إعتبر رئيس الحكومة تمام سلام خاطفي العسكريين أنّهم “همجيون، لا دين لهم، ولا يفهمون الا لغة الذبح لاعتقادهم أنها ستوصلهم الى تحقيق مآربهم”، وقال: “إنهم يفاوضوننا بالدم”. وإذ نبّه إلى انّ “المعركة طويلة، ويجب أن لا تكون لدينا أيّة أوهام في أنّها ستنتهي سريعاً”، دعا إلى “الثقة بالحكومة وبإدارتها لهذا الملف، بعيداً عن المزايدات، والالتفاف الكامل حول الجيش والقوى الأمنية التي تحظى بتغطية سياسية كاملة في عملها الرامي الى التصدي للإرهاب وحفظ أمن لبنان واستقراره”.
وتوجه إلى أهالي العسكريين المخطوفين، مؤكداً أنّ “الجيش لن يتخلى عن جنوده، ولن يدخر أيّ جهد لإعادتهم الى الصفوف، صفوف الشرف والتضحية والوفاء”، ومشدّداً على انّ “لبنان لن ينكسر، وهؤلاء الارهابيون سيهزمون بالتأكيد”.
كلام سلام جاء في كلمة وجهّها مساء اليوم، إلى اللبنانيين، مباشرة على الهواء.
نصّ الكلمة الكامل
“أيّها اللبنانيون، بالأمس فقدنا بطلا. فقدنا الجندي عباس مدلج، وقبله رفيقه الجندي علي السيد والمقدم نور الدين الجمل والمقدم داني حرب، وغيرهم الكثير ممن انضموا الى قافلة شهدائنا العسكريين والمدنيين، الذين سقطوا ضحايا موجة الإرهاب الظلامي التي تتعرض لها بلادنا.
إنني، إذ أنحني أمام ذكرى هؤلاء الشهداء الابطال، أتقدم بخالص العزاء الى عائلة الشهيد عباس مدلج، التي تعالت على جراحها مثلما فعلت عائلة الشهيد علي السيد قبلها، وكانت أمثولة في العزة والكبر والوطنية.
ما جرى بالأمس ليس حادثة يتيمة، لها ما قبلها، وربما يكون لها ما بعدها لا قدر الله. إنها فصل من صراع طويل مع الارهاب، لم يبدأ في أحداث عرسال الأخيرة. فقد سبقتها سيارات مفخخة زرعت في أكثر من منطقة لبنانية، ومواجهات عديدة مع الجيش والقوى الأمنية، التي سجلت نجاحات جنبت اللبنانيين الكثير من المخاطر.
ومنذ اللحظة الأولى لبدء هذه الحملة على لبنان، تمكن اللبنانيون، على رغم انقساماتهم السياسية الحادة، من كبح تداعيات هذه الأعمال الارهابية، وحالوا دون تحقيق هدفها الأبرز وهو إيقاع الفتنة في البلاد.
إن اللبنانيين مدعوون اليوم، الى التمسك بهذا النهج، كسبيل وحيد لاجتياز الامتحان الصعب الذي نواجهه جميعا.
نعرف أن النفوس مشحونة والغضب كبير، لكننا يجب أن نعرف أن الفتنة، التي يسعى إليها الإرهابيون، وقد يستسهلها الجهلة وأصحاب النفوس الضعيفة، هي المدخل الى خراب السلم الوطني.
إن مشاعر الحزن والأسى لدى أهالي العسكريين المخطوفين وجميع اللبنانيين، هي مشاعر طبيعية تحظى بكل احترام وتفهم. لكن ما جرى في الشارع في الأيام الماضية أساء للشهداء، وأساء لقضية ابنائنا الأسرى، وكاد يودي بالبلاد إلى منزلقات خطيرة.
إن اللجوء الى إقفال الطرقات وتعطيل الحركة في البلاد لن يعيد الينا عسكريينا. فالمواجهة في مكان آخر، هي مع العدو الارهابي، وليس في الداخل مع بعضنا البعض. هي في رص الصفوف، وليس في بعثرتها وتشتيتها.
