Site icon IMLebanon

لااستمرار للاستقرار إذا لم يتحسن الأداء الاقتصادي…على أوروبا تحفيز الطلب

FinancialTimes

مارتن وولف

في الربع الثاني من هذا العام، كان الطلب المحلي الحقيقي في منطقة اليورو أدنى بنسبة 5 في المائة مما كان عليه في الربع الأول من عام 2008. كما ارتفع معدل البطالة في منطقة اليورو بنسبة تبلغ أقل من خمس نقاط مئوية بقليل منذ عام 2008.

في العام المنتهي في تموز (يوليو) عام 2014، كان تضخم الأسعار الاستهلاكية في منطقة اليورو 0.4 في المائة. من هذه الحقائق المعبّرة بإمكان المرء استنتاج ثلاثة أمور بسيطة: أن منطقة اليورو في حالة ركود؛ وأن نقص الطلب لعب دوراً حاسماً؛ وأن البنك المركزي الأوروبي فشل في تحقيق هدفه الخاص في استقرار الأسعار. هذا الأمر ليس مُحزناً فحسب، بل خطير أيضاً. من الحماقة الافتراض أن الاستقرار سيستمر إذا لم يتحسن الأداء الاقتصادي.

هناك شرط ضروري، لكنه ليس كافياً، للتصارع مع مثل هذه التحدّيات، وهو القدرة على فهمها. في هذا الصدد، فإن ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، وصانع القرار البارز الوحيد في منطقة اليورو الذي يُظهر فهماً لهذه المسائل، قدّم مساهمة حيوية في ندوة جاكسون هول هذا العام لمحافظي البنوك المركزية.

هناك نقطتان بحاجة إلى التأكيد. الأولى، أنه صرّح قائلاً: “نحن بحاجة إلى العمل على كلا جانبي الاقتصاد: سياسات الطلب الكلي يجب أن تصاحبها سياسات هيكلية وطنية”. النقطة الثانية، أنه جاء بوعد جديد؛ حيث أبدى ملاحظة خارج النص، بأن البنك المركزي الأوروبي “سيستخدم كافة الأدوات المتاحة اللازمة لضمان استقرار الأسعار على المدى المتوسط”.

جوقة من الملائكة لا بد أنها كانت تغني حول البيان بأن منطقة اليورو لديها مشكلة مع الطلب. حتى الآن، عالجت عقيدة منطقة اليورو هذه الحقيقة كأنها أمر لا يمكن الحديث عنه، كذلك الوعد بالعمل قد لا يكون أقل أهمية.

لقد ذكرنا بالعبارة الشهيرة “بكل ما يلزم”، التي قالها دراجي في لندن في تموز (يوليو) من عام 2012. هذا قد أدى إلى إعلان البنك المركزي الأوروبي عن برنامج المعاملات النقدية الصريحة، الذي تغلّب على الذعر المتفشي بدون إطلاق رصاصة واحدة.

الأمر المثير للدهشة أن عائدات السندات الإيطالية والإسبانية لأجل عشرة أعوام انخفضت من 6.3 في المائة و7.0 في المائة، على التوالي، في بداية آب (أغسطس) من عام 2012، لتصل إلى 2.3 في المائة و2.1 في المائة فقط في بداية هذا الشهر. وهذا أدنى من العائدات على السندات البريطانية.

في جاكسون هول، ذكر دراجي أنه “واثق” بأن حزمة التدابير التي تم الإعلان عنها في حزيران (يونيو) ويتم تنفيذها الآن ستحقق “التعزيز المقصود للطلب”. من المنطقي أن نتشكك في ذلك.

في الأعوام الستة حتى الربع الثاني من عام 2014، ارتفع الطلب الاسمي بنسبة 2 في المائة فقط. وقنوات الائتمان لا تزال متدهورة. السياسة المالية العامة أيضاً تواصل التشدّد، على الرغم من أن أسعار الفائدة هي عند حدود الصفر. لقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن العجز المالي المُعدّل دورياً في منطقة اليورو سوف يتقلّص من مجرد 1.4 في المائة في عام 2013 إلى نسبة أكثر تشدّداً تبلغ 0.9 في المائة في عام 2014.

وتبقى الاختلافات الضخمة في القدرة على التنافس. وهذه من الصعب تصحيحها عندما يكون التضخم منخفضاً جداً. وهذا يُدخل البلدان الضعيفة نحو الانكماش، الذي يرفع المستوى الحقيقي من ديونها. في الوقت نفسه، البلدان الأساسية الجديرة ائتمانياً هي بمثابة ثقوب سوداء: هذا العام، قد يكون فائض الحساب الجاري في ألمانيا بقدر 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

الأسبوع الماضي، وعد البنك المركزي الأوروبي بشراء مجموعة واسعة من “الأوراق المالية المدعومة بالأصول البسيطة والشفافة”، حيث يأمل أن هذا سيعمل على تحسين الوساطة المالية داخل منطقة اليورو.

