شريفة عبدالرحيم
نشرت الجريدة الرسمية الأسبوع الماضي نص موافقة مصر علي الانضمام إلي الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد وذلك مع التحفظ علي شرط التصديق, وهو ما يشير من جديد إلي ضرورة فتح ملف مكافحة الفساد الذي ترتبط قصصه, عادة, بالدول النامية. ومن أبرز تلك الدول التي بدأت تخطو خطوات جادة من أجل محاربة جميع أشكال الكسب غير المشروع, الصين, الأمر الذي يدعو إلي إلقاء نظرة علي جهودها في هذا المجال باعتبارها من الاقتصاديات الحريصة علي اللحاق بركب الدول المتقدمة, وأحد السبل التي تسلكها في ذلك تعزيز النزاهة والشفافية.
بالرغم من جميع المعارك التي تخوضها في حربها علي الفساد فإن الصين, وببساطة, تستخدم المسكنات حتي تؤتي الإصلاحات الجوهرية ثمارها, وذلك بحسب اعترافات نائب رئيس الوزراء وانغ كيشان المسئول عن ملف مكافحة الفساد.
ويقول مسئولون في الحكومة الصينية إن اعتقال المسئولين لا يحقق وحده النتائج المرجوة, ولكن لابد من مراجعة النظم الاقتصادية والسياسية في البلاد.
يذكر ان أكثر من84 ألف مسئول قد صدرت بحقهم عقوبات إدارية وأخري تتعلق بالحزب خلال النصف الاول من العام الجاري, بزيادة نسبتها30% عن نفس الفترة من العام الماضي بحسب مصادر رسمية ومن بين هؤلاء عضو سابق في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم, ومسئول عسكري سابق, وعدد من نواب الحكام وحوالي30 مسئولا وزاريا.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد أطلق حملة تطهير واسعة النطاق ضد الفساد في الصين عندما تولي منصبه أواخر2012.
ومن جانبه نفي نائب رئيس الحكومة الصينية لمسئولين غربيين عزم الإدارة الصينية تبني نظام سياسي متعدد الأحزاب مثلما فعلت دول أوروبا الشرقية, بعد انهيار الشيوعية, الذي يعتمد علي الأحزاب المعارضة في ضمان نزاهة المسئولين.
ويبدو أيضا ان الصين لا تفكر في إصلاحات أخري مهمة, في رأي الخبراء, من أجل مكافحة الفساد, مثل إصلاح نظام القضاء بما يكفل استقلاليته عن الحزب الشيوعي.
وقد كشفت صحيفة الايكونومك اوبزرفر الاسبوع الماضي عن بعض تفاصيل الحملة الصينية علي الفساد بفرض قيود جديدة أكثر صرامة, علي مبيعات الاراضي الحكومية. ومن المقرر أن تتم مراجعة جميع الصفقات التي تمت بين عامي2008 و2013, والتغيرات في حجم الأراضي الزراعية بين عامي2009 و2013.
* مبيعات الأراضي
أصبحت مبيعات الأراضي مصدرا حيويا للدخل بالنسية لمسئولين حكوميين, حيث يتم الاستحواذ علي الاراضي من المزارعين مقابل أسعار زهيدة, ثم تتم إعادة بيعها لأغراض التنمية العقارية والصناعية, مما يشعل غضب المزارعين. وتواجه الحكومات المحلية صعوبة شديدة في سداد ديون تقدر بنحو2.9 تريليون دولار.
في عام2013, بلغت عائدات الأراضي640 مليار دولار, بزيادة45% عن العام الماضي وفقا لوزارة المالية. والتدقيق في تلك الصفقات يساعد في الكشف عن واقع استخدام الأراضي المحلية, وربما يكشف الممارسات غير المشروعة في مزادات الأرضي.
الشكوك حول جدوي حملة التطهير كشف عنها تقرير لوول ستريت جورنال الذي أشار الي اعتقاد مهندس حملة مكافحة الفساد, وانغ كيشان, وفقا لمسئولين غربيين التقوا به, بالحاجه الي مزيد من الانضباط الحزبي, ولكن ليس من الواضح ما هي أفضل السبل لذلك في حزب به85 مليون عضو, وكثير منهم لا تجمعهم رؤية فكرية واحدة.
