IMLebanon

نفط بحر الشمال واستفتاء إسكتلندا

al-hayat
وليد خدوري
يتوجه الناخبون الإسكتلنديون إلى صناديق الاقتراع في 18 أيلول (سبتمبر) الجاري لتقرير بقائهم في المملكة المتحدة أو استقلالهم عنها وأمامهم هذان الخياران فقط. وفي حال رجحان كفة الاستقلال، ستُعقد محادثات لسنتين لتحديد موعد زمني للبت في الإجراءات القانونية والمالية العالقة قبل الانفصال التام في 2016، ما يعني انتهاء اتحاد تأسس عام 1707.
يدعم الحزب القومي الإسكتلندي مطلب الاستقلال، وهو فاز في الانتخابات البرلمانية المحلية عام 2011 بقيادة زعيمه رئيس الوزراء الإسكتلندي الحالي أليكس سالموند الذي يحاول الحصول على تأييد واسع لبرنامجه الاستقلالي من خلال مجموعة من الوعود للناخب الإسكتلندي، خصوصاً الحوافز والشعارات الاقتصادية، منها الانفكاك عن القوانين البريطانية والاستقلال المالي عن لندن، وأهمية استئثار إسكتلندا بمعظم احتياطات النفط والغاز في الجزء البريطاني الحالي من بحر الشمال.
ويشمل النقاش إلى جانب وجهات نظر تاريخية وسياسية، سجالاً نفطياً حول كمية الاحتياطات النفطية المتبقية في البحر، ومدى استفادة إسكتلندا في حال الانفصال مع تقلص الاحتياطات. والموضوع التاريخي الشائك يتعلق بحرية الإسكتلنديين تحت نفوذ الإنكليز.
يتوافر 84 – 90 في المئة من الاحتياطات النفطية للمملكة المتحدة في بحر الشمال وفي الجرف القاري الإسكتلندي خصوصاً، ما يعني ان الغالبية الساحقة من النفط البريطاني في بحر الشمال ستكون ملكاً لإسكتلندا في حال استقلالها. ولا خلاف حول ملكية الموارد البترولية في حال الاستقلال، بل حول كمية الاحتياط البترولي المتبقي في بحر الشمال، ومدى إمكانية استفادة إسكتلندا منه مستقبلاً.
تشير أرقام الإنتاج خلال السنوات الماضية بوضوح إلى ان معدل الإنتاج البترولي من بحر الشمال في انخفاض سنوي مستمر. ويلفت التقرير السنوي الإحصائي لمنظمة «أوبك» لعام 2013 إلى ان إنتاج بريطانيا من النفط الخام سجل عام 2008، 1.362 مليون برميل يومياً، وعام 2009، 1.301 مليون، وعام 2010، 1.202 مليون، وعام 2011، 1.006 مليون، وعام 2012، 868 ألفاً.
وتورد تقارير أخرى ان معدل إنتاج النفط الخام سجل نحو 820 ألف برميل يومياً عام 2013، ما يعني انخفاضاً بنحو 62 في المئة عما كان عليه قبل عقد من الزمن. ونتيجة لذلك انخفضت الضرائب على الإنتاج لتسجل في 2012 أقل مستوياتها عند 7.8 بليون دولار. ومنذ بدء الإنتاج من بحر الشمال قبل أربعة عقود، استخرِج نحو 24 بليون برميل من النفط المكافئ (النفط زائداً السوائل البترولية).
وبرزت خلال حملة الاستفتاء وجهات نظر متباينة حول الاحتياطات البترولية المتبقية للنفط. إذ تقدر بيانات الحكومة البريطانية الاحتياطات المتبقية بـ 11 – 21 بليون برميل من النفط المكافئ، مقارنة بتقديرات الحكومة الإسكتلندية الأكثر تفاؤلاً عند 15 – 24 بليون برميل من النفط المكافئ. ويتوقع المسؤولون عن الصناعة النفطية ان يستمر انخفاض مستوى الإنتاج من بحر الشمال إلى نحو 250 ألف برميل يومياً بحلول 2050.
