في الوقت الذي بدأت فيه الدول العربية ومنهم لبنان تنفيذ قانون “فاتكا”، تكتنف الادارة الاميركية هواجس جديدة تتعلق بعمل “المصارف المراسلة”، وخصوصا حيال الشكوك بعمليات مشبوهة تمر عبر بعض المصارف الصغيرة التي لا تتمتع باعتمادات كبيرة. هذه الهواجس سمعها المعنيون في اتحاد المصارف العربية خلال زيارتهم الاخيرة الى الولايات المتحدة الأميركية. وقد بدأت الادارة الاميركية وضع آليات جديدة لمراقبة اداء المصارف العالمية، ومنها “المصارف المراسلة”، اذ فرضت الادارة حظر التعامل مع المصارف التي لا تتمتع برأس مال كبير، يضمن لها البقاء خارج اطار الصفقات المشبوهة.
واستنادا الى تقارير دولية منها تقرير غرفة التجارة الدولية، فإن اكثر من 68% من العمليات المصرفية مع المصارف المراسلة تمّ رفضها، اضافة الى اغلاق حسابات مصرفية عدة، كما ان كثرة القوانين والتشريعات الصادرة عن السلطات الاميركية وضعت ضغوطا كبيرة على المصارف العربية – وتحديدا مديريتي الالتزام والمخاطر، اذ يتوجب على مدير الالتزام ان يتابع ويدقق بشكل كبير جميع العمليات المصرفية والودائع لكي يتحقق من سلامتها وانها تتوافق مع قوانين مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وكذلك مع قانون الضرائب الاميركي FATCA، وفق الأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام حسن فتوح.
امام هذا الواقع، يُعقد المؤتمر العربي – الاميركي في نيويورك يومي 14 تشرين الأول المقبل و15 منه بمشاركة صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الفيديرالي الاميركي، وقيادات المصارف العربية، الذي اعلن عنه اتحاد المصارف العربية امس في مؤتمر صحافي عقده في فندق “فينيسيا”.
والمؤتمر وفق رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب الدكتور جوزف طربيه، “يشكل فرصة سانحة لمصارفنا العربية للجلوس مع صانعي ومنفذي القرار الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة الاميركية، الذين يرسمون او ينفذون السياسات التي تتحكم بالاسواق المالية العالمية، والذين لا مناص من التحاور والتعامل معهم بكفاية وحكمة ودراية”. وسيخصص المؤتمر للبحث في ملف العلاقات بين المصارف العربية والمصارف الاميركية، ولاسيما موضوع “المصارف المراسلة”، وذلك بعدما شهدنا اخيرا اغلاق الكثير من حسابات المصارف العربية من بعض المصارف الاميركية، تحت ضغط المتطلبات المستجدة لبعض القوانين والانظمة الصادرة عن السلطات التنظيمية الاميركية، اضافة الى بحث ملف العقوبات ومكافحة تبييض الأموال. وسيكون هذا المؤتمر منصّة مهمة لمصارفنا العربية لشرح وجهات نظرها في مختلف القضايا المطروحة”.
وسيكون لبنان حاضراً في هذه المناقشات ولكن ضمن الحديث عن مصارف الدول العربية، لأن الحديث عن “مجموعة المصارف العربية أفضل من أن نتحدث باسم بلد واحد”، كما أوضح طربيه لـ”النهار”، الذي قال “سنضع كل وزن القطاع المصرفي العربي في ساحة حوار مع المسؤولين الاميركيين عن رسم السياسات وادارة السياسات المالية والاقتصادية وخصوصاً في ما يتعلق بمنطقتنا”.
ولكن لبنان مستهدف أكثر من غيره من الدول العربية؟ ينفي طربيه هذا الأمر ويقول: “ليس لبنان المستهدف فقط، بل كل المصارف في العالم لديها مشكلة مع المصارف المراسلة، التي اذا لم يكن لديها ربحية وحجم اعمال كاف، فإنها تقفل الحسابات. لذا، نقول انها ليست عملية حسابيةوعملية ربحية فحسب، بل عملية علاقات مستمرة ومصلحة لعالم يجب أن يبقى منفتحاً بعضه على بعض، مما يؤكد اننا ملتزمون كل القواعد الدولية التي تؤمن استمرارية عملنا على نحو سليم”.
وفي المؤتمر الصحافي الذي حضره نقيب الصحافة محمد بعلبكي ومندوبة بنك “أوف نيويورك” في لبنان – بانا الأزهري، اشار طربيه الى أن مؤتمر نيويورك “يأتي في سياق تعزيز دور اتحاد المصارف العربية في توفير كل مناسبة لتقديم الدعم للقطاع المصرفي العربي، وتأمين التواصل مع مراكز القرار المالي والمصرفي في العالم”.
وفي هذه المناسبة، دعا اتحاد المصارف العربية الى حفل يقام في واشنطن مساء السبت 11 تشرين الاول المقبل على شرف المصارف والمؤسسات المالية العربية المشاركة في هذا الحدث العالمي، اذ سيكون هذا الحفل مناسبة جامعة ومنصة للتلاقي بين مصارفنا العربية والمؤسسات المالية الدولية للتباحث في مستقبل العلاقات المصرفية العربية – الدولية وإبراز قوة وتضامن القطاع المصرفي العربي بين جميع الجهات الدولية.
وكان المؤتمر الصحافي مناسبة لطربيه وفتوح لتأكيد قوة القطاع المصرفي ومتانته، كونه “يحتفظ بنسب نمو مرتفعة بالمقياس العالمي، إذ أن تقديرات مصرف لبنان تشير الى أن نسبة نمو القطاع في 2014 ستكون في حدود 7%”.
وتطرق طربيه الى السرية المصرفية “المصانة في لبنان في حين انها تتراجع في العالم كله”، مؤكداً أن ما من أحد يعترض على السرية عندنا، لأن لبنان ومنذ فترة طويلة وضع وحصّن الاجراءات التي تجعل من الكيان المصرفي الوطني هيكلاً للمال النظيف”.