كما يأمل أيضاً، أنه من خلال هذا وبرامج أخرى سيجري الإعلان عنها، سيكون قادراً على توسيع ميزانيته العمومية بالقدر الذي كانت عليه قبل عامين. هذا الأمر يبدو معقولاً.

لقد كان من الخطأ تركها تتقلّص بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو عندما كانت البنوك المركزية الأخرى، مع مشكلات أصغر بكثير من مشكلات منطقة اليورو، تتعامل معها وتتجنّب الانسحاب المبكر لمثل هذا الدعم.

علاوة على ذلك، فإن مجموعة التدابير المتّخذة تعزز سياسة الإرشاد المتقدم من البنك المركزي الأوروبي. لقد حجز نفسه داخل سياسات نقدية متكيّفة لأعوام، كما ينبغي له.

مع ذلك، على الرغم من كافة تلك الإجراءات، من غير المرجح أن يتم حل المشكلات المتشابكة في منطقة اليورو قريباً. في الواقع حتى البنك المركزي الأوروبي لا يتوقّع أكثر من نمو ضعيف في المستقبل. إذن، هل ينبغي على البنك المركزي الأوروبي بذل مزيد من الجهد؟ وفوق كل شيء، ما هو الدعم الذي يحتاج صنّاع السياسة الآخرون إلى تقديمه؟

السؤال المباشر هو ما إذا كان ينبغي على البنك المركزي الأوروبي البدء ببرنامج التسهيل الكمي الصريح من خلال شراء السندات الحكومية، والمفترض أن يكون على نحو يتناسب مع حصص البلدان الأعضاء في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.

في مدونة تم نشرها في تموز (يوليو)، جادل مسؤولون كبار في صندوق النقد الدولي بأن مثل هذا البرنامج من التسهيل الكمّي سيكون فعّالاً. وقد جادلوا بأنه سيعزز صدقية هدف البنك المركزي الأوروبي، وتكون له آثار مهمة في أسعار الأصول المالية، من ضمنها السندات والأسهم، وربما على أسعار الصرف، أيضاً.

أنا أتفق معهم على أنه يجب تجربة هذا البرنامج. الوضع الحالي صعب للغاية بالنسبة لصنّاع السياسة على نحو يفرض عليهم عدم تجنّب مثل هذه الأداة القيّمة.

الانخفاض في عائدات السندات هو في الأصل كبير جداً بحيث أن آثار برنامج التسهيل الكمّي، لن تكون مذهلة بالقدر الذي كانت ستكون عليه لو نُفذت قبل عامين. علاوة على ذلك، من الواضح أن البنك المركزي الأوروبي سيتخذ مخاطر الائتمان.

سيتولى مهمة التمويل النقدي للحكومات. وأعتقد أنه ينبغي المضي قُدماً. الخلاف بين شمال وجنوب أوروبا بالتأكيد سيكون مدوّياً.

ماذا تبقى خلاف ذلك؟ هناك احتمال واحد، تمت الإشارة إليه في خطاب دراجي، هو الاستخدام الفعّال للسياسة المالية العامة. من الناحية المثالية، ينبغي أن يكون هناك خليط من الاستثمارات العامة المرتفعة والضرائب المنخفضة، خاصة في البلدان التي تملك الفرصة للحركة في المالية العامة.

لاحظ أن الموقف الإجمالي في المالية العامة ضيق دون الحد، مع وجود عجز تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنه سيصل إلى مجرد 2.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حالة الركود العميق.

في المقابل، يرى دراجي، أن الدول تحتاج إلى أن تتبنى إصلاحات جدية، من أجل رفع العرض المحتمل، ومن خلال تحفيز الاستثمار ورفع الطلب كذلك. إن التصميم على استخدام كل هذه الأدوات الممكنة من أجل رفع الطلب، وتعزيز إمكانية العرض، وتحسين القدرة التنافسية، هي الوجهات التي يجب أن تحاول منطقة اليورو الذهاب إليها. المفوضية الأوروبية الجديدة بحاجة إلى أن تتخذ موقفاً أساسه الحس السليم والنمو، بدلاً من مواصلة الإصرار على البخل.

هذه ليست مسألة تتعلق بالاقتصاد فقط. إن قدرة الشعوب في الدول الأعضاء على تحمل مستويات عالية من البطالة والركود العميق مثار للإعجاب، إلا أنها ليست قدرة غير محدودة.

إذا كان هذا هو ما تدعو إليه القوى المهيمنة، فستكون النتيجة على الأرجح رد فعل شعبوي. وهذا للأسف ما نشاهده الآن في اسكتلندا. وهو ما يرجح أن نشهده قريباً في أماكن أخرى.

من الذي يثق بأن مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية ــ الحزب اليميني المتطرف ــ لن تصبح الرئيسة المقبلة للجمهورية في فرنسا؟ من الذي سيأتي بعد ماريو رنزي، رئيس الوزراء الإيطالي، إذا أخفق؟ نعم، هذه الدول الأعضاء بحاجة إلى التصرف، لكنها بالتأكيد تحتاج إلى مساندة. وقد بيَّن دراجي الطريق، ولا بد لمنطقة اليورو أن تعمل جاهدة على السير عليه.