علي مر السنين, أرسلت الصين مسئولين سياسيين إلي سنغافورة لمعرفة كيف تمكنت هذه الدولة صاحبة الحزب الواحد من تطوير نظام حوكمة نظيف نسبيا.( تعد سنغافورة واحدة من أنظف البلدان في العالم في أحدث مؤشرات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية, وهي المجموعة العالمية المعنية بمكافحة الكسب غير المشروع).
ومن الاجراءات التي اتخذتها سنغافورة, رفع رواتب موظفي الخدمة المدنية, من أجل تقليل الاحتياج لأخذ الرشوة. ولكن الحل السنغافوري مكلف جدا بالنسبة للصين, لان ذلك يعني زيادة الرواتب لعدد هائل من موظفي الخدمة المدنية.
كيشان اوضح من قبل, فكرة ترسيخ القواعد التي وضعها رئيس الحزب, شي جين بينغ, في وقت سابق, والمعروفة باسم’ المبادئ التوجيهية الثماني لتغيير السلوك الرسمي’ التي تمنع المسئولين الحكوميين من القيام بأشياء مثل الاسراف في الولائم, واستخدام السيارات الحكومية لأغراض شخصية.
تغييرات محتملة أخري يمكن أن تجعل من الصعب علي المسئولين إخفاء ثرواتهم غير المشروعة مثل نظام تسجيل العقارات الذي يتيح بشكل أكثر وضوحا من يملك ماذا. وهناك مقترح بإلزام المسئولين بالافصاح عن ممتلكاتهم علنا, وهي بالطبع مسألة صعبة في أي مجتمع.
وأوضح كيشان خلال سرده لخارطة طريق الحملة القومية علي الفساد, أن التركيز علي قطاعات, مثل بيع الاراضي, المشروعات العقارية وحقوق التعدين سيكون لها تأثير ملموس في تقليل الكسب غير المشروع. وقال إن معاقبة الفاسدين شيء ومنع الفساد مشكلة أخري وهو ما تسعي إليه الصين علي المدي البعيد.
ولكن كما يقول خبراء في مركز بكين للدراسات الصينية, الإفراط في إجراءات مكافحة الفساد بدأت تؤثر علي قرارات المسئولين في ظل تزايد مخاوفهم من التعرض لاتهامات بالفساد. والأفضل في رأيهم أن يكون هناك مناخ سياسي جيد وهو ما يستدعي إعادة هيكلة سياسية في الصين.
* تكلفة مكافحة الفساد
وفي هذا السياق, كشف تقرير لوول ستريت جورنال عن جانب آخر للحرب علي الفساد في الصين, وهو تأثيرها علي الاقتصاد. فقال ان حملة التطهير التي يتغني بها قادة الصين في كل مناسبة لها تكلفتها. فالحد من الكسب غير المشروع قد يعني علي المدي القصير خفض النمو, ذلك لأن المسئولين الحكوميين هم المحرك الرئيسي لدفع عجلة النشاط الاقتصادي لقطاعات مثل السيارات والفيلات والساعات الفاخرة.
وقد تتأثر الاستثمارات المحلية ايضا, مع إحجام مسئولين حكوميين عن اتخاذ قرارات, متعلقة بخصخصة مصنع للصلب مثلا, خوفا من التعرض للاتهام بتقاضي رشوة. والقلق إزاء احتمالات التعرض لتهمة الفساد سيؤدي الي انتشار الايدي المرتعشة في القطاع العام بما يقلل المشروعات الجديدة, في رأي محللي بنك أوف أمريكا, الذين تشير تقديراتهم إلي خفض نمو الناتج المحلي الاجمالي الصيني نتيجة للحرب علي الفساد في البلاد بنسبة تتراوح بين0.6% و1.5% العام الجاري.