انّ اللبنانيين مدعوون اليوم الى التمسك بهذا النهج، كسبيل وحيد لاجتياز الامتحان الصعب الذي نواجهه جميعا. وعلى القيادات السياسية وقادة الرأي، إدراك حراجة اللحظة التي تمر بها البلاد، والارتفاع إلى مستوى التحدي، والعمل على ضبط الانفعالات والغرائز وتصويب الرؤية، وتغليب كل ما هو وطني جامع على أي مصلحة فئوية.
وإذا كان الألم كبيرا، وهو كبير بالفعل، فإن الأكثر إيلاما هو السماح للإرهاب بالنفاذ من شقوق خلافاتنا السياسية، ليعبث بنسيجنا الوطني، ويتسبب بفتنة مذهبية يسعى اليها كل يوم القتلة المجرمون.
أيها اللبنانيون، إنهم يفاوضوننا بالدم، لأنهم همجيون، لا دين لهم، ولا يفهمون الا لغة الذبح لاعتقادهم أنها ستوصلهم الى تحقيق مآربهم. الدم غال، لكننا لن نجزع، ولن نفقد الإتجاه أو نستسلم لمشاعر الإنتقام، لن تضعف إرادتنا، وسنبقى على تماسكنا وصبرنا وحكمتنا، وإصرارنا على استعادة ابنائنا بكل السبل. لسنا في موقف ضعف، خياراتنا عديدة، وهناك عناصر قوة متعددة بين أيدينا.
إننا ننظر في كل السبل الكفيلة بتحرير أسرانا. كما نواصل الاتصالات والمساعي في كل اتجاه للوصول الى هذه الغاية، استنادا الى القرار الجامع الأخير لمجلس الوزراء الذي حدد القواعد التي يجري على اساسها التفاوض. وهنا أتوجه بالشكر الى سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على مساعيه المستمرة لمساعدة لبنان على تجاوز هذه المحنة.
المعركة طويلة، ويجب أن لا تكون لدينا أية أوهام في أنها ستنتهي سريعا. العدو ليس تقليديا، لقد تسبب لنا بألم كثير، وقد يتسبب بألم أكثر. لذلك، فإن المطلوب هو الثقة بالحكومة وبإدارتها لهذا الملف، بعيدا عن المزايدات.
والمطلوب أيضا هو الالتفاف الكامل حول الجيش والقوى الأمنية التي تحظى بتغطية سياسية كاملة في عملها الرامي الى التصدي للإرهاب وحفظ أمن لبنان واستقراره.
وليعلم أهالي المخطوفين أن الجيش لن يتخلى عن جنوده، ولن يدخر أي جهد لإعادتهم الى الصفوف، صفوف الشرف والتضحية والوفاء.
وهنا أود أن أناشد وسائل الاعلام اللبنانية كافة، بما هو معروف عنها من وطنية، ايلاء عناية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة، إلى كل ما يعرض ويقال على الشاشات وعلى صفحات الجرائد وشبكة الانترنت، وبالابتعاد عن كل ما يثير الحساسيات والمشاعر.
النازحون السوريون أهلنا، استجاروا بنا فأجرناهم، مثلما تفرض أصول الأخوة والجوار. وإذا كان بعض اماكن تجمعهم قد تحول الى بؤر خرج منها مسلحون إرهابيون انتهكوا حرمة الضيافة، واعتدوا على عسكريينا ومدنيينا، فإن معالجة هذه المسألة الشاذة يجب أن تتولاها السلطات المختصة والأجهزة الأمنية والقضائية المعنية، بعيدا عن العقل الثأري الداعي الى الفتنة، فنكون بواحدة لنصبح بفتنتين.
أيها اللبنانيون، لقد قدم مجلس الوزراء، بعد بدء الهجوم المسلح على عرسال، مشهدا وطنيا تضامنيا رائعا، وعكس موقفا موحدا لجميع القوى السياسية من الإرهاب والإرهابيين. إننا مدعوون لتعميم هذا المشهد رأفة بوطننا، ورأفة بأبنائنا العسكريين، الذين لن نستكين قبل إعادتهم سالمين. لا خيار أمامنا سوى التماسك الوطني مهما كان الألم كبيرا، ومهما طالت المدة.
تحية لروح علي السيد وعباس مدلج. تحية لأرواح الشهداء العسكريين والمدنيين في المعركة مع الإرهابيين الظلاميين. لبنان لن ينكسر. وهؤلاء الارهابيون سيهزمون بالتأكيد. عاش لبنان”.