جون بلندر
هناك طريقة عريقة لحماية دافعي الضرائب من تحمّل كامل تكاليف فشل مؤسسة مالية قادرة على التأثير في سلامة النظام المالي بأكمله. هذه الطريقة تنطوي على ضغط البنوك المركزية ووزارات المالية من أجل التوصل إلى نظام مصرفي مرسمل بصورة أفضل، لاستيعاب الشركة المعتلة من خلال عملية دمج مُنسقّة.
مع ذلك، أصبح من الواضح أن هذه الأداة لإدارة الأزمة لم يعد بالإمكان استخدامها، الأمر الذي يُثير تساؤلات بشأن قدرة السلطات على حفظ توازن النظام المالي أثناء الأزمات.
لا يوجد ما يوضح النقطة أفضل من دفع بانك أوف أمريكا 16.7 مليار دولار الشهر الماضي، لتسوية الادعاءات بأنه ضلل المستثمرين فيما يتعلق بالأوراق المالية المدعومة بالقروض العقارية. لقد كان هذا شكلاً غريباً من العدالة.
المزاعم لم تنشأ من نشاطات المصرف بل من نشاطات مصرفي ميريل لينش وكانتري وايد، المصرفين اللذين استحوذ عليهما “بانك أوف أمريكا” في عام 2008.
بطبيعة الحال، لو كان مجلس الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة الأمريكية هما من وضع قواعد اللعبة، لما كانت تم معاقبة هذه التجاوزات ما قبل عملية الدمج، والتي كانت لتُثير مجموعة مختلفة من التساؤلات بشأن العدالة، أو عدم وجودها.
لأن وزارة العدل، وهيئة الأوراق المالية والبورصات، ووكلاء نيابة عامة في ست ولايات، كانوا يملكون فرصة رائعة لوضع كل التدابير في هذا النطاق الصغير الذي يبدو أنه مربح، فإن القواعد تتطابق مع منطق مختلف.
الرسالة للمجتمع المالي – كما هو الحال في عقوبات بنك جى بي مورجان تشيس بسبب سوء سلوك بنك واشنطن ميوتشوال، قبل أن يتم الاستحواذ عليه من البنك الأكبر في عام 2008 – هي أن العناية الواجبة لعمليات الدمج في الأزمات قد تستغرق الآن وقتاً طويلاً جداً، على نحو يجعلها غير قابلة للتطبيق العملي.
الشيء نفسه ينطبق في أوروبا، مع أنه لأسباب مختلفة. لقد أظهرت التجربة في المملكة المتحدة مع عملية استحواذ بنك لويدز على بنك HBOS كيف أن الاستحواذ السريع على بنك ضعيف يمكن أن يُدمر البنك القوي الذي باشر الاستحواذ. حيث كان بنك اسكتلندا الملكي قد تضرر بالمثل من قِبل أجزاء من بنك آيه بي إن أمرو.
على القدر نفسه من الأهمية، هناك مشكلة المصارف التي ليست أكبر من أن تفشل فحسب، بل هي أكبر من أن يتم إنقاذها كذلك، لأن التزاماتها كبيرة جداً بحيث إن الحكومة تفتقر للقدرة المالية اللازمة لمساعدتها. الدمار الذي أحدثته المصارف الكبيرة جداً في إيرلندا وآيسلندا توفّر درساً صارخاً.
عمليات الدمج بين البنوك الكبيرة في البلدان المتقدمة تعتبر فاشلة، لكن منذ انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008، أظهر جميع مساوئ الإفلاس التقليدي واضحة جداً. في الولايات المتحدة، كان قد تم حظر عمليات الإنقاذ الحكومية من قِبل تشريع دود فرانك. لذلك يجب العثور على مصادر جديدة للتمويل وذلك لإعادة رسملة المصارف ذات الأهمية النظامية التي تعاني مشكلات.
الإجماع الحالي هو أن هذا ينبغي أن يأتي من الدائنين “الكفلاء” بحيث يتقاسمون الخسائر، في الوقت الذي تكون فيه آليات الحل، أو التفكيك، المنظمة في مكانها المناسب. كما أشار تشارلز جودهارد، الأستاذ الفخري في كلية لندن للاقتصاد، فإن الدائنين الذين يواجهون مخاطر أكبر إما سيطالبون بعوائد أعلى أو يضعون الأموال في مصارف على شكل ودائع، حتى تكون في مأمن من الاضطرار للتدخل على حسابهم.
ولمنع هذا، من المرجح أن تطالب السلطات أن تحتفظ المصارف بمخزون احتياطي مطلوب من رأس المال الذي يستوعب الخسارة، وأن يكون هذا الاحتياطي أعلى، وإلى جانب ما هو مخصص لحقوق الملكية. السؤال المطروح هو ماذا سيحدث عندما يتم استهلاك المخزون الاحتياطي العازل من الديون التي تستوعب الخسارة؟
في الولايات المتحدة، رفض كل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع هذا الشهر “الوصايا الحية” التي طلِب إعدادها من قبل أكبر المصارف الأمريكية والأوروبية، باعتبارها غير ملائمة.
وهذه تعتبر آلية مركزية للحل المُنظّم للمصارف التي تفشل أثناء الأزمات. على الرغم من محاولة أوروبا الانتقال إلى الاتحاد المصرفي، إلا إن آلية الحل الموحدة تترك حرية تصرف كبيرة للسلطات الوطنية.
مفارقة في قلب هذا النهج الجديد للأزمات النظامية هو أن الدائنين الكفلاء من المرجح أن يحصلوا على آثار بعيدة المدى لأنه، على عكس عمليات الإنقاذ، سيُلحق الخسائر بمؤسسات مالية أخرى ذات أهمية نظامية. قانون “دود فرانك” يتطلع إلى الصناعة المصرفية لمواجهة أي خسائر تجاوزت ما تقوى الأسهم والديون على استيعابه، وهذه تعتبر وصفة للذعر.
عندما تخشى الحكومات أن أزمة نظامية بإمكانها تعجيل الركود، ربما تجد سبلاً للعودة إلى العادات القديمة في عمليات الإنقاذ. في عامي 2008 و2009، تبيّن أن هذا يُثير الفوضى، لكن استحالة عمليات الدمج المُنسقّة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، والهيكل التنظيمي الذي لم يُختبر بعد، تُشير إلى أنه عندما يحدث ذلك قد يتبيّن أن إدارة الأزمة هي أكثر فوضوية.