Site icon IMLebanon

استعانة المستثمرين بخدمات خارجية لفهم تعقيدات الجغرافيا السياسية

FinancialTimes
آرون ستانلي

في كانون الثاني (يناير)، عندما كان العالم يُركّز على بناء الألعاب الأولمبية الشتوية في سوشي، احتشد فريق من المحللين المنتشرين في كافة أنحاء العالم أمام شاشات أجهزة الكمبيوتر، وتوقّعوا أن الصراع العِرقي في أوكرانيا سيؤدي في نهاية المطاف إلى ضم شبه جزيرة القرم إلى جارتها روسيا.
الأمر الذي أثار دهشة الاستخبارات الغربية بشكل كبير، أنه في غضون أسابيع كانت قوات فلاديمير بوتين تحتل شبه الجزيرة المُتنازع عليها، بعد تمرير استفتاء يُجيز الانفصال عن أوكرانيا.
كون فريقا متناثرا من المفكرين – تم تجميعهم من قِبل شركة استشارية معروفة باسم ويكيسترات – استطاع التفوّق على توقعات وكالات الاستخبارات الرائدة في العالم، يبدو كأنه أمر هزلي على نحو ما.
على أن هذا مثال لطريقة أخرى تجعلك تدرك قيمة الاستعانة بخدمات خارجية تقلب الحكمة التقليدية السائدة.
لطالما تم التبشير بأسلوب الاستعانة بخدمات خارجية على أنه وسيلة لتحريك التفكير القديم في المجالات المؤسسية، عن طريق توفير وسيلة أرخص وأسرع لمعالجة المعلومات وحل المشكلات.
الآن حتـــــــى منظمات الدفاع والاستخبارات الغامضة تقليدياً وغيرها من المتنبئين في المسائل الجغرافية السياسية، أصبحوا يشاركون في تلك المسألة من خلال استخدام “حكمة الجماعة” للتنبؤ بالطريقة التي قد تتفاقم فيها الأحداث العالمية.
في نفس الوقت، فإن الشركات التي لديها مصالح جغرافية سياسية بالغة الأهمية، مثل شركات الطاقة والخدمات المالية، قد بدأت في تنفيذ عمليات محاكاة من الاستعانة بخدمات خارجية من شركة ويكيسترات، وذلك من أجل قياس أفضل لمخاطر الاستثمار.

وفي حين إن بعض وكالات الاستخبارات جربت حشد المصادر للحصول على أفكار من الرأي العام، إلا أن شركة ويكيسترات تستخدم “مجموعة مغلقة” من الخبراء في هذا المجال، وتصف نفسها بأنها أول شركة تقدم خدمات التحليل عن طريق الاستعانة بخدمات خارجية في العالم.

أي عملية محاكاة نموذجية، تعمل على منصتها الإلكترونية التفاعلية، تملك نحو 70 مشاركاً. يتم الجمع بين خبرة وتنوّع الحشد وبين نموذج ويكيسترات “للمنافسة التعاونية” الحاصل على براءة اختراع، الذي يكافئ المشاركين بناءً على اتساع ونوعية مساهماتهم. لقد تم تصميم العملية لتوفير وجهة نظر جديدة وتحطيم الحدود التقليدية للتفكير الجماعي.

