بعد مرور ثلاثة اعوام ونصف العام على اندلاع الحرب السورية، اعتبرت المنظمة الدولية “أوكسفام” ان اقتصاد دول الجوار وتحديدا لبنان والاردن اوشك على الانهيار، كما حذرت من ان ردات فعل المجتمع الدولي تجاه الازمة فشلت على 3 جبهات: عدم تمويل المساعدات الانسانية بما يكفي، وفشل الدول الغنية باستقبال او توطين اعداد كافية من اللاجئين، بالاضافة الى استمرار نقل الاسلحة لجميع الجهات في سوريا. امام هذا الواقع لا احد يتحمل تداعيات الازمة سوى دول الجوار وعلى رأسها لبنان.
لبنان يدفع الثمن
ها هو لبنان الذي بات يستضيف رسميا حوالى1,3 مليون لاجئ سوري، يبدو انه على شفير الانهيار الاقتصادي نتيجة الازمة السورية. فبحسب المفوضية العليا للاجئين من المتوقع ان يتجاوز عددهم نهاية هذه السنة 1,6 مليون لاجئ، اي اكثر من 38% من عدد سكان البلاد (الارقام غير الرسمية تشير الى 1,7 مليون لاجئ اليوم)، وبالتالي يستضيف لبنان اكثر من 40% من اللاجئين السوريين في المنطقة. لقد اصبحت هذه الازمة تتعلق بالفعل بالأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الذي بدأ يدفع ثمن المنافسة السورية غير الشرعية التي يتعرض لها مع استبدال العديد من المؤسسات العمال اللبنانيين بسوريين لتخفيف تكاليفها، ما يحتم تحركا للوزارات المعنية وعلى رأسها وزارتا الاقتصاد والعمل لوضع حد لهذا التفلت.
وفي هذا السياق، يعتبر وزير العمل سجعان قزي ان خطر اللاجئين السوريين ارتفع بعدما بدأ هؤلاء العمل في قطاعات لم يعملوا فيها قبل اندلاع الازمة، فمنهم من اخذ مكان العامل اللبناني في وظيفته في المهن الحرة والاتصالات والهندسة والطب والصيدلة والمختبرات وغيرها… ومنهم من فتح مؤسسته الخاصة من دون ترخيص او مراقبة. ويضيف: “سجل في الفترة الماضية ايضا طلب اجازات عمل لعمال ومهندسين سوريين من شركات اتصالات وتكنولوجيا كان لها فروع في سوريا ونقلت اعمالها الى لبنان، ولكننا رفضنا اعطاء هذه الاجازات حماية لليد العاملة اللبنانية”. ويشير الى ان رب العمل اللبناني يتحمل بدوره المسؤولية: “نرفض رفضا مطلقا طرد اي لبناني من عمله من اجل تشغيل اجنبي مكانه”، طالبا في هذا الاطار من تضرر جراء طرد تعسفي مماثل، ان يتقدم بشكوى لدى الوزارة التي ستتخذ اجراءات في حق المؤسسة تبدأ بتحذير رب العمل ومن ثم تحرير محضر ضبط في حقه بمليوني ليرة عن كل موظف تم طرده وصولا الى احالته على النيابة العامة. وفي سياق متصل، يكشف قزي لـ”النهار” ان وزارة العمل قررت احالة كل المخالفات التي تقع في سوق العمل نهاية كل اسبوع على وزارتي الشؤون الاجتماعية والداخلية لاتخاذ الاجراءات اللازمة في حق المخالفين.
