IMLebanon

الاعتراف بدايةً بوجود المشكلة…خريطة طريق للقضاء على الفقر في العالم

FinancialTimes

ديفيد بيلينج

إذا كان عليك أن تعيش على 1.25 دولار يومياً، فهل ستشعر بالفقر؟ وماذا عن 1.50 دولار؟ الفرق بالكاد يبدو مستحقاً للعناء. كثير من الأشخاص الذين يقرأون هذا المقال ينفقون أكثر من 1.50 دولار على كوب الكابوتشينو الصباحي.
على أن الاعتماد على أي رقم تختار، فإن عدد الأشخاص المصنفين بأنهم يعيشون في فقر مطلق يتقلّب بشدة.
انضم بنك التنمية الآسيوي هذا الشهر إلى مجموعة متنامية تضغط لأجل الحصول على تعريفات جديدة للفقر. يجادل المصرف في تقرير له أن مبلغ 1.25 دولار لم يعُد مقبولاً بعد الآن، في آسيا، إذ يحتاج الفرد إلى مزيد لتحمّل تكلفة حصة مناسبة من السُعرات الحرارية، ويصل إلى ما يدعوه بنك التنمية الآسيوي بشكل متزن نوعاً ما، بأنه “الحد الأدنى المُطلق من مستوى المعيشة اللازم لتجنّب الحرمان”. ما مقدار الزيادة التي يجب إدخالها على الحد الأدنى السابق؟
لقد جاء بنك التنمية الآسيوي برقم بلغ من دقته أنه مثير للريبة، ومقداره 1.51 دولار. وهو يقول إن الرقم 1.25 دولار يستند إلى عينة من 15 بلداً تميل بشدة نحو إفريقيا، مع كون طاجكستان ونيبال هما البلدان الوحيدان اللذان يمثلان آسيا.
علاوة على ذلك، يجادل بأن مزيدا من الأهمية يجب أن يُعطى إلى الحقيقة التي تقول إن أسعار المواد الغذائية قد فاقت الارتفاعات العامة في الأسعار، على مدى العقد الماضي. أخيراً، يقول إن الرقم ذا المستوى الثابت يتجاهل مدى سهولة أولئك الذين يدعوهم “شبه فقراء” – “الطبقة المتوسطة الهشة” كما تم تصنيفها في سلسلة من المقالات في الفترة الأخيرة في صحيفة فاينانشيال تايمز – يمكن أن يتراجعوا إلى الفقر المدقع. أي شخص يملك ثلاثة دولارات يومياً في شهر و40 سنتاً يومياً.
في الشهر المقبل بالتأكيد سيصبح جائعاً. بالمثل، إذا تم فقد شخص ما مسكنه في فيضان أو فقد ذراعه في حادث صناعي، فإن النتيجة يمكن أن تكون انخفاضاً كارثياً في مستوى المعيشة.
باستخدام افتراضات أكثر واقعية، يُقدّر بنك التنمية الآسيوي أنه، في عام 2010، كان هناك 1.75 مليار آسيوي يعيشون في مستويات الفقر، وهو رقم يزيد بمليار كامل عما هو مفترض حتى الآن. هذا من شأنه أن يرفع نسبة الآسيوين الفقراء من الخُمس، وهي نسبة مسببة للقلق، إلى النصف، وهي نسبة تنذر بالخطر.

