IMLebanon

15 ألف دولار أميركي دين كل مولود لبناني جديد

Joumhouriya-Leb
بروفسور جاسم عجاقة
بلغ الدين العام اللبناني في نهاية الفصل الأول من العام 2014 حوالى 65 مليار دولار أميركي، 60% منها دين داخلي، 47% حصة المصارف التجارية و27% حصة مصرف لبنان بحسب أرقام وزارة المال. وهذا يعني أنه نسبة الى 4 ملايين و300 ألف نسمة، يبلغ الدين العام 15 ألف دولار أميركي على كلّ مواطن لبناني.

هذا الواقع المرير عرضة للتفاقم خصوصاً أنّ هناك عوامل عدة تُساعد في ذلك، على رأسها: الركود الاقتصادي الناتج عن الأزمة السورية وتدفق اللاجئين السوريين، زيادة الإنقاق العام خصوصاً الجاري، زيادة الفساد والهدر… ويُقدّر العجز في موازنة العام 2014 7,669 مليارات ليرة لبنانية قيمة العجز المُقدّر في مشروع، أيْ ما يوازي 5 مليارات دولار أميركي ستتحوّل من دون أدنى شك إلى دين عام. وهذا يعني أنه وبنهاية هذا العام سيتخطّى دين لبنان العام، وبحسب الأرقام الرسمية، 70 مليار دولار أميركي.

وبالنظر إلى تطوّر العجز والدين العام اللبناني، نرى أنّ العلاقة بين الإثنين أصبحت علاقة ميكانيكية منذ العام 2011 أيْ منذ بدء الأزمة السورية. هذا الأمر يُفسّر بعجز الاقتصاد اللبناني عن إمتصاص أيّ عجز في الموازنة خصوصاً أنّ الميزان الأولي أصبح سلبياً ولم يعد يُغطّي خدمة الدين العام الأمر الذي يُؤدّي إلى زيادة الدين العام بحجم خدمة الدين العام.

والإستنتاج الأخير من هذا الطرح، هو أنّ الدين العام يزيد سنوياً بفعل ثلاثة عوامل: العجز في الموازنة (باستثناء خدمة الدين العام)، خدمة الدين العام، والعجز الناتج عن الميزان الأولي. من هنا يُمكن القول إنّ لبنان فقد السيطرة على دينه العام الذي أصبح يتطوّر بشكل إسّي.

قد يطرح القارئ فرضية إفلاس الدولة اللبنانية وله الحق في ذلك، إلّا أنه يجب معرفة أنّ هناك عدداً من العوامل قد تُؤخر هذا الحدث منها ما هو إقتصادي ومالي ومنها ما هو سياسي. على الصعيد الاقتصادي، يبقى الإستهلاك المحلّي صمام أمان، إذ إنّ اللبناني إرتقى في طريقة إستهلاكه إلى درجات عالية من التطور توازي طريقة إستهلاك المواطن الأميركي.

أما على الصعيد المالي، فُيشكل الدعم الواضح من مصرف لبنان إن مباشرة عبر تسييل ديون الدولة أو غير مباشرة عبر الضغط على المصارف اللبنانية لزيادة محافظها من سندات الخزينة، صمام أمان يعفي لبنان من عواقب التخلّف عن الدفع الذي هو أحد أسباب الإفلاس.

وبالنظر إلى تطوّر الدين الداخلي والخارجي للدولة اللبنانية، نرى أنه وعلى مرّ عشر سنوات لم تتغيّر كثيراً قيمة الدين الخارجي على عكس الدين الداخلي الذي زاد من 19 مليار دولار أميركي في العام 2005 إلى 39 مليار دولار أميركي في الفصل الأول من العام 2014.

أما على الصعيد السياسي، فيُشكل الدعم المالي العربي، الذي وعلى الرغم من عدم وجود ترجمة فعلية له على الأرض (بإستثناء الهبات السعودية)، يُشكّل دعماً معنوياً للدولة اللبنانية والإسواق.

إلّا أنّ هذه العوامل هي عوامل صمود وليست عوامل حلّ للأزمة. فالإستمرار على هذه الحال سيدفع إلى زيادة الدين العام بشكل كبير إلى حدّ أنّ التداعيات لن تتأخر بالظهور وخصوصاً التصنيف الإئتماني الذي سيؤثر في خدمة الدين العام وعلى حجم المديونية العامة. إلّا أنّ أثار التصنيف الإئتماني لن تقتصر على هذا الحدّ بل ستطال المصارف بحدّ ذاتها نظراً لتعرّضها للدين العام اللبناني ولسندات الخزينة اللبنانية.

وإذا كانت مطامع القطاع المصرفي في نسب الفوائد العالية التي تدفعها الدولة كفائدة على دينها العام، إلّا أنّ مخاطر الإفلاس واقعية وإحتمالاتها تزيد يوماً بعد يوم. وعلى هذا الصعيد يجدر الذكر أنّ لبنان في المرتبة الثالثة من ناحية نسبة المديونية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي وراء اليابان وزيمبابوي.

وما يدعم هذا التحليل هو أنّ تصنيف لبنان الإئتماني الحالي هو أعلى بدرجة واحدة من تصنيف الإستثمارات الخطرة (Junk Bonds)، ما يعني إستحالة أنه لا يُمكن لوزارة المالية طرح سندات خزينة في الأسواق العالمية. وهذا ما يُبرّر إستقرار الدين الخارجي على مدى عشر سنوات وزيادة الدين الداخلي.

إنّ مديونية الدولة اللبنانية هي إحدى القوائم الرئيسة للسياسة المالية للحكومات. فبحسب النظرية الاقتصادية، توزان المالية العامة ليس بالضروري هو المقياس المناسب للسياسة المالية وهذا الأمر ناتج عن الإرث الناتج عن سياسة الديون للسنين الماضية والتي تنعكس في خدمة الدين العام، كما وإلى الوضع الإقتصادي الحالي في الدورة الإقتصادية.

والمعادلة التي يتمّ من خلالها مقياس التوازن المالي تنصّ على أنّ الإصدارات الجديدة + الإيرادات الضريبية = خدمة الدين العام + الإنفاق العام. إلّا أنه وفي حال لبنان هناك عائقان رئيسان: الأول نسبة المديونية العامة والثاني الدورة الاقتصادية الحالية.

من هذا المنطلق نطرح السؤال حول كيفية تغطية خدمة الدين العام والإنفاق العام في ظل هذه الظروف؟ فخيار الدولة اللبنانية يبقى بشكل حصري إصدار سندات خزينة وهذا الأمر لا يُمكن الإستمرار به كما سبق الذكر أعلاه. لذا من الواجب العمل على الماكينة الاقتصادية عبر الإستثمار فيها لكي تبدأ بإعطاء مدخول. والسؤال من أين يُمكن جلب الأموال للإستثمارات؟

الجواب سهل وينقسم إلى ثلاثة محاور:

1- فرض سلطة الدولة المالية على الأراضي اللبنانية خصوصاً المرافئ العامة والتي تحرم الدولة اللبنانية مليارات الدولارات سنوياً يُمكن إستخدامها في الماكينة الاقتصادية.

2- محاربة الفساد والهدر في مؤسسات الدولة اللبنانية خصوصاً التخمينات العقارية والأملاك البحرية والنهرية… والتي تحرم خزينة الدولة من الأموال التي كانت لتُضخّ في الاقتصاد.

3- الضغط على المصارف اللبنانية لكي تُؤمّن ما يوازي ثلاثة مليارات دولار للإستثمار في الاقتصاد خصوصاً للشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم لأنّ هذا الأمر أساسي، ولا يُمكن الإستمرار في دعم الشركات الكبيرة التي لا تُشكّل حيزاً كبيراً على صعيد اليد العاملة اللبنانية.

إنّ استمرار المصارف في تمويل عجز الدولة اللبنانية ودينها الخارجي هو أمر مرفوض وسيوصل لبنان إلى الإفلاس لأنه لا يوجد أيّ أمل في الأفق أنّ هناك نهاية لهذا الأمر. لذا من المفروض البدء بإشراك القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد وذلك عبر الشراكة بين القطاع الخاص والعام.