الاتفاق الثنائي… أزمة في حد ذاته
قد يكون من الصعب على لبنان وقف تدفق اللاجئين السوريين اليه، ولكن خطوات اخرى حاليا قد تساهم في حماية سوق العمل اللبناني من المنافسة السورية، وبداية الحل ممكنة بوقف العمل بالاتفاق الثنائي الذي وُقّع بتاريخ 18 تشرين الثاني 1994 بين لبنان وسوريا والذي يحدد مجال العمل بين البلدين. فالعديد من بنوده لا يمكن تطبيقها خلال فترة “الازمات” فكيف لو كان احد طرفي الاتفاق في حالة حرب؟! فمثلا، تنص المادة السابعة من الاتفاق على: “ينظم لكل عامل ينتقل للعمل في ما بين الدولتين عقد عمل خطي من 4 نسخ يحتفظ كل من صاحب العمل والعامل والجهة المختصة في موطن صاحب العمل بنسخة عنه بعدما يوثق من قبلها اصولا”. هذا الامر لا يمكن تطبيقه مع 1,7 مليون لاجئ سوري، 50% منهم دخلوا سوق العمل اللبناني، وايضا من المستحيل، وهذا اصلا غير مطبق، التزام المادة الثامنة من الاتفاق الذي ينص على الآتي: “يندرج في العقد المنظم البيانات التالية: اسم العامل وتاريخ ومكان الولادة، اسم صاحب العمل، نوع ومكان العمل، الاجر ومكان ادائه، الاقتطاعات التي تحسم منه، ساعات العمل اليومية، الراحة الاسبوعية والاجازات المستحقة بمختلف انواعها، مدة العقد وشروط تجديده، وفسخه والتأمين الاجتماعي واية شروط اخرى يتفق عليها الطرفان”. وهنا يقول قزي لـ”النهار”: “ان تغيير شروط استخدام العمال السوريين ووقف العمل باتفاق العمل بين لبنان وسوريا ليس بيد وزارة العمل بل بيد السلطة السياسية، وهذا الامر نطالب به منذ سنوات”.
ضبط تفلّت الأجانب من القانون
وعن مشروع وزير العمل السابق سليم جريصاتي الذي يساهم في تحديد الاعداد الحقيقية للاجانب المخالفين ومعرفة مكانهم وتنفيذ اجازة عمل الكترونية وبدء استخدام المكننة في دوائر العمل والدوائر المعنية بالعمالة الاجنبية، ما يؤدي الى ضبط ظاهرة تفلت الاجانب من القانون، اشار قزي انه عندما تسلم الوزارة كان الملف بأكمله جاهزا وتم تلزيم المشروع الى احدى الشركات اللبنانية ولم يبق سوى توقيع الوزير لتسلم المعدات. ولكن بعد اعادة التدقيق بالعقد اكتشفت الوزارة مخالفات مالية لذلك اوقف المشروع لإعادة درسه، ومن المنتظر ان يتم احالته على النيابة العامة لاتخاذ الاجراء المناسب.
تكلفة اللجوء السوري
أما عميد كلية ادارة الاعمال في جامعة الحكمة الدكتور روك انطوان مهنا، فيعتبر ان ازمة اللاجئين في لبنان باتت تشكل خطورة على الامن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فلبنان اضاع نموا بـ 3% سنويا منذ بداية الازمة جراء النزوح مع خسائر بأكثر من 7,5 مليارات دولار. ويضيف ان الازمة تتمثل بارتفاع البطالة بين الشباب (بين 18 و34 سنة) والتي بلغت مستوى كارثيا عند 35% في الوقت الذي تخطى فيه اجمالي البطالة في لبنان الـ 20%، بعدما تم استبدال العديد من العمال والموظفين اللبنانيين بيد عاملة سورية، وهذا الواقع من المتوقع ان يوصل حوالى 170 الف لبناني الى ما دون خط الفقر في حلول نهاية 2014 سيضافون الى مليون لبناني يعيشون حاليا تحت هذ الخط.
إشارة الى ان عدد العمال السوريين الحائزين اجازة عمل في لبنان لا يتعدى الـ 8 آلاف عامل، بينما يبلغ مجمل العمال الاجانب المستوفين شروط العمل في لبنان حوالى 200 الف عامل. ولكن بحسب الارقام غير الرسمية وصل عدد العمال السوريين في لبنان الى اكثر من 700 الف فيما تجاوزت ارقام العمالة الاجنبية الاخرى غير المنظمة الـ 150 الف شخص.