حسين مهدي
بلغت حصة الجامعة اللبنانية من مجمل طلاب التعليم العالي في لبنان ذروتها في العام الدراسي 1999-2000، اذ بلغت 60.2% (62602 طالب). وعلى الرغم من ارتفاع عدد طلاب الجامعة اللبنانية الى 73698 طالبا في العام الدراسي 2011-2012، وهو العدد الأعلى المسجل في الفترة الممتدة من عام 1991الى عام 2014، الا أن حصة الجامعة اللبنانية من مجمل طلاب التعليم العالي تهاوت الى 38.8%.
واستمرت بالتهاوي لتصل الى 36% في العام الدراسي 2013-2014، وهي الحصة الأدنى منذ عام 1991، علما ان عدد طلاب الجامعة اللبنانية تراجع الى 69609 طلاب في العام الدراسي الماضي، فيما مجمل عدد طلاب التعليم العالي ارتفع الى 193003 طلاب، اي بزيادة 89134 طالبا عن العام الدراسي 1999-2000.
كذلك، بلغت نسبة المتخرجين في الجامعة اللبنانية من مجمل متخرجي التعليم العالي الى أعلى نسبة في العام الدراسي 2000-2001، اذ بلغت 44.6%، الا انها تراجعت تدريجيا لتبلغ 33.3% عام 2006-2007، ثم ارتفعت الى 38.7% في العام الدراسي 2010-2011، علما ان المتخرجين من الكليات النظرية والأدبية في الجامعة اللبنانية مثلوا نسبة 78.5% من المتخرجين في العام الدراسي 2010-2011، وهذا يبدو منطقيا في ظل انتساب أكثرية الطلاب (38704) الى الكليات النظرية، فهم يمثلون 52.5% من العدد الاجمالي لطلاب الجامعة اللبنانية، منهم 21039 في كلية الاداب والعلوم الانسانية وحدها، اي إن كلية واحدة تضم 28.5% من اجمالي طلاب الجامعة اللبنانية.
لكن ما الذي أدى الى هذا التراجع في أعداد المنتسبين الى الجامعة الوطنية؟ الحكومات المتعاقبة ضربت الجامعة بطرق مختلفة، سلبت منها استقلاليتها، وقلصت ميزانيتها عاما تلو الآخر، فبلغت قيمة الأموال التي رصدت في مشروع موازنة عام 2012 لمصلحة الجامعة 238 مليار ليرة. علما أنها القيمة نفسها المرصودة للجامعة عام 2010، برغم ارتفاع عدد الطلاب في هذه الفترة، وافتتاح فروع ومعاهد جديدة، اضافة الى اقرار زيادة على رواتب الأساتذة اثر اضراب الخمسين يوما الذي شلّ الجامعة حينها، وقد راوحت الزيادة ما بين 66 % و78 % تبعا لدرجة كل أستاذ، فوصل أعلى راتب يمكن أن يتقاضاه إلى 8425000 ليرة بعدما كان عام 1998 1379000 ليرة. وعوضا عن رفع مجلس الوزراء قيمة المبالغ المرصودة للجامعة، أوعز الى وزارة المالية بفرض «ترشيد الانفاق» على الجامعة. علما أن عدد أفراد الهيئة التعليمية ارتفع منذ عام 1991 حتى عام 2012 من 2394 الى 6135، أي ثلاثة أضعاف تقريبا.
تفريغ أساتذة من الصلاحيات التي سحبت من مجلس الجامعة، وفق قرار مجلس الوزراء الرقم 42، اضافة الى امتناع الحكومة عن تعيين عمداء اصيلين، بسبب التجاذبات السياسية، ولم يكن ليصدر مرسوم التعيين وقرار تفرغ الأساتذة لولا اعلان الاضراب المفتوح والتصعيد الذي مورس على أكثر من صعيد، ما أجبر الحكومة على اقرار الملفات العالقة. وبرغم ذلك ونتيجة للتدخلات السياسية في شؤون الجامعة التي تسهم يوما بعد يوم في تخريبها، جرى توزيع العمداء على الأحزاب والقوى السياسية، وتفريغ 1213 أستاذا.
عدد أفراد الهيئة الادارية لم يرتفع طوال الاعوام 1991-2012 الا من 1695 الى 2023. فالحكومة أوقفت منذ عام 1997 عملية التوظيف في الجامعة، برغم الحاجة الى موظفين اداريين بحكم تقلص أعدادهم بسبب التقاعد، ما أجبر الجامعة على اعتماد صيغة «ملتوية» ومخالفة لقانون العمل في التوظيف تتمثل في الاستعانة بـ«مدربين»، ينجزون العديد من المهمات الادارية.
الممارسات والقرارات التي تضرب الجامعة، لم تكن فقط من خارجها، بل أيضا من قبل أهلها. الملاحظ من خلال الاحصاءات أن الانحدار في عدد الطلاب بدأ بعد تجاوز مرحلة في تطبيق نظام التعليم الجديد في الجامعة اللبنانية LMD، والاشكالية الأساسية لم تكن في النظام نفسه (برغم الانتقادات تجاهه)، بل في طريقة تطبيقه، وأحد أحدث الأمثلة كان في كلية العلوم الاقتصادية وادارة الأعمال، حيث فرض في العام الماضي امتحان دخول ما بين سنتي الماستر، بما يخالف نظام أل ام دي نفسه. فالنجاح بحسب هذا النظام هو شرط الترفيع الوحيد، والحواجز التي وضعت هدفها «تصفوي»، اذ إن شهادة الماستر واحدة، تتألف من أربعة فصول، ولا يمكن أن توضع الحواجز بين الفصل الثاني والثالث منها.
هذا نموذج من كلية واحدة، حيث تقدم على امتحان الدخول للماستر 2 فيها 572 ورسب بنتيجته 463 طالباً، هؤلاء يريدون أن يكملوا تعليمهم، وبحكم أن معظمهم من الفقراء، سيضطرون الى الانتساب الى احدى «الدكاكين الجامعية»، التي ازداد عددها في السنوات الأخيرة نتيجة التراخيص التي يمنحها مجلس الوزراء، دون أي دراسة للحاجات الحقيقية، ودون اتباع أي معايير لقبول هذه الطلبات. والجدير بالذكر أن مجلس الوزراء كان على جدول أعماله الشهر الماضي مراسيم لمنح 21 ترخيصا لتأسيس جامعات وافتتاح كليات جديدة في عدد من الجامعات الخاصة.