لقد حاول الكثيرون التوصل إلى نظرية لما يحدث في الاقتصاد الأوروبي. لماذا لا تتراجع البطالة بشكل أسرع؟ لماذا يعتبر التضخم حتى أقل بكثير مما تشير إليه التنبؤات؟ لماذا نقترب مرة أخرى من الركود؟ جميع التصريحات الصادرة الأسبوع الماضي عن ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، كانت تدور حول ما يقال حول هذه الأسئلة، وليس عن التدابير السياسية الملموسة، لذا فقد كان ذلك هو الذي الأكثر إثارة للاهتمام.
القراء الذين اعتادوا على قراءة مقالاتي ربما يمكنهم تخمين أجوبتي على هذه الأسئلة – ولكن، حتى لو كنا نختلف حول الأسباب الدقيقة للانكماش الحالي، لا يزال بإمكاننا إيجاد استجابة من السياسة تكون مشتركة وفعالة.
حول العدد الذي توصلتُ إليه والذي هو في حكم المؤكد غير مكتمل، هناك أربع فئات واسعة من النظريات التي تُسمع في أغلب الأحيان في هذا النقاش.
أولا هناك وجهة النظر الكينزية، التي تنص على أن ضعف الأداء الاقتصادي هو نتيجة التقشف في المالية العامة، وارتفاع أسعار الفائدة للبنك المركزي الأوروبي لعام 2011، والفشل في عكس أخطاء السياسة هذه بالسرعة الكافية.
هناك نظرية مختلفة، ولكنها ذات صلة بذلك وأود أن أضعها في المجموعة نفسها. نظرية ركود الميزانية العمومية، التي أطلقها الاقتصادي الياباني ريتشارد كو، وهي في نهاية المطاف نظرية كينزية.
الفكرة هي أنه عندما تبدأ الشركات والأفراد المثقلون بالديون التخلص من الرفع المالي، فإنهم لا يستجيبون للحوافز النقدية. وبالتالي على الحكومة أن تعمل من خلال توسيع السياسة المالية العامة. وفي رأي كينز، السياسة المالية العامة تهيمن خلال ركود حاد.
ثانياً، هناك النظرية المالية العامة لمستوى الأسعار. هذه النظرية هي حديثة نسبياً، وتتحدى وضع تعريف لها يتألف من فقرة واحدة. وكما يوحي اسمها، فإن التضخم هنا يتكيف مع موقف المالية العامة، ولكن الآليات مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في النماذج الكينزية.
النظرية الثالثة هي في النظم النقدية. البعض سوف يفاجأ عندما يجد أن أصحاب النظرية النقدية لا يزالون موجودين، لكنهم تحت مسميات جديدة، مثل “نقديو السوق”. وكان ميلتون فريدمان، عراب النظرية النقدية، قد قال إن التضخم يعتبر دائماً وفي كل مكان ظاهرة نقدية. ومعه كذلك، بطبيعة الحال، غياب التضخم. يجادل نقديو السوق بأن البنك المركزي ينبغي أن يستهدف قدراً معيناً من النقود الواسعة في التداول لتحقيق استقرار الأسعار.
المجموعة الرابعة هم البنيويون. مهما كانت المشكلة، فإن الإصلاح الاقتصادي هو الجواب. هم يعتقدون أنه حين تلتزم بإجراءات التحرير، فإن الاقتصاد سيصبح أقوى. الأمر الذي لا يمكن أن يفسروه أبداً هو: لماذا كان من الممكن بالنسبة للاقتصادات التي لم تنفذ أية إصلاحات في منطقة اليورو أن تقدّم أداءً جيداً في الماضي، والسبب في أن فنلندا، بطلة العالم في الإصلاحات الهيكلية، تحولت في الآونة الأخيرة إلى حالة اقتصادية لا أمل منها.
صناع السياسة في منطقة اليورو ومستشاروهم الاقتصاديون هم البنيويون من حيث ميولهم. لقد ولى أصحاب النظرية النقدية في الغالب، حتى في ألمانيا. كان الحب بين الاقتصاديين الألمان والنظرية النقدية دائماً واحداً من الذرائع النفعية.
في الدقيقة التي طالب فيها أصحاب النظرية النقدية بسياسة نقدية توسعية، اتجهوا نحو الأيديولوجيات المحافظة الأخرى. اختلاف الاقتصاديين قد يترك الغرباء حائرين، لكن لحسن الحظ أن الاستجابة السياسية المناسبة ليست بهذا التعقيد.
عند توسيع السياستين المالية العامة والنقدية، وإذا كنت تكدس الإصلاحات الهيكلية على القمة، بالتأكيد فإن مزيجاً من بعض هذه التدابير سينجح في نهاية المطاف. فكر في الأمر باعتباره عصفاً اقتصادياً شاملاً أكثر من كونه “مدفع البازوكا الكبير” مثل ديفيد كاميرون، رئيس وزراء المملكة المتحدة. بالطبع، فإنك لن تعرف أي السياسات التي استخدمتها قد قادت المهمة بنجاح. نجاح العملية أو فشلها لا يسوي الخلاف النظري بين الاقتصاديين. ولكن ماذا في ذلك؟
هذا النهج هو أساساً ما اقترحه دراجي في كلمته التي ألقاها في تجمع الشهر الماضي لمحافظي البنوك المركزية في جاكسون هول، وايومنج، والتي تبعتها قرارات السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي.
رأيي هو أن الإصلاحات الهيكلية ليست ذات صلة في الأغلب بالانتعاش الاقتصادي. في بلدان مثل إيطاليا يمكن مساعدتها على رفع معدلات النمو على المدى الطويل قليلاً. إذاً، لأسباب سياسية أو قانونية، شكلت الإصلاحات الهيكلية تعويضاً مقابل المزيد من التيسير المالي. عليه، دعونا نبدأ بها في هذه اللحظة. أنا سعيد لقبول نظرية غريبة الأطوار إذا كان بالإمكان الحصول عبرها على السياسة الأفضل كمنتج ثانوي.
وفي حين أني متفائل نسبياً بأن الاستجابة الفعالة للسياسة ممكنة، إلا أني أقل تفاؤلاً بكثير حول أنها في الواقع سوف تحدث أصلاً. عندما يتحدث الساسة الأوروبيون حول المرونة في المالية العامة، فإنهم لا يعنون تخفيضات ضريبية كبيرة أو برنامجاً استثمارياً. المرونة هي حول كيفية تأطير الخطوات التالية من التقشف، سواء قللت من نفقاتك هذا العام أو العام المقبل.
وأصعب مهمة لدراجي ستكون في استمالة صناع السياسة، بما في ذلك أولئك الموجودون في المفوضية الأوروبية الجديدة، لاستجابة كبيرة ومنسقة. الاحتمالات ليست صفراً، ولكنها ليست كبيرة جداً كذلك.
إذا لم ينجح هذا، فإن ثاني أفضل خيار هو استخدام أكبر قدر ممكن من عمل السياسة النقدية: برنامج التيسير الكمي لشراء السندات الحكومية والقطاع الخاص؛ وإعادة صياغة هدف التضخم لجعل الالتزام بهدف التضخم العالي أكثر صدقية. وستكون هذه هي السياسات المفضلة لي، وإن كان العصف الشامل سيكون رهاناً أكثر أماناً.