IMLebanon

برنامج آبي لإنعاش الاقتصاد الياباني يحيد عن الهدف

FinancialTimes
جوناثان سوبل

في الوقت الذي يواجه فيه باراك أوباما الانتقادات في الولايات المتحدة لممارسته اللعب أثناء الاحتجاجات العنصرية التي عكرت صفو مدينة فيرجسون في ميسوري، وقطع المتشددين رأس الصحافي الأمريكي في سورية، كان كذلك شينزو آبي، نظيره الياباني، يتعرض للانتقاد بسبب ممارسته للعبة الجولف أثناء وجود أزمة.

في حالة آبي، التهمة هي أنه استمر في المباراة بعد استلام تقارير تفيد بانهيارات أرضية في محافظة هيروشيما، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 شخصا وسط موجة من الأمطار الغزيرة.

تماماً مثل الهجمات على أوباما، فإن الانتقادات – دعت أحزاب المعارضة لإجراء تحقيق برلماني – يبدو كأنه من أعراض نقاط ضعف أعمق: برنامج آبي الاقتصادي “آبينوميكس” الذي كان شعبياً بطريقة غير قابلة للمسِّ ذات مرة، يعاني الآن من تضعضع مكانته خلال الصيف.

هناك عدة أسباب وراء ذلك. لقد أنفق آبي رأس ماله السياسي بحرية على قضايا يعتقد أنها مهمة بالنسبة لليابان لكنها غير محبوبة من الشعب، مثل رفع القيود الدستورية عن الجيش، وإعادة تشغيل محطات الطاقة النووية التي تم تعطيلها بعد انهيار فوكوشيما عام 2011.

هناك سبب أكبر قد يؤدي إلى الاستياء من سياسات آبي الاقتصادية – والتي كانت فيما مضى أعظم أصوله السياسية. حتى قبل تأكيد الانكماش الصارخ للناتج المحلي الإجمالي البالغ 6.8 في المائة بالمعدل السنوي في الربع الثاني، من خلال بيانات الحكومة هذا الشهر، كانت الشكوك تتزايد بشأن حملة رئيس الوزراء لتحفيز النمو.

صحيفة سانكي، التي هي في العادة داعمة لآبي، أعلنت عن “منطقة مظلمة” في برنامج آبينوميكس في تموز (يوليو)، بعد أن أشارت استطلاعات الرأي إلى أن الأشخاص غير الموافقين على طريقة تعامل الحكومة مع الاقتصاد أكثر من الأشخاص الموافقين. في استطلاعات متعددة للرأي، يبلغ دعم آبي العام أقل من 50 في المائة، بانخفاض حاد عن تصنيف يزيد على 70 في المائة كان يتمتع به في معظم عامه الأول في المنصب.

يقول روبرت فيلدمان، كبير الاقتصاديين في اليابان في بنك مورجان ستانلي إم يو إف جي: “إن برنامج آبينوميكس في ورطة”، كما يشير إلى فقدان الثقة بين المستثمرين إضافة إلى الرأي العام. ويشعر بالقلق أنه على الرغم من أن بعض المؤشرات الاقتصادية قد بدأت تشير إلى ارتفاع بعد الربع الثاني المؤلم، “إلا أن الوتيرة بطيئة جداً على نحو لا يبرر الأمل في انتعاش حاد”، حسب قوله.

كان السؤال الذي يتردد بكثرة عن برنامج آبينوميكس هو ما إذا كان بإمكان آبي تنفيذ إصلاحات هيكلية لتعزيز النمو – والتي تُدعى بالسهم الثالث من استراتيجيته لإنعاش الاقتصاد المكوّنة من ثلاث نقاط.

على أن هذا السؤال لا يزال دون إجابة: السجل حتى الآن يبدو كأنه مزيج من الإنجازات، والمساومات والفرص الضائعة. على أي حال، حتى المتفائلين يعترفون بأن التحرير وغيره من المبادرات سيستغرق تنفيذه أعواما، بل وحتى فترة أطول ليكون له أي تأثير في النمو.