أما مارك زاندي, كبير الاقتصاديين في وكالة موديز للتصنيف الائتماني, فقد رسم صورة أكثر شمولية لحساب الأرباح والخسائر للحرب علي الفساد في الصين. ووفقا لتقديراته, فان تحسن بلد ما بفارق مركز واحد في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية, الذي يعني بالنسبة للصين الانتقال من المركز الـ80 من بين175 بلدا’ الي المركز الـ77, وهو ليس بتحسن كبير, من شأنه أن يخفض الناتج المحلي الاجمالي2% في العام الأول. والتأثير السلبي يقل في السنوات الثلاث التالية.
والسبب في ذلك, ان التحسن في التصنيف العالمي للفساد يعني ايضا انخفاض مبيعات السلع الفاخرة, وضعف الاستثمارات وتراجع السوق العقاري.
قد يضطر المسئولون الفاسدون الي بيع أصولهم العقارية, وامتناعهم عن تقاضي رشوة قد يضعف الطلب علي العقارات مما يؤثر علي حركة البناء ايضا.
بالطبع النتائج تختلف من بلد الي آخر. والبلدان ليست جميعها مثل الصين, تعتمد علي الاستثمارات الكبيرة, والصفقات العقارية الضخمة, ومبيعات السلع الفاخرة, لدفع النمو.
البرازيل تتبع نمطا’ مماثلا’ الي حد ما في تحليل موديز, للصين. اما الهند فسوف تستفيد في الواقع من تحسن تصنيفها في مؤشر الفساد, لان ذلك كم يقول زاندي سوف يشجع المستثمرين الاجانب علي انفاق المال هناك, وهو أمر تجد الهند صعوبة فيه علي عكس الصين. وان كان تحسن مناخ الاستثمار سيقابله انخفاض في الاستهلاك الترفي ومظاهر اخري سلبية.
روسيا, من ناحية اخري, قد تستفيد كثيرا من الحد من الكسب غير المشروع. وحسب تقديرات موديز, معظم الفساد في روسيا يتركز في قطاع الطاقة, أحد أهم الصناعات في البلاد. وتقليل الفساد سوف يشجع استثمارات شركات الطاقة الكبري.
بصفة عامة, تلك البلدان التي تستفيد مباشرة من مكافحة الفساد تستمر المكاسب فيما بعد. ولكن بالنسبة للدول التي تتضرر اقتصاديا من محاربة الفساد, التكلفة تتلاشي بمرور الوقت, وعلي المدي البعيد تجني الثمار. وهذا بالطبع قد يستغرق عدة سنوات في بعض الدول. بعض خبراء التنمية الاقتصادية ورؤساء الشركات في الماضي اعتبروا الفساد محركا للنمو في الدول النامية. ولكن علي مدي العقد أو العقدين الماضيين, تغيرت تلك النظرة علي نحو متزايد مع الاتجاه الي توصيف الفساد بأنه سوء إدارة وانه السبب في تخلف كثير من البلدان عن الدول المتقدمة, ولذلك ينصح الخبراء بضرورة التصدي لآفة الفساد بجميع أشكاله, والتفكير لأمد بعيد.
يقول خبراء في جولدمان ساكس ان مكاسب الصين من مكافحة الفساد ملموسة, بما في ذلك تعزيز فعالية الانفاق الحكومي, وتقليل التوترات الاجتماعية وزيادة نمو الانتاجية وتشجيع الابتكار.
اذا كانت القواعد الهشة, القوانين الضبابية, كسر اللوائح قد ساعدت الصين من قبل علي النمو الا انها الان لم تعد في حاجة لمثل هذا الدعم. ونضوج اقتصادها سوف يستفيد أكثر الان من وجود نظام شفاف خال من الفساد.
ويقول مدير مركز بكين للدراسات الصينية إن حملة مكافحة الفساد كانت حتي الآن استثنائية ناجحة لكن من سخرية الأقدار أن تكشف كل تلك الجهود, التي كان من المفترض أن تؤدي إلي إسكات دعوات الإصلاح السياسي في الحزب الشيوعي, في نهاية الأمر عن مدي حاجة الصين إليها.