يقول ديك بيدبفورد، رئيس فرع المشاركة الاستراتيجية في قسم تحوّل قيادة الحلفاء التابع لحلف شمال الأطلسي”الناتو” القائم في نورفوك في ولاية فرجينيا “إن شركة ويكيسترات تمنحنا وسيلة لرؤية التحيّز الذي لدينا”. لقد عيّن الشركة العام الماضي لإجراء محاكاة تستكشف كيف قد يبدو دور ونفوذ حلف النيتو في عام 2030. هدفه كان الحصول على وجهة نظر مغايرة خارج حدود الفريق ذي التفكير المشابه لصنّاع القرار الداخليين.
ويوضّح، مشيراً إلى أن معظم زملائه ارتقوا وظيفياً من نفس جامعات الدفاع والهرمية العسكرية، أن “حلف النيتو أو أي منظمة أمن وطنية لديها نفس القضية. نحن في الغالب كنّا عسكريين في السابق، وبحلول الوقت الذي نتولى فيه مناصب في السلطة نكون متشابهين تماماً. لا ينبغي أن يكون من المستغرب أننا جميعاً نتّبع اتجاهاً معيناً”.
في حين إن عملية محاكاة حلف النيتو استمرت لمدة ثلاثة أسابيع فقط، إلا أن المشاركين فيها سجلوا ساعات عمل في المشروع تُقدّر بأكثر من عامين.
العملية بشكل عام تنطوي على تصفية مجموعة واسعة من الأفكار. في إحدى عمليات المحاكاة التي أجرتها شركة ويكيسترات أخيراً، اجتمع فريق عالمي مكون من 45 خبيراً في الشرق الأوسط من ذوي الخلفيات الأكاديمية والدبلوماسية والعسكرية عن بُعد على منصة ويكيسترات الإلكترونية التفاعلية.
على مدى 48 ساعة قيّموا ما إذا كانت الخلافة الإسلامية التي تم إنشاؤها حديثاً على يد العصبة المعروفة باسم داعش قد تتسلل إلى دولة الجوار وكيف. بعد جلسة عصف ذهني في الوقت الحقيقي، قدّم فيها المشاركون عدة سيناريوهات محتملة وباشروا نقدها، كانت الحصيلة خروج فريق من المشرفين بتوليفة من الأفكار التي قدّمها الحشد إلى مجموعة صغيرة من الخيارات المحتملة، التي تم تحليلها وانتقادها من قِبل المشاركين، مرة أخرى.
لقد تم تكرار العملية حتى اتفقوا على مجموعة من المناورات المحتملة التي قد تباشرها “داعش” واحتمال حدوثها. وقد تضمنت السيناريوهات الناتجة، حدوث اندفاع من قِبل “داعش” للاستيلاء على عاصمة ما، وهي محاولة من جانب “داعش” لإثارة الذعر بين المواطنين المتضررين من معاهدة السلام بين دول الجوار وإسرائيل، وتجنيد الأشخاص الساخطين ببطء، الذين يمكن بسهولة جعلهم متطرفين وذلك لحشد الدعم.
تم إطلاق شركة ويكيسترات في عام 2009، بدون تمويل خارجي، من قِبل رئيسها التنفيذي جويل زامل. حيث أراد استخدام تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين لمكافحة التفكير الجماعي. بعد تطوير منصتها التفاعلية والحصول على براءة اختراع، بدأت الشركة بإجراء أول عملية محاكاة لها في عام 2012، وكانت في المقام الأول لزبائن من وكالات الدفاع والاستخبارات.
يقول إن الشركة قد أصبحت مربحة في غضون خمسة أعوام فقط. ولا ترغب شركة ويكيسترات في الكشف عن أسماء زبائنها من الشركات، لكنها تقول إن قاعدة عملائها قد توسعت تدريجياً، لتشمل منظمات أخرى غير منظمات الأمن الوطنية، خاصة لأن كثيرا من عمليات محاكاة شركة ويكيسترات تخوض في مناطق تهم القطاع الخاص، مثل مستقبل اقتصاد الطائرات بدون طيار، والسفر الخاص إلى الفضاء والآثار المترتبة على استقلال أسكتلندا عن المملكة المتحدة. بعد فترة وجيزة من أول عملية محاكاة لها، عيّن زامل تيد أوبنتشين، وهو محلل سابق في مجموعة أوراسيا، الذي كانت لديه رغبة مماثلة لدمج التكنولوجيا في عالم التحليل الاستراتيجي.
يقول أوبنتشين، الذي يتولى منصب مدير الشركة لتطوير الأعمال “نحن لم نستفد من التكنولوجيا في مجموعة أوراسيا، لقد كنّا شركة لتقديم خدمات المعلومات من المدرسة القديمة. [ويكيسترات] أدهشتني باعتبارها طريقة أكثر ذكاءً لأداء الأعمال”.
شبكة ويكيسترات العالمية المكونة من 1300 خبير مشارك يأتون من خلفيات أكاديمية وعسكرية وحكومية. مقابل خدماتهم، يتم تعويض المشاركين وفقاً لمقياس تصنيف لمكافأة أولئك الذين يقدّمون ألمع الأفكار. المكافآت تراوح من عدة مئات إلى عدة آلاف الدولارات. يقول دارين برابهام، خبير حشد المصادر في جامعة جنوب كاليفورنيا “إن الاستشارة هي بالفعل مجرد بيع الخبرة مقابل مبلغ كبير جداً من المال. ما يستطيع الحشد فعله هو بيعك نفس الخبرة بسعر أقل وبشكل أسرع”.

