Site icon IMLebanon

«الهيئات» قلقة من انهيار مالي: لبنان على صفيح ساخن

Akhbar
محمد وهبة
«نحن قلقون من حصول انهيار مالي يودي بكل البلد نحو التهلكة». عبارة تردّدت على لسان أكثر من «قطب» في هيئات أصحاب العمل، على هامش المؤتمر الصحافي المنعقد أمس في مقرّ غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان تحت عنوان «انتخبوا رئيساً… كي تبقى لنا جمهورية». بعضهم تحدث عن مؤشرات تراجع حركة الاستهلاك وخسارة أسواق خارجية، وبعضهم الآخر أشار إلى تنامي ظاهرة صرف العمال ورغبة المؤسسات في الانتقال إلى الخارج، فيما كانت الغالبية تتحدث عن تداعيات الاهتزاز الأمني في ظل تراجع أوضاع المالية العامة.

إذاً، لبنان ليس بخير. هو استنتاج معروف أصلاًًً، ففي ظل تغييب «الدولة» عن إدارة الأزمة التي تضرب مفاصلها وأركانها، لم يعد أمام هيئات أصحاب العمل سوى التحذير وإطلاق الصرخات الواحدة تلو الأخرى. وقد عبّر رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار، عن هذا الوضع بوضوح عندما قال: «لا بدّ من أن نذكّر، علّ التذكير ينفع، بأن المنطقة العربيّة تقف على صفيح ساخن، ولبنان وسط البركان العربي المضطرب والهائج، ليس بمنأى ولن يكون بمنأى عمّا يحصل من حولنا، علما بأنّ التداعيات أصابت أوّل ما أصابت الاقتصاد اللبناني (…) الوضع السياسي ليس مريحاً على الإطلاق، والوضع الأمني يبعث على القلق، وبات الفلتان يهدّد مصير البلاد والعباد.

أما الوضع الاقتصادي فحدّث ولا حرج، إذ إن معظم القطاعات الإنتاجية، ولا سيّما القطاعين السياحي والتجاري، تواجه واقعاً سلبياً منذ أكثر من سنتين، وذلك رغم التحسّن المحدود الذي طرأ بعد تشكيل حكومة الرئيس تمّام سلام».
اللافت، أن أركان هذه الهيئات يعبّرون في مجالسهم الخاصة عن مستوى العجز الذي يضرب القوى السياسية، وهو ما يزجّ بهيئات أصحاب العمل في أتون الإرباك والضياع ويجبرهم على العودة الى الميدان بعدما خرجوا منه إثر تعليق البحث في إقرار سلسلة الرواتب. فهذه الهيئات ترى نفسها صاحبة الكلمة الأخيرة والكلمة الفصل في كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما قاله بوضوح رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس مخاطباً السياسيين: «نحن الحلقة الأقوى في هذا البلد، وسنخاطبكم كما نريد. يجب أن نتخلص من حكومة الـ»24 قيراط» (توصيف أطلق على حكومة تمام سلام نظراً إلى كونها حكومة تجمع الأخصام في السياسة)، حتى لا نصبح في جمهورية الـ 24 مقروط».
كذلك، لا يخفي بعض ممثلي الهيئات أن الصرخات التي أطلقت سابقاً كانت ذات طابع سياسي مختلف عن الأوضاع التي نشهدها حالياً، ففيما كان خطاب الهيئات يوظّف سابقاً لتغليب فريق سياسي على آخر، بات اليوم أصحاب المؤسسات في غالبيتهم التي تُحسب على قوى 14 آذار (نظراً إلى ارتهان نشاط هذه المؤسسات للعلاقات مع الخليج وأوروبا)، قلقين على مصالحهم وعلى رؤوس أموالهم. يتظللون بأن موظفيهم وأجراءهم في خطر الصرف من العمل، لكنهم يعلمون أن أي «انهيار» مهما كان شكله ونوعه سيطالهم أيضاً.
إزاء هذا المشهد، لم يعد لدى هيئات أصحاب العمل سوى عنوان واحد تتمسك به، وهو «انتخاب رئيس للجمهورية». هم يجمعون على أن انتخاب الرئيس ليس حلّاً، بل هو مؤشّر على وجود حلول تبعد شبح الانهيار، وهو أيضاً موقف لتبرير مواقفهم أمام سفراء الدول الأجنبية الذين يلتقونهم باستمرار، فهؤلاء السفراء يسألون باستمرار عن موقف الهيئات وقدرتها على التحرّك بوصفها من أركان المجتمع المدني، وبالتالي فإن مثل هذا التحرّك يضرب «عصفورين بحجر واحد»، فهو يقدّم التفسيرات المطلوبة للسفراء ويعيد التذكير بأن الهيئات هي الأقوى ضمن فئات النظام اللبناني وشرائحه.
وفي موازاة تعبير أصحاب العمل عن قلقهم من الانهيار، يتحدثون عن ارتفاع درجة النعرات الاجتماعية والمشاكل التي انتقلت إلى كل حي وزاروب في لبنان، غير أنهم في الواقع يستخدمون «الأثر الاجتماعي والاقتصادي» في سياق الترويج لرفض كل فرص التصحيح الاقتصادي والاجتماعي وإغلاق كل الأبواب أمام النقاش فيها، تماماً كما حصل بالنسبة إلى موضوع سلسلة الرتب والرواتب التي يمثّل إقرارها أهم أداة لردم الهوّة الاجتماعية والاقتصادية في لبنان، لكن الهيئات أثبتت أنها الحلقة الأقوى التي لديها الكلمة الأولى والأخيرة في إقرار السلسلة أو إغراقها في أدراج السياسة.
على أي حال، أوضح رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان محمد شقير أنه «إذا انهار الاقتصاد لن تستطيع أي إجراءات أمنية حماية لبنان من الثورات الاجتماعية»، وذهب أبعد من ذلك عندما انتقد وجود مصانع سورية تعمل في لبنان، مشيراً إلى أن «من غير المقبول أن تنتقل المصانع السورية إلى لبنان لتهدد اللبنانيين في عيشهم».
لكن على بعد بضعة كيلومترات من كل هذا الكلام، كان وزير السياحة ميشال فرعون يرسم مشهداً مختلفاً وبعيداً كل البعد عما تقوله الهيئات، لا بل إن المشهد يترك انطباعاً بأن كلام الهيئات هو كلام في السياسة أكثر مما هو استعراض للوقائع القائمة. فرعون كان في طبرجا يفتتح فندقاً هو «مونتي كازينو» وقد صرّح أمام رئيس اتحاد المؤسسات السياحية بيار الأشقر بأن «الاستقرار في لبنان هو بفضل الاتفاق الأمني في الحكومة»، وبالتالي فعن أي «مأساة سياحية» كان الأشقر يتحدث في مؤتمر الهيئات أمس؟ وهل يصح الحديث عن مأساة في قطاع يشهد افتتاح مؤسسات جديدة؟ ربما الربط غير موضوعي، ولا سيما أن السياحة تضررت فعلياً من تراجع عدد السياح الوافدين، فضلاًً عن أن قطاعات أخرى تضررت أكثر، ومنها القطاع الصناعي، الذي تكبّد «خسائر كبيرة جدّاً» بحسب رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل. فهو قال في المؤتمر إن «الفرص التي فاتت على الاقتصاد اللبناني بين مطلع عام 2011 ونهاية العام الجاري تلامس الـ 13 مليار دولار. هذا الرقم يمثل أقل بقليل من ثلث الناتج الوطني اللبناني».