكور، إلى أن «قسماً كبيراً من أراضينا الزراعية بتنا نرويها بواسطة «النباريش»، وهو أمر لا يؤمّن ريّ الأراضي كفاية، ما أدى إلى يباس بين 10 ـ 15 في المئة من البساتين».
اتساع رقعة هذه الأزمة ابتداءً من منتصف شهر آب، الذي يشهد عادة انخفاضاً طبيعياً في موارد مياه الينابيع، دفع كثيراً من المزارعين للاستغناء عن زراعة الخضار نهائياً، وسعيهم لتأمين المياه لري أشجارهم المثمرة فقط، لكونها تتطلب كمية أقل من المياه. لكن بعض المزراعين، الذين زرعوا أصناف من الخضار، لجأوا إلى شراء صهاريج مياه لهذه الغاية، ما كبدهم أعباء مالية، لأن سعر كل صهريج يراوح بين 25 و40 ألف ليرة. يقول رئيس بلدية السفيرة حسين هرموش إن هذا «يحصل للمرة الأولى في البلدة منذ سنوات، ما أدى إلى يباس نحو 10 في المئة من بساتينها»، مشيراً إلى وجود أزمة مياه الشرب أيضاً في البلدة، التي سعى من أجل حلها إلى حفر آبار جوفية لمعالجتها، لكن تكلفة تشغيلها المرتفعة جعلته يوقف العمل بها.
يطالب رئيس بلدية بيت الفقس مصطفى ديب بتأهيل قنوات الريّ، واستغلال مصادر المياه التي تذهب هدراً، وإدارة مصادر المياه جيداً من قبل المصلحة، وتركيب مضخات للآبار الجوفية، إضافة إلى ضرورة إصلاح الخلل في سد بريصا، حتى لا تتكرر أزمة العام المقبل.
مدير مصلحة المياه في الضنية ماهر ساعاتي أوضح أنه لا يمكنه الرد على الاتهامات التي وجهت للمصلحة قبل أخذه إذناً مسبقاً من وزارته. إلا أن مصادر مطلعة أوضحت لـ«الأخبار» أن «المسوؤلية مشتركة، لأن اختيار النواطير يكون عادة بالتوافق بين المصلحة وفاعليات وأهالي كل بلدة». وأشارت إلى أن «العجز في جباية مستحقات مياه الري يصل إلى أكثر من 300 مليون ليرة سنوياً، وهو يُعوَّض من فائض جباية مياه الشرب، ويجعل مصلحة مياه الضنية تعجز عن تأهيل شبكات مياه الري التي تتكبد عليها سنوياً نحو 100 مليون ليرة سنوياً». وأوضحت الأوساط أن «عجز المصلحة مالياً عن استثمار ينابيع إضافية، مثل مياه نبع الزحلان الذي تذهب مياهه هدراً، وعدم إنجاز سد بريصا، وندرة الدعم الذي تقدمه لها وزارة الطاقة والمياه لتنفيذ مشاريع في الضنية، وقلة الأمطار هذه السنة، جعل المشلكة تتفاقم على نحو غير مسبوق».