عامر ذياب التميمي
تطرق كتيب بعنوان «نحو إصلاح القطاع العام في دولة الكويت» أصدرته أخيراً الجمعية الاقتصادية الكويتية بالتعاون مع المركز المالي الكويتي، وهو شركة استثمار أساسية في البلاد، إلى مسائل أساسية تتعلق بإصلاح القطاع العام والإدارة الحكومية، ومنها أهمية القطاع للتنمية الاقتصادية، وقياس مؤشرات الحوكمة في الكويت، والتأثير في الأعمال والاستثمار والأعباء الاجتماعية. وإصلاح الإدارة الحكومية في الكويت ليس مسألة جديدة إذ تناولته دراسات كثيرة حول الاقتصاد الكويتي في العقود الخمسة الماضية، بدءاً بمطلع ستينات القرن الماضي عندما كلفت بعثة من البنك الدولي وضع دراسة لإصلاح الاقتصاد الوطني.
يؤدي القطاع العام في الكويت دوراً طاغياً في الحياة الاقتصادية، إذ يشغل الكويتيين بنسب عالية، ويوفر الأعمال لمنشآت القطاع الخاص من خلال تعاقداته ومشترياته. وثمة من يرى أن المطلوب هو إصلاح الآليات والأساليب المتبعة في أعمال القطاع، كما يتضح من الدراسة المشار إليها، لكن ذلك يغفل القضية الأساسية، وهي الهيمنة غير المسبوقة للقطاع العام على العديد من النشاطات التي يجب أن تدار بموجب معايير السوق وبملكية واضحة من القطاع الخاص.
يستوعب القطاع العام، سواء الدوائر الحكومية أو المنشآت المملوكة من القطاع العام، أكثر من 300 ألف كويتي يمثلون 80 في المئة من إجمالي العاملين الكويتيين في البلاد. ويمثل هؤلاء نحو 25 في المئة من المواطنين البالغ عددهم 1.2 مليون شخص. وخلال السنوات الأخيرة خصِّص للرواتب والأجور والبدلات والتعويضات والتأمينات الاجتماعية لهؤلاء 50 في المئة من القيمة الإجمالية للموازنة السنوية التي تتراوح قيمتها بين 20 و21 بليون دينار (70 – 74 بليون دولار). ويساوي الإنفاق على الرواتب والأجور في القطاع العام 19 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 52 بليون دينار، وهي نسبة عالية لا تضاهيها أي مخصصات إنفاق في البلدان المتقدمة أو النامية خارج الخليج.
والإنفاق العام في الكويت، الجاري والرأسمالي، يعتمد على إيرادات النفط، ولذلك فإن أي تراجع مهم في أسعار النفط سيمثل معضلة مهمة للدولة في مواجهة هذه الالتزامات الحيوية، فلا توجد حتى الآن أدوات مالية أخرى يمكن أن تعوض إيرادات النفط. وخلال السنوات الماضية طُرحت أفكار لدعم تشغيل المواطنين الكويتيين في منشآت وشركات القطاع الخاص إلا أن البيانات تؤكد أن القطاع الخاص لا يشغّل سوى 80 ألف مواطن يمثلون ستة في المئة فقط من إجمالي عمال القطاع الخاص والباقي عمال وافدون. وأي مسح لمؤسسات القطاع العام يؤكد أن التشغيل ليس مبنياً على احتياجات حقيقية أو ضرورية إذ تشكو الإدارات الحكومية من تواضع القدرات المهنية لأعداد كبيرة من الموظفين الكويتيين، ما يضطرها أحياناً إلى تشغيل عمال وافدين للقيام بمتطلبات العمل.
وإذا كانت مسألة التشغيل والتحملات الاجتماعية من القضايا الحيوية التي تواجه تحديات الإصلاح الإداري في القطاع العام، فإن أداء القطاع مسألة ذات أهمية أيضاً. فكيف يمكن أن يساهم القطاع العام في توفير الأرضية الصالحة للتنمية من دون تعزيز الكفاءة والارتقاء بالأداء؟ يشكو رجال أعمال كثيرون من تعطل أعمالهم ومصالحهم نظراً إلى تعطل الإجراءات الضرورية لدى الدوائر الحكومية. وتأكد خلال السنوات الماضية تعثر إمكانات خلق بيئة أعمال جاذبة للاستثمار في الكويت نظراً إلى فشل الإدارة الحكومية في مواجهة متطلبات التنمية الاقتصادية والانفتاح على الاستثمار.
لذلك ظلت الكويت البلد الأقل جذباً للاستثمارات المباشرة في الخليج. وفي 2000- 2011 لم تزد قيمة الاستثمارات الأجنبية المتراكمة عن بليوني دولار في حين بلغت 180 بليوناً في السعودية و83 بليوناً في الإمارات و38 بليوناً في قطر و11 بليوناً في البحرين. وأصبحت الكويت من أهم البلدان المصدرة لرؤوس الأموال بعدما أصبحت البيئة الاقتصادية شبه طاردة. ويعزى هذا التراجع إلى الحياة السياسية، إذ أصبحت السلطة التشريعية على مدى السنوات الثماني الماضية من أهم العناصر المعيقة للإصلاح وتعطيل دور القطاع الخاص. وعملت السلطات التشريعية على حماية الأوضاع المتردية في الجهاز الحكومي ووفرت للعاملين أجوراً ورواتب ومزايا من دون التأكيد على أهمية الإنجاز أو الارتقاء بالأداء.
هل يمكن إصلاح الجهاز الحكومي، أو الإدارة الحكومية، من دون تبني فلسفة اقتصادية مختلفة عن فلسفة الاقتصاد الريعي؟ تتبنى الكويت سياسات مالية تهدف إلى توفير معيشة مناسبة وارتقاء بالخدمات للمواطنين من دون احتساب التكاليف الاقتصادية والاجتماعية. لكن يبدو أن هذه السياسات لم تعد مقنعة، فالخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم تدهورت كثيراً وأصبحت المرافق مثل الكهرباء والطرق والموانئ والمطار غير قادرة على توفير المتطلبات المتزايدة للسكان. وعلى رغم الإنفاق العام الكبير تظل النتائج متواضعة.
لا يمكن أن نتوقع تحسناً في الأداء لدى المؤسسات الحكومية حتى لو جرى تغيير الهياكل وتعزيز الاستقلالية. المطلوب هو نهج اقتصادي مختلف يعزز دور القطاع الخاص ويوكل مهام العمل في المرافق وقطاع الخدمات إلى مؤسسات خاصة تعمل بموجب معايير مختلفة وتلتزم بالمقاييس والشروط الدولية وتهدف إلى السيطرة على التكاليف وتحقيق إيرادات مناسبة من أعمالها. ولا بد من أن تتبنى السلطات السياسية فلسفة جديدة للتشغيل بموازاة إصلاح للنظام التعليمي للارتقاء بالقدرات والتخصصات المطلوبة لدى الأجهزة الحكومية والمنشآت الخاصة بما يمكن من تشغيل المواطنين في مواقع عمل حقيقية. ولا شك في أن تبني هذه الفلسفة الاقتصادية وما يستلزم من سياسات مالية وإدارية قد لا يكون يسيراً في الأمد القصير، لكن لا بد من وضع مخططات واضحة المعالم لتحقيق ما هو منشود خلال أمد معقول.