الآن يتم توجيه التشكك على ما كان يعتقد أنه الكفاءة الأساسية لبرنامج آبينوميكس، أي تنشيط الاقتصاد من خلال تحفيز المالية العامة، خاصة، التحفيز النقدي.

المشكلة لا تتعلق كثيراً بالبيانات الأخيرة للناتج المحلي الإجمالي، لقد كان التراجع متوقعاً بصورة عامة بسبب الزيادة في ضريبة المبيعات الوطنية التي دخلت حيّز التنفيذ في الأول من نيسان (أبريل).

وفي حين أن الانكماش كان أكبر مما توقعه الخبراء في البداية، كذلك كانت الزيادة في النشاط الاقتصادي في الربع السنوي قبل الارتفاع. من الناحية الأساسية، كثير من الناس استمروا في الإنفاق المسبق حتى ينتهزوا فرص التخزين قبل الموعد النهائي لسريان مفعول الضريبة.

الأكثر إثارة للقلق هو صورة اقتصادية أوسع أثارت مخاوف بعض الناس بشأن الركود التضخمي. بمجرد بلوغ تقلبات الناتج المحلي الإجمالي المتعلقة بالضرائب للمتوسط، شهد الاقتصاد نمواً حقيقياً بنحو الصفر في الفترة بين منتصف عام 2013 ومنتصف عام 2014.

في نفس الوقت، كان التحفيز النقدي القوي من بنك اليابان قد أجج التضخم. على الرغم من الانتعاش الطفيف في الأجور في حزيران (يونيو)، إلا أن زيادة أكبر في الأسعار تعني أن الدخول الحقيقية كانت 3.2 في المائة، كانت أقل مما كانت عليه قبل عام.

حتى مؤيدي برنامج آبينوميكس يعترفون بأن الأمور لا تسير تماماً حسب ما هو مخطط. التضخم في حد ذاته ليس ما يزعجهم، على اعتبار أن الهروب من انخفاض الأسعار الاستهلاكية المستمر، كان هدفاً رئيسياً لاستراتيجيتهم.

الحلقة الحميدة من التضخم “الجيد” الذي وعدوا به، مع ارتفاع الأسعار الذي يؤدي إلى زيادات مماثلة في الدخول، قد بدت غير متوازنة بشكل واضح، مع انتفاخ في جانب الأسعار الذي يجعل الأشخاص أكثر فقراً.

هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان، تحدث عن المسألة في اجتماع محافظي المصارف المركزية في جاكسون هول، وايومنج، في عطلة نهاية الأسبوع. وقد وصف الفشل في أن يتم اجتياح الأجور من خلال طوفانه النقدي بأنها “مشكلة مزعجة”، وقال إن اليابان كانت فقط في “منتصف الطريق” للتغلب على الانكماش، لكنه توقع أن الدخول ستلحق بالركب، بمجرد بدء الشركات والعاملين بتقبّل الأسعار المرتفعة باعتبارها الوضع الطبيعي الجديد في اليابان.

وأضاف “بمجرد نجاح المصارف في تثبيت التوقعات التضخمية عند نسبة ثابتة تبلغ 2 في المائة، فإن هذا بإمكانه توفير الأساس الذي ستجرى عليه المفاوضات بين الإدارة والعمال”.

على هذا الرأي، فإن برنامج آبينوميكس ببساطة سيمر خلال مرحلة مراهقة حرجة – لكنها مرحلة أقر معها، حتى كورودا، بأنها قد تستمر “لبعض الوقت”.

بالتأكيد، ليونة الأجور تبدو كأنها لغز. أرباح الشركات وصلت إلى مستويات قياسية، واليابان تعمل في الواقع بكامل طاقتها التشغيلية، بمعدل بطالة أقل من 4 في المائة بشكل مريح – وهي الظروف المثالية للمطالبة بأجور أعلى.

مع ذلك، في حين أن خبراء الاقتصاد يتوقعون انتعاش الدخول، إلا أن المسائل الهيكلية قد تُقيّد مدى ارتفاعها. يقول كاوهي موريتا، وهو خبير اقتصاد في بنك باركليز: “يبدو أن ديناميكيات سوق العمل قد تغيرت في اليابان منذ بدء الانتعاش الحالي في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2012. في جزء منه، هذه مسألة تتعلق بالتركيبات السكانية”.

باختصار، فإن الناس من جيل البيبي بومرز “جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية” يتقاعد ويأخذ الوظائف ذات الأجور الأفضل معه. من المرجح كثيراً أن الذين سيحلون محلهم سيكونون من العاملين بدوام جزئي، أو المتعاقدين أو غيرهم من العاملين بأجور منخفضة، بما في ذلك ذرّيته.

كذلك فإن موجة من النساء اللواتي ولدن ضمن “صدى” فترة مواليد جيل البيبي بومرز تدخل مجدداً إلى القوة العاملة، ومعظمهن يعملن مقابل أجور أقل، مع بلوغ أصغر أطفالهم سن الدراسة.

مثل هذه التحولات تخلق مفارقة نجد فيها أن أجور أولئك الذين يعملون تزيد في مختلف قطاعات الاقتصاد، إلا أن متوسط الدخول في حالة ركود، لأن الوظائف ذات الأجور الأعلى تختفي.

كذلك التغيرات الهيكلية تعمل على إعاقة برنامج آبينوميكس في أماكن أخرى. إن منح شركات التصدير الكبيرة، مثل تويوتا وسوني على سبيل المثال، دفعة تنافسية عن طريق إضعاف الين، كان طريقة موثوقة لتحفيز اقتصاد اليابان، لكن انخفاضا يزيد على 20 في المائة في العملة في عهد آبي، لم يكن عملا إيجابيا هذه المرة.

هذا جزئيا لأن اليابان أصبحت دولة مستوردة بالكامل بعد حادثة فوكوشيما، وذلك بسبب زيادة المشتريات من النفط والغاز الأجنبي، في حين أن الصادرات لم تحقق النمو كما هو متوقع أيضا.

يعتقد كثيرون أن السبب في ذلك هو أن الشركات تصنع الكثير من منتجاتها خارج اليابان – في حالة شركات صناعة السيارات، على سبيل المثال، ارتفع حجم الإنتاج الأجنبي بنسبة 80 في المائة منذ آخر فترة مماثلة من ضعف الين قبل عقد تقريباً، بينما تراجع الناتج المحلي.

على آبي أن يقرر هذا العام ما إذا كان سيمضي قُدماً بزيادة أخرى على ضريبة المبيعات في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2015، وهي الزيادة الثانية من اثنتين تم إقرارهما وإعطائهما صفة القانون من قبل حكومة سابقة

بإمكانه إيقاف هذه الزيادة إذا رأى أن الاقتصاد هش للغاية، لكن المزيج من الانتعاش المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث، والضغط السياسي المستمر لمعالجة ديون اليابان – خاصة من وزارة المالية القوية – جعل كثيراً من الناس يراهنون على أنه سيستمر بالمضي قُدما.

توصلت دراسة نشرتها صحيفة نيكاي اليومية للأعمال، إلى أن 30 في المائة فقط، هم من قالوا إن الزيادة الضريبية التالية ينبغي أن تستمر، بانخفاض بلغ ست نقاط عن الشهر الماضي. الزيادة التالية أصغر – فهي بمعدل نقطتين مئويتين مقابل 3 نقاط مئوية في نيسان (أبريل) – إلا أن المخاطر السياسية تبدو أعلى، إذ يجب على آبي مواجهة الناخبين مرة أخرى في منتصف عام 2016.