لأرقام الجديدة صدمت بعض الأشخاص. جان بيير ليمان، وهو أستاذ فخري في كلية IMD لإدارة الأعمال، كتب بغضب أن: “مثل هذا الخطأ الهائل” في احتساب مستويات الفقر “يتحدّى المنطق”. قال إن الأرقام الجديدة تدعو إلى التشكيك فيما يسمى نهوض آسيا، ومنافع العولمة المفترض الحصول عليها في ترويض الفقر.
المشكلة أنه بهذه الحجة فإن الحسابات المختلفة تروي قصصاً مختلفة على نطاق واسع. بالاعتماد على المنهجية المستخدمة، فإن عدد الفقراء قد يتأرجح مثل لعبة اليويو.
لنأخذ الحسابات التي قام بها، في وقت سابق من هذا العام، مختصو إحصاء من برنامج المقارنات الدولي، الذي يعمل تحت إشراف البنك الدولي. فريق برنامج المقارنات الدولي أعاد حساب الأسعار بحسب معادل القوة الشرائية، وهو أسلوب يقارن تكاليف المعيشة بين الدول.
لقد كشف بحثه أن الأسعار في العالم النامي كانت بشكل عام أرخص مما كان يُعتقد سابقاً. بعبارة أخرى، بإمكان الأشخاص الشراء أكثر مما هو مفترض بمبلغ الـ 1.25 دولار الذي معهم.
من خلال تطبيق حسابات معادل القوة الشرائية الجديدة بشكل صريح، فإن عدد الأشخاص الفقراء جداً في العالم النامي سينخفض بأكثر من النصف، ليصبح أقل من 600 مليون بقليل.
كوشيك باسو، كبير الاقتصاديين في البنك الدولي، يحذّر بحق من عمليات الاستقراء التي تتم بشكل آلي. في حالة متوسط أسعار معادل القوة الشرائية، فهو يقول “إن هذه غير قابلة للتطبيق بسهولة على الفقراء جداً، الذين ينفقون نسبة أكبر بكثير من دخلهم على الطعام”.
الحقيقة أن السفر جواً أو تذاكر السينما، مثلاً، أصبحت أرخص مما كان يُعتقد في السابق، قد لا يكون لها أي تأثير على الإطلاق في حياة شخص فقير للغاية.
النقطة حيث ليمان محق هي في التحذير من الاعتقاد السائد، لكن الخاطئ، بأن الفقر المُطلق قد تم تخفيضه تقريباً في جزء كبير من آسيا. المبالغة في تقدير التقدّم مقابل الفقر يُبعد الحكومات عن تحمّل المسؤولية.
إذا لم يكُن هناك أشخاص فقراء للقلق بشأنهم، فليس على الحكومات تكبّد عناء تحصيل الضرائب، أو إعادة توزيع الثروة أو ضمان وصول عادل للتعليم أو الخدمات المالية. وهذا يؤدي إلى نتيجتين – واحدة إحصائية، وواحدة سياسية. عندما يتعلق الأمر بالأرقام، نحن بحاجة لأن نكون أكثر صرامة بشأن التعريفات وأكثر تواضعاً بشأن المطالبة بالدقة على حد سواء.
جارجي جوش، مدير سياسة التنمية في مؤسسة بيل وميليندا جيتس، يُحذّر من “شعور من الدقة الخاطئة”. ويقول شان جين وي، كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي، “إن تقرير الأسبوع الماضي لا يُبطل إنجازات آسيا في الحد من الفقر، لكنه يعني أن ما يبدو كأنه هدف واقعي للقضاء على الفقر في آسيا بحلول عام 2030، قد يضطر إلى الانتظار حتى عام 2045. إذا كنت تكسب معيشتك من خلال التنقيب في القمامة، فإن هذه الأمور تهم. أو ربما هي ليست كذلك.
النتيجة الثانية تتعلق باستجابات السياسة الاقتصادية. يسلّط الضوء على استجابتين. الأولى هي أن الحكومات ينبغي أن تُعطي الأولوية للوصول إلى المواد الغذائية، ليس من خلال الاستيراد أو التصدير بأسعار مشوهة، بل عبر تحويلات نقدية مستهدفة جيداً نحو الفئات الأكثر ضعفاً.
“ينبغي على المرء تقديم المساعدات للأشخاص وليس للمنتجات”، كما يقول عن بعض مخططات دعم الأسعار المُسرفة في كافة أنحاء آسيا التي غالباً ما تُساعد الأشخاص الأفضل حالاً أكثر من الفقراء، جميعها.
الثانية هي بناء شبكات أمان اجتماعي أفضل، ولو كان ذلك من خلال تيسير شراء تأمين بأسعار معقولة ضد الأحداث الكارثية التي بإمكانها، مرة واحدة، تحويل الأشخاص إلى حد الفقر المُدقع.
الأشخاص المنصفون قد يجادلون بلا نهاية، حول أفضل طريقة لمكافحة الفقر، وتبقى نقطة البداية: الاعتراف بدايةً بوجود المشكلة.