ويثير احتمال استقلال إسكتلندا أسئلة كثيرة، منها إمكانية انضمام إسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتأثير الاستقلال في قيمة الجنيه الإسترليني، والتداعيات الضريبية على لندن في غياب الريع النفطي. وتتمثل الحجة الأساسية للمدافعين عن بقاء إسكتلندا جزءاً من المملكة المتحدة في ان مرحلة انخفاض إنتاجية حقول بحر الشمال بدأت فعلاً، لذلك ليس مستوى ريعها النفطي مؤكداً أو موثوقاً. وتقدر المؤسسة الوطنية للاقتصاد والبحوث الاجتماعية في لندن قيمة الريع السنوي من بحر الشمال بنحو 11.6 بليون دولار، لكنها تشير إلى ان على الحكومة الإسكتلندية ان تأخذ في الاعتبار أنها ستخسر تحويلات مالية تحصل عليها سنوياً من الحكومة البريطانية.
ويُعتبر قطاع النفط والغاز اكبر جهة صناعية مستثمرة في المملكة المتحدة، فهو يوظف حوالى 450 ألف شخص وبلغت الاستثمارات فيه نحو 317 بليون جنيه منذ سبعينات القرن العشرين. وتحذر الشركات النفطية الكبرى العاملة من الانفصال، إلا ان اهتمامها الرئيس يبقى مركزاً على قيمة الضرائب المفروضة على الإنتاج وقوانين الاستثمار السارية، خصوصاً قدرتها على ضمان تنافسية القطاع.
ويؤدي النفط دوراً مهماً في حركات الانفصال في عدد من الدول، منها إلى جانب إسكتلندا، جنوب السودان وكردستان العراق. لكن ثمة عوامل أخرى تؤثر في قرار الانفصال، منها نظام الحكم، والاختلافات الدينية أو المذهبية أو العرقية، ناهيك عن تاريخ العلاقات بين العاصمة والأطراف. والخلافات هنا نسبية وليست مطلقة، كما ان الخلافات وأثرها في عملية الانفصال تعتمد على عوامل كثيرة. لكن التجارب تبين ان لوجود احتياطات نفطية وما يصاحبها من ريع نفطي ضخم أهمية في الكثير من تجارب الاستقلال وتقسيم الدول.
يؤمّن الريع النفطي أموالاً ضخمة للحركات الاستقلالية تعطيها هامشاً كبيراً من الحركة والقدرة على استقطاب جمهور واسع قد يصعب إقناعه بضرورة الاستقلال عن دولته الأم التي عاش فيها طوال عمره. وإن دلت هذه التجارب على شيء، فهو ضرورة مراعاة المركز للأطراف وعدم تركيز الاستثمارات والعمران في المركز، بل توسيع رقعة النمو الاقتصادي، وبأكبر مقدار ممكن ليشمل كل أطراف البلاد، لقطع الطريق على نمو شعور بالغبن في الأطراف، خصوصاً تلك الغنية بالموارد الأولية.
وعلى رغم الانخفاض المتوقع في احتياطات بحر الشمال، تتطلع إسكتلندا إلى اكتشافات جديدة محتملة حول جزر شيتلاند التي يقطنها حوالى 22 ألف شخص وتقع في المياه الشمالية لإسكتلندا. ويمكن جداً ان تؤدي الاكتشافات المتوقعة في هذه الجزر النائية إلى زيادة الاحتياط النفطي الإسكتلندي. ويدعو رئيس الحزب القومي الإسكتلندي إلى حزمة إصلاحات في قطاع النفط، منها استشارات أوسع مع الشركات النفطية، وتأسيس صندوق للأجيال المقبلة شبيه بالصندوق النرويجي، الأمر الذي يؤمّن احتياطات مالية ضخمة مستقبلاً، خصوصاً بعد انخفاض مستوى الإنتاج. وسيكون دخل هذا الصندوق للشعب الإسكتلندي فقط.