لم تشأ الهيئات الاقتصادية رفع نبرة التحدي عالياً كما اعتادت أن تفعل أيام الحكومات السابقة، فجاء مؤتمرها الصحافي الذي عقدته أمس في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، نسخة منقّحة عن بياناتها السابقة التي تعرض لخطورة الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية، مع جديد واحد هو الدعوة العاجلة الى انتخاب رئيس للجمهورية.
الكلمات التي ألقاها أركان الهيئات الاقتصادية في المؤتمر الصحافي كانت بمثابة عرض مفصل للواقع الاقتصادي الذي يعيشه لبنان مع نبرة تحذيرية من خطورة هذه الأوضاع في حال لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية في 23 الجاري. ولكن هذا العرض غاب عنه خطة التحرك التي ينوون القيام بها باتجاه حضّ المجتمع السياسي وخصوصاً النواب للنزول الى مجلس النواب وانتخاب رئيس للبلاد. فما هي الأسباب التي منعت “الهيئات” من إعلان خطة التحرك؟
ولكن يبدو أن أركان “الهيئات” ينتظرون ردَّة الفعل على صرختهم “غير المدويّة” التي أطلقوها أمس بغية الدفع بإتجاه انتخاب رئيس للجمهورية بدليل أن رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير، قال لـ “النهار” “دعونا ننتظر اسبوعا، لكي نرصد أصداء صرختنا، وبعدها نقرر نوعية وشكل تحركنا”. فالاسبوع الذي حدده شقير انطلق من “أجواء التفاؤل السائدة في المنطقة خصوصا بعدما تألفت الحكومة العراقية والتحرك الفرنسي تجاه ايران والتحرك في اتجاه الفاتيكان حيال انتخاب رئيس للجمهورية”. ويأمل في أن تصل صرختهم الى مسامع أهل السياسة ليروا الواقع المر الذي تمر فيه البلاد.
ويعتبر شقير أن تحرك الهيئات في السابق أثمر ضغوطاً محلية وخارجية باتجاه تأليف حكومة “المصلحة الوطنية” برئاسة تمام سلام، وكذلك لو لم نضغط على النواب والحكومة والسياسيين لكانت سلسلة الرتب والرواتب أبصرت النور بما كان سيؤدي الى خراب في المالية العامة وإفلاس البلد. ورغم ما يحصل في لبنان من انهيارات على كل الصعد، لم تطالب الهيئات بشيء لنفسها “نحن نريد منهم فقط انتخاب رئيس للجمهورية ليحفظ ما تبقى”، يقول شقير، لأنه “اذا استمرينا على هذا الحال بالتأكيد سنصل الى شفير الهاوية، وتالياً الى الافلاس، خصوصاً اذا ما عرفنا أن الدولة لا تدفع مستحقاتها ويقتصر الأمر على دفع الراوتب”.
وكما شقير كذلك رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الذي كان “رائداً” في تحركات “الهيئات”، إذ قال لـ “النهار” “لا نريد أن نستبق الأمور، وسنعمل على رصد ردود الفعل على صرختنا من المسؤولين السياسيين والمجتمع