انعكس حال التدهور الأمني المتنقل من منطقة إلى أخرى، على القطاعات الاقتصادية، مترافقا مع تخوف من تطورات عمليات الخطف في بعض المناطق.
فالتدهور الأمني الأخير شلّ الحركة التجارية والاقتصادية اليومية للمواطنين الذين أظهروا تخوفاً من عمليات التنقل بانتظار جلاء الصورة وعودة الاستقرار في حدوده الدنيا. وقد عزز هذا الوضع الحذر، قيام الجيش بعمليات دهم واسعة في بعض مناطق بيروت لا سيما في وسط بيروت بحثاً عن مطلوبين أو التدقيق في أوراق العاملين في العديد من الورش والأبنية قيد الإنشاء.
التراجع أكثر من 50%
تكشف مصادر «جمعيات التجّار» لـ«السفير» أن الحركة التجارية تراجعت أكثر من 50 في المئة في مختلف المناطق خلال الأيام الأخيرة مقارنة مع الأسبوعين الماضيين، وهي كانت حركة متراجعة أصلاً. بمعنى آخر ان النشاط التجاري بات يتم يوماً بيوم تبعاً لتطورات البورصة الأمنية.
ويوضح أصحاب مؤسسات خدماتية لـ«السفير» أن المراجعات والطلبات تتأثر يومياً بالوضع الأمني فالطلبات تنشط يوماً، بينما لا يرن جرس الهاتف وتجمد الحركة كلياً في اليوم التالي.
تماسك الوضع النقدي
وعلى الرغم من تماسك الوضع النقدي والنشاط المصرفي، وتمتع مصرف لبنان بأعلى معدلات من الاحتياطات بالعملات الأجنبية (حوالي 37 مليار دولار احتياطي المركزي من العملات)، فإن حركة المصارف سجلت بعض الطلب على الدولار على سعرَي 1512 و1514 ليرة للدولار، من دون وجود حالة هلع أو طلبات كبيرة. وهذا الواقع جعل السـوق تلبـي نفـسها من دون تدخل من مصرف لبنان. وقد فسر بعض المتعاملين في السوق هذه العمليات بأنها تحويلات لغايات تجارية من دون تسـجيل أي عمـليات تحويل إلى خارج البلاد باستثناء الأغراض التجارية العادية.
البورصة تحافظ على ضعفها
أما بالنسبة لحركة بورصة بيروت فقد حافظت على ضعفها لولا عمليات استبدال كبيرة على أسهم بنك عودة العادية خلال اليومين الماضيين بحوالي 117 مليون دولار، وهي عمليات عادية في الأسهم مع دخول مساهمين جدد على أسعار تعتبر مغرية لهذه الأسهم، والأسهم الأخرى عموما في إطار العملية الجارية لزيادة الرأسمال المعلنة سابقاً. وبالنسبة لأسعار الأسهم المتداولة في البورصة فقد بقيت من دون تحرك يذكر سواء أسهم سوليدير إلى الأسهم المصرفية الأخرى التي تتحرك جزئياً مع معدلات طلب تعتبر ضعيفة لولا العملية الكبير على أسهم بنك عودة في اليومين الماضيين.
ما يزيد الحذر والركود في مختلف الأسواق المالية والتجارية في مختلف المناطق اللبنانية، ان الضغوط الأمنية جاءت في مرحلة تراجع المؤشرات على مختلف الصعد الانتاجية، وصعوبة تصريف المنتجات نتيجة تمدد التوترات السورية إلى لبنان، وهي ترجمت ببداية عمليات تقليص النشاطات وصرف العمال في التجارة كما في السياحة والصناعة والخدمات لا سيما بعد موسم سياحي شبه معدوم.
وتصادف هذه التطورات الأمنية الحديثة مع اقبال على المواد الغذائية والاستهلاكية أكثر من الأيام العادية تحسباً للتطورات غير الواضحة حتى الآن.
استحقاقات 2015: 15 مليار دولار
في سياق متصل، ان أكثر ما يشغل وزارة المال في هذه المرحلة تزايد صعوبة تمويل الدولة واحتياجات الموازنة للعام 2015 التي تستحق تباعاً منذ الشهر الأول من السنة، في ظل غياب وجود موازنات من جهة، وفي غياب التشريع الذي يسمح للدولة بالاستدانة بالعملات الأجنبية لتغطية مستحقات سندات «اليورو بوند» للعام 2015، إضافة إلى تجديد الديون بسندات الليرة وهي كبيرة جداً.
يسجل في هذا الإطار أنه من دون كلفة عجز الموازنة للعام 2015 والمقدرة بحوالي 7700 مليار ليرة، فإن أعباء مستحقات العام المقبل تتخطى 10 مليارات دولار بما فيها سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية. وإذا أضيفت كلفة عجز الموازنة المقدرة فتصل المستحقات إلى أكثر من 15 مليار دولار بين ليرة وسندات العملات، هذا من دون كلفة «سلسلة الرتب والرواتب» لموظفي القطاع العام والمقدرة بعد حسم سلفة غلاء المعيشة بأكثر من 1000 مليار ليرة (كلفة غلاء المعيشة المدفوعة وغير المغطاة تقدر بحوالي 890 مليار ليرة).
وفي هذا السياق، تبدي مصادر مصرفية لـ«السفير» تخوفها من تفاقم الأوضاع الأمنية محليا واقليميا على القطاعات الانتاجية، كاشفة أن عشرات المؤسسات بدأت بتقليص نفقاتها عبر صرف الموظفين لديها، والتمهل في سداد ديونها تحسبا لتطورات الوضع.
الهيئات الاقتصادية تطلق الصرخة
من جهتها، دعت «الهيئات الاقتصادية» الى مؤتمر صحافي اليوم الجمعة في مقرّ «غرفة بيروت وجبل لبنان»، من أجل «إطلاق صرخة مدوّية في وجه السياسيين، نظراً إلى الانهيار الامني والسياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي الذي يواجهه لبنان».
ويؤكد رئيس «جمعية تجار بيروت» نقولا شمّاس أن «المدخل الحقيقي لانتظام الحياة السياسية في لبنان هو في انتخاب رئيس جديد للجمهورية»، لافتاً إلى أن «صرخة الهيئات الاقتصادية أصبحت وطنية أكثر مما هي اقتصادية، ومن خلال هذه الصرخة نعلن تضامننا مع الجيش اللبناني وتضحياته، ومع القوى العاملة اللبنانية التي أصبحت مهدّدة من قبل النازحين السوريين».
وليس بعيداً، يرى رئيس «اتحاد الغرف اللبنانية» محمد شقير أن «الأوضاع السياسية غير المستقرة في لبنان، لا تمكّننا من متابعة تنفيذ برنامج عملنا بالشكل المحدّد، فجلّ اهتماماتنا منصبّة على مواجهة التحديات الاقتصادية، ووقف التدهور الاقتصادي واقتناص الفرص التي يمكن أن تكون مفيدة للاقتصاد الوطني».
ويحذر شقير من «مخاطر اقتصادية محدقة مصدرها الفراغ والتدهور الحاصل على المستويين السياسي والأمني»، كما يبدي تخوفه من «الأضرار الكبيرة التي تلحق بمختلف القطاعات الاقتصادية نتيجة ذلك، ومن الأعباء الثقيلة المتزايدة للنازحين السوريين على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي»، شاكياً في هذا الاطار من المنافسة غير المشروعة التي تسببها المؤسسات غير المرخص لها للنازحين، للمؤسسات اللبنانية.