الحاجة إلى الكفاءة والسرعة دفعت “قيادة إفريقيا في الولايات المتحدة”، وهي عميل عسكري آخر، إلى تعيين شركة ويكيسترات لإجراء عملية محاكاة عن أنشطة التجارة غير الشرعية في المنطقة عبر الساحل.
يقول تيم هافنر، وهو محلل في المنظمة “إحدى نقاط القوة التي نراها في نهج حشد المصادر هذا هو حجم المراقبة التي تم تجميعها للنظر في مسألة ما، في وقت قصير. لهذا السبب، يمكن معالجة كميات كبيرة من المعلومات وتوليفها بسرعة أكبر من النماذج الخطية”.
المتشككون يُثيرون تساؤلات حول الصدقية العامة والدقة الكميّة في شركة ويكيسترات. فيليب تيتلوك، الأستاذ في جامعة بنسلفانيا الذي يرأس مشروع الحُكم الجيد، وهو مشروع تموّله الحكومة الأمريكية يستخدم خوارزميات أجهزة الكمبيوتر وأسواق التنبؤ على غرار موقع إنترايد لتوقّع أحداث العالم. ويُشير إلى أنه بسبب افتقار نموذج شركة ويكيسترات لأساس تجريبي حقيقي، فإن تنبؤه الخاص بشبه جزيرة القرم وغيره قد يكون ببساطة مجرد تخمينات محظوظة. الأستاذ تيتلوك واثق من أن نموذجه الذي يتم فيه استعراض ونشر نتائج التوقّع في المجلات الأكاديمية، بإمكانه بسهولة التغلّب على عمل شركة ويكيسترات في منافسة. ويقول “إنهم لا يباشرون العمل بالطريقة المناسبة بعد. ما نفعله نحن هو العلم الحقيقي”.
بالنسبة للأشخاص المجتهدين، يعتبر التوقّع من خلال حشد المصادر أكثر متعة. الخبراء الذين يشاركون في “حشد” شركة ويكيسترات قد استفادوا أيضاً من عمليات المحاكاة. في حين إن البعض يُشارك من أجل الدخل الإضافي، إلا أن آخرين ينظرون إلى المشاركة على أنها لعبة فكرية لتعزيز مهاراتهم التحليلية. يقول ريتشارد وايتز من معهد هادسون في العاصمة واشنطن، الذي شارك في عديد من عمليات المحاكاة “ستكون محللاً أفضل إذا تعلّمت الطريقة التي تعمل بها هذه المنصة”.
لقد كانت شركة ويكيسترات مثل نسمة من الهواء المنعش بالنسبة لمارك جاليوتي، وهو خبير روسي في جامعة نيويورك.
ويقول إن الممارسات التقليدية لتوقّع المسائل الجغرافية السياسية يمكن أن يُسبب فقدان الحماس، حيث يعتبر المشاركون بشكل عام جزءاً لا يتجزأ من الروايات والافتراضات التقليدية.
كثير من مثل هذه الممارسات يتبع نهج “اتبع القائد” أو مجرد إعادة صياغة الأفكار القديمة، والنتائج النهائية غالباً ما تكون جافة تماماً. ويقول “دائماً ما تحصل على ثلاثة سيناريوهات: الأمور تجري بشكل جيد، الأمور تجري بشكل سيئ، أو الأمور تبقى حيث هي”.
جاليوتي يُشيد بالمتعة والعنصر التعاوني في معالجة إحدى المشكلات جنباً إلى جنب مع الزملاء المجتهدين: “إنها عملية إبداعية هائلة”.