Site icon IMLebanon

الاقتصاد يدفع الثمن: معركة أوكرانيا تلحق خسائر متبادلة بالروس والأوروبيين

Ahram
شريفة عبدالرحيم

بين حين وآخر تنتاب منطقة اليورو هواجس الانكماش أو الانفصال وانهيار العملة الموحدة رمز الاتحاد الاوروبى، ولكن هذه المرة تبدو المخاوف أكبر، وذلك بفعل فاعل هو العقوبات الروسية المضادة التى بدأت تؤلم اقتصادات أوروبية عديدة. ففى الأسابيع الأخيرة أكدت البيانات الاقتصادية أن الانتعاش فى منطقة اليورو ضعيف والتضخم منخفض على غير المتوقع كما أن البطالة مرتفعة على نحو غير مقبول. وقد حذر خبراء من تفاقم التوتر الجيوسياسى لأنه يتعلق بالاقتصادين الألمانى والأوروبى. ويعتقد الرئيس الروسى أن أوروبا ستنهار قبل أن يلحق بالاقتصاد الروسى ضرر من العقوبات الغربية.

جاءت تأكيدات فلاديمير تشيجوف مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبى بأن الاقتصاد الروسى لن ينهار نتيجة العقوبات التى فرضها الاتحاد الأوروبى على روسيا فى مقابل اعترافات أوروبية بوقوع أضرار. تشيجوف أشار إلى أن الضرر الذى سيلحق باقتصاد دول الاتحاد الأوروبى جراء العقوبات الأوروبية ضد روسيا، سيكون مساوياً لحجم الضرر الذى سيلحق بالاقتصاد الروسي، إن لم يكن أكبر، وقال إذا قرر الاتحاد الأوروبى فرض غرامات على شركات بلاده فى حال عدم التزامها بالعقوبات فإن هذا سيعود عليهم بعواقب أكثر سوءا. وأضاف: “يوجد لدينا عدد غير قليل من المشروعات المشتركة. ولو تحدثنا عن حجم التبادل التجارى بين روسيا والاتحاد الأوروبى فإنه يبلغ مليار دولار فى الـ24 ساعة، وهذا أكثر بـ11 – 12 مرة من حجم التبادل التجارى بين روسيا والولايات المتحدة”.
هذا فى حين اعترفت المستشارة الألمانية بأن أزمة أوكرانيا تلقى بظلالها على ألمانيا أكبر اقتصاد فى أوروبا التى تعرضت لانكماش مفاجئ بنسبة 0.2% فى الربع الثانى من العام. وقالت ميركل إن موسم الشتاء الذى جاء معتدلا على نحو غير معتاد ساهم فى البيانات الضعيفة للربع الثانى بين ابريل ويونيو لكن أضافت أن أزمة أوكرانيا تؤثر أيضا على النمو الألماني.
وقد أفادت صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية مؤخرا” أن المزارعين الإيطاليين يعانون من خسائر كبيرة نتيجة رفض روسيا استيراد بعض المنتجات الغذائية من الاتحاد الأوروبي، وخاصة الخضراوات والفواكه.
وذكرت الصحيفة فى تقريرها آراء بعض رجال الأعمال المحليين الذين يعملون فى مجال توريد المنتجات الزراعية إلى روسيا منذ فترة طويلة.
وأشارت “لا ريبوبليكا” إلى بيانات المجلس الإقليمى فينيتو التى تبين أن الضرر الناجم عن الرفض الروسى للواردات الغذائية فى هذه المنطقة من إيطاليا فقط سيسبب خسارة 591 مليون دولار. أما ما يتعلق بالبلد كاملا فإن الخسائر ستشكل حوالى مليارى يورو. أما خسائر الاتحاد الأوروبى فسوف تشكل حوالى 6.7 مليار دولار و130 ألف فرصة عمل.
وبالنسبة إلى الاقتصاد الاوروبى فقد أجرت مجلة الايكونومست قياسا لنبضه فوجدت أن:
التعافى الهش الذى شهدته منذ منتصف عام 2013 قد توقف فى الربع الثانى من 2014 عندما أصاب ناتجها المحلى الاجمالى الركود. وإن كان هناك أيضا” بعض النقاط المضيئة مع تسارع وتيرة نمو الاقتصاد الاسبانى من 0.4% إلى 0.6%. ونمو الناتج المحلى الاجمالى لكل من هولندا والبرتغال، بمعدل 0.5% و0.6% على التوالى. ولكن تراجع منطقة اليورو كان سببه الرئيسى ضعف أداء أكبر الاقتصادات فيها. فالناتج المحلى الاجمالى فى ألمانيا، وهى أكبر اقتصاد أوروبى، انخفض، وكذلك ايطاليا، ثالث أكبر اقتصاد، وبواقع 0.2%. أما فرنسا ثانى اقتصاد فقد وقعت فريسة الركود.

التهديدات المتبادلة

وفى غضون ذلك أمهل قادة الاتحاد الأوروبى فى ختام قمتهم فى بروكسل الأحد الماضى روسيا أسبوعا واحدا لتغيير موقفها فى أوكرانيا تحت طائلة فرض عقوبات جديدة عليها.
ويأتى اختيار القادة الأوروبيين لرئيس الوزراء البولندى دونالد تاسك الذى يؤيد اتباع سياسة حازمة حيال موسكو رئيسا للمجلس الأوروبى، ليعكس اتجاها أوروبيا نحو تشديد العقوبات، و”بحسب تطور الوضع على الأرض” حسب تصريحات المسئولين. كما تم تعيين وزيرة الخارجية الايطالية فيديريكا موغيرينى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي.

(تاسك 57 عاما، سيخلف فى ديسمبر فان رومبوى الذى كان أول رئيس دائم للمجلس وهو منصب استراتيجي، مكلف بتنسيق العمل بين رؤساء الدول والحكومات وتمثيل الاتحاد الأوروبى فى الخارج إلى جانب رئيس المفوضية).
وهذا التعيين يوجه رسالة حازمة إلى روسيا لان بولندا التى كانت سابقا ضمن الكتلة الشيوعية، تعتبر بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى الأكثر دعما لأوكرانيا منذ بدء الأزمة. وبولندا ليست عضوا فى منطقة اليورو.
أما موغيرينى (41 عاما) فتنتمى إلى الحزب الديموقراطى الايطالى المنبثق من الاشتراكية الأوروبية فكانت قد كثفت فى الآونة الأخيرة رحلاتها إلى أوكرانيا وروسيا. وأثار لقاؤها مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين انتقادات شديدة فى عدة دول من أوروبا الشرقية.
كان النزاع قد دخل مرحلة جديدة مؤخرا بعد معلومات متطابقة عن عمليات توغل للقوات النظامية الروسية فى أوكرانيا. وقالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إن العقوبات الاقتصادية ستطال قطاعات فرضت عليها عقوبات فى نهاية يوليو الماضي، خصوصا قطاعى المال والطاقة وكان الاتحاد الأوروبى قد قرر فى 29 يوليو منع وصول روسيا إلى أسواقه المالية وحظر بيعها تكنولوجيا حساسة فى قطاعات الطاقة والسلاح والسلع ذات الاستخدام المدنى التى يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.
وقد نقلت صحيفة الجارديان تحذيرات رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو من الوصول إلى “نقطة اللاعودة” فى النزاع الأوكراني. الذى قال بعد لقاء مع الرئيس الأوكرانى بترو بوروشنكو “يمكن أن نجد أنفسنا فى وضع نصل فيه إلى نقطة اللاعودة إن استمر التصعيد”.باروزو فى اتصال هاتفى مع بوتين قال له إن “زعزعة استقرار أوكرانيا مجددا ستكلف روسيا ثمنا باهظا”.
ومن جانبه حذر الرئيس الاوكرانى من تعرض أمن أوروبا للتهديد قائلا لنظرائه الأوروبيين “إننا قريبون جدا من الحدود التى لا يمكن الرجعة عنها وإذا كنا اليوم نتحدث عن مصير أوكرانيا، إنما غدا يمكن أن نتحدث عن امن أوروبا واستقرارها”.
أما الرئيسة الليتوانية داليا غريباوسكايتى فرأت أن “روسيا فى حالة حرب مع أوكرانيا البلد الذى يريد أن يكون جزءا من أوروبا، وقالت هذا يعنى أن موسكو فى حالة حرب عمليا ضد أوروبا”.

وفى تصعيد جديد هدد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أن رجال الأعمال الأوروبيين الذين عبروا عن امتعاضهم تجاه الإجراءات التى اتخذتها قيادات بلدانهم سوف يلاقون صعوبات كبيرة إذا ما فكروا فى العودة مرة أخرى إلى السوق الروسية. وقال بوتين إن الشركات المصنعة الروسية، للأسف، اليوم لا يمكنها أن تعوض الواردات التى كانت تحصل عليها البلاد ولذلك، فإننا نعمل حاليا مع منتجين آخرين من بلدان أمريكا اللاتينية: البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، ومع الشركاء الشرقيين والمصنعين الصينيين ومن بعض البلدان الأخرى.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الروسى، قال وزير الاقتصاد أليكسى أوليوكاييف فى مقالة صحفية نشرت مؤخرا” إن قاعدة مالية تمنع روسيا من زيادة الإنفاق الحكومى إنما تنسجم مع “حقائق قديمة” وإنه ينبغى تخفيفها، حيث تربط روسيا الإنفاق الحكومى بأسعار النفط فى المدى الطويل وتفرض سقفا على الاقتراض عند واحد بالمائة من الناتج المحلى الإجمالي. لكن هذا النظام يواجه انتقادات فى وقت قد ينزلق فيه الاقتصاد إلى الركود تحت وطأة العقوبات الغربية بسبب أوكرانيا.
وأبدى أليكسى اعتراضه على ضياع فرص لتنشيط الاقتصاد عن طريق السياسة المالية فى وقت يقترب فيه من حافة الركود، وكان من الضرورى القيام بإجراءات تهدف إلى تخفيف التداعيات السلبية لتصاعد التوترات الجيوسياسية.
كانت بيانات رسمية قد أظهرت انكماش الاقتصاد على أساس سنوى فى كل من يوليو ويونيو. ويتزامن التباطؤ مع تصاعد هروب رءوس الأموال وتراجع الاستثمار وهو ما يعزوه المحللون إلى الأزمة الأوكرانية وتأثير العقوبات الغربية.
يذكر أن دولا غربية قد فرضت سلسلة عقوبات على روسيا بسبب دورها فى الصراع الأوكرانى وردت موسكو بفرض قيود تجارية من جانبها. وفى أواخر يوليو تحول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة من وجهة العقوبات على بعض الأفراد والشركات إلى اتخاذ تدابير ضد قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسى.
وجاء تحذير حلف الناتو مؤخرا “من أن روسيا لديها ما يزيد على ألف جندى داخل أوكرانيا، ليثير المخاوف من تصعيد كبير من الأزمة، ويترك الروبل بلا غطاء.
فالروبل الروسى بلغ مستوى قياسيا منخفضا مقابل الدولار فى الأيام الأخيرة، مع اشتداد الصراع بين موسكو وأوكرانيا. وتراجعت العملة الروسية 0.4%، ووصلت الخسارة خلال الأسبوع إلى 2.6% مقابل العملة الأمريكية التى تعادل سبعة وثلاثين روبلاً، بينما هبط الروبل مقابل اليورو 0.3% إلى ثمانية وأربعين روبلاً لليورو الواحد.
وزارة التنمية الاقتصادية الروسية أعلنت أن الناتج المحلى الإجمالى للبلاد نما بنسبة 0.7%، حسب تقديراتها، خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2014 بالمقارنة مع الفترة المماثلة من السنة الماضية.
ورأى النائب فى الجمعية الوطنية الفرنسية والرئيس المشارك فى جمعية “الحوار الفرنسى الروسي” تييرى مارياني، أن عقوبات الاتحاد الأوروبى ضد روسيا غير عادلة، وغير منتجة وبناءة وهكذا يرى الكثيرون.

الاقتصاد الاوروبى
وفى مؤتمر صحفى مشترك مع رئيس الوزراء الاسبانى ماريانو راخوى قالت المستشارة الألمانية إن الوضع الأوكراني – الروسى بشكل عام يكشف أن لنا مصلحة كبيرة فى عودة العلاقات العالمية إلى وضع بناء مرة أخرى. وأضافت “مع ذلك فإننى أتوقع أن يكون معدل النمو السنوى بشكل عام طيبا ما لم يحدث أمر جلل”. (تتوقع الحكومة الألمانية نمو الاقتصاد بنسبة 1.8% هذا العام).
بيانات الإنفاق الاستثمارى الضعيفة والتجارة البطيئة دفعت الاقتصاد الالمانى إلى الانكماش لأول مرة منذ أكثر من عام فى الربع الثاني، مما يشير إلى أن أكبر اقتصاد فى أوروبا بدأ يفقد الزخم، مع بدء سريان مفاعيل الأزمة فى أوكرانيا.
مكتب الإحصاء الاتحادى الألمانى أكد تقديرات سابقة بوجود انكماش بنسبة 0.2% في الناتج المحلى الإجمالى المعدل موسميا خلال الربع الثاني، أى أقل بخمسة أعشار مقارنة بالربع السابق، وبستة أعشار مقابل نفس الفترة من عام 2013.
وتؤكد المؤشرات بوضوح أن الانتعاش فى منطقة اليورو لايزال بعيداً عن تحفيز خلق فرص عمل على أسس ثابتة فى جميع الدول. وعلى سبيل المثال، مؤشر مديرى المشتريات فى قطاع الصناعات التحويلية بألمانيا، أكبر شريك تجارى لروسيا فى الاتحاد الأوروبي، تراجع إلى أدنى مستوى فى أحد عشر شهرا عند 51.4. فمع بلوغ معدل البطالة 6.7%، تعانى ألمانيا التى تقود الانتعاش الاقتصادى فى منطقة اليورو من انخفاض الثقة فى قطاع الأعمال لأضعف مستوى منذ بداية العام. وفى فرنسا ثانى أكبر اقتصاد فى الكتلة انخفض المؤشر إلى 46.9%، مما يعنى أن القلق يعم الجميع.