الرافعات تزدحم في رقعة مساحتها 11 ألف متر مربع من العقارات الرئيسية في إحدى مناطق شمال طهران الأكثر ثراءً، في الوقت الذي يسارع فيه عمال السباق لبناء برج من 19 طابقاً سيضم مركز تسوق ضخم.
المستودع المجاور يعلن أن المقاول الرئيسي لما سيكون “أطلس مول” هو شركة أطلس الإيرانية، وهي مجموعة البناء الخاصة، ولكن هذه المؤسسة مملوكة في الواقع من قبل بنك أنصار، التابع للحرس الثوري.
توجد لدى إيران ثمانية مصارف تديرها الدولة و19 مصرفاً “مملوكة من القطاع الخاص” – على الرغم من أن هذه كثيراً ما تكون عرضة للتدخل من الدولة، مع أسهمها المشتراة من قبل كيانات تابعة لمراكز القوى، والتي تؤثر من ثم في السياسات المصرفية واستغلال الأموال – والتي استثمرت بكثافة في ملكية وإدارة كيانات تجارية من خارج القطاع المصرفي.
ويعتقد أن الأرباح الوفيرة التي صنعها القطاع من استثماراته التجارية، هي السبب في أن الكثير من مراكز القوى، مثل الحرس الثوري، تنشئ المصارف التابعة لها.
أصدرت حكومة الرئيس حسن روحاني الوسطية مرسوماً في الشهر الماضي ينص على أن استثمارات المصارف في القطاع غير المصرفي، لا يمكن أن تتجاوز أكثر من 40 في المائة من رأسمالها، وأعطى المرسوم المصارف ثلاث سنوات لبيع المباني والأراضي والأسهم التي تعود ملكيتها إلى الشركات التابعة، من أجل تلبية متطلبات المرسوم.
تم تصميم هذه الخطوة لدفع المصارف لإقراض الصناعات الإيرانية المحتضرة، التي تضررت بسبب مجموعة من السياسات الشعبوية في ظل محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق، وتشديد العقوبات الدولية بسبب البرنامج النووي للبلاد.
وقال أحد المصرفيين البارزين: “ليس لدى المصارف أي حق في استخدام ودائع الناس وتحمل المخاطر لشراء الأراضي ومناجم الذهب، أو لبناء المباني ومراكز التسوق ومصانع الصلب. وعندما يحققون الأرباح من هذه الأنشطة، فإنهم يكافئون أنفسهم دون تقاسم هذه الأرباح مع المودعين، أما عندما يخسرون، فإنه يجب على الحكومة أن تعوضهم”.
قيمة الاستثمارات والعقارات والمصارف غير واضحة. وقد طلب البنك المركزي من المصارف تسليم قائمة بممتلكاتهم وشركاتهم التي يملكونها “بشكل مباشر أو غير مباشر” بحلول منتصف أيلول (سبتمبر). الأرقام الرسمية تشير إلى أن استثمارات المصارف في الشركات الخاصة تبلغ نحو 245 تريليون ريـال (9.2 مليار دولار) في حين يبلغ رأسمالها بنحو 460 تريليون ريـال.
ويشكو الصناعيون من أن أحد الأسباب الكثيرة التي تؤدي إلى إفلاسهم أو تضطرهم إلى تشغيل ما هو أقل من 50 في المائة من طاقتهم في السنوات الأخيرة، لأن المصارف رفضت منحهم القروض أو فرضت عليهم أسعار فائدة مرتفعة تصل إلى 35 في المائة.
لقد تم تقليص القطاع المصرفي الإيراني وتعرض للضغط، وهو ليس ضعيفا مالياً فحسب بل إن تنظيمه سيئ. لقد تضرر من العقوبات المصرفية الدولية والسياسات الشعبوية، مثل إجبارهم على تقديم قروض للفقراء بنصف معدل التضخم.
وقد حطمت السياسات الخاطئة والقيود الدولية اقتصاد إيران إلى حد أنه وفقاً لخبير مصرفي أجنبي كبير، يعاني من ظروف ما بعد الحرب التي يمكن أن تستغرق عقوداً لإصلاحها. انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 5.8 في المائة، 6.8 في المائة و1.9 في المائة على مدى السنوات المالية الإيرانية الثلاث الماضية.
وقد نسب خبراء الاقتصاد الفضل إلى حكومة روحاني على استقرار سوق العملة والحد من التضخم من نحو 40 في المائة في العام الماضي، إلى نحو 25 في المائة. لقد وعدت الحكومة أنه بحلول آذار (مارس) المقبل لن تكون البلاد في حالة ركود، ويجب أن نرى النمو الاقتصادي – وسوف تكون إصلاحات القطاع المصرفي أمرا ًحيوياً من أجل قلب الأحوال نحو الأفضل.
ويبقى أن نرى ما إذا كان يمكن للحكومة التغلب على المقاومة من أصحاب المصالح المكتسبة لتنفيذ الإصلاحات.
قال ولي نادي القمي، العضو المنتدب في بنك نوفين الاستثماري، التابع لـ “اقتصاد نوفين” – أحد المصارف المملوكة للقطاع الخاص: “إن المصارف ستساوم وتقاوم بقدر ما في وسعها”. وأضاف: “في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، فإن العمليات المصرفية البحتة ليست مربحة جداً، والقطاع الخاص ليس قويا بما يكفي لشراء الشركات والعقارات المملوكة من قبل المصارف”.
وألقى باللوم على السياسات النقدية السابقة التي أجبرت المصارف على تقديم قروض بأسعار فائدة منخفضة إضافة إلى عدم كفاءة السوق المالية.
ويشعر المصرفيون بالقلق من أن التسرع في بيع العقارات يمكن أن يقمع الأسعار ويضعف المصارف أكثر من قبل.
المصارف الإيرانية تكافح بالفعل في ظل تحمل 870 تريليون ريـال من القروض المتعثرة – وفقاً للأرقام الرسمية. القروض المتعثرة تشكل نحو 25 في المائة من مجموع القروض الممنوحة، والتي يمكن أن تجعل من الناحية الفنية معظم المصارف الإيرانية مفلسة.
أقر ولي الله سيف، محافظ البنك المركزي الإيراني، بأن هناك على الأقل أربعة مصارف مملوكة للدولة تعاني الخسائر، وهي بنك الملة، وبنك الصناعة والتعدين، وبنك الزراعة، وبنك سيباه. ويعتقد المحللون أن معظم المصارف الأخرى تعاني الوضع نفسه بصورة أو بأخرى، لكنها استمرت على قيد الحياة جزئياً بفضل نشاطاتها التجارية غير مصرفية.
يواجه البنك المركزي الإيراني تحدياً آخر، يتعلق بمؤسسات الإقراض غير القانونية التي ازداد عددها – والذي يمكن أن يصل إلى العشرات – لكنها غير مسؤولة أمام الحكومة.
وقد رفض التعليق كل من البنك المركزي، وبنك الملة الذي تديره الدولة، والمصارف الخاصة: بنك أنصار، وبنك الصادرات، وبنك باسارجاد، وبنك فارسيان.
ويعتبر مصرفي باسارجاد وفارسيان من أكبر المصارف الخاصة التي تدير عمليات غير مصرفية. وقال المسؤول المصرفي الكبير: “ربما واجهت 50 المائة من المصارف مشاكل خطيرة حين التعرض للضغط من أجل أن تكون أكثر تركيزاً على النشاطات المصرفية، فالحكومة لن تستخدم أموال النفط النظيفة لمساعدة هذه المصارف على زيادة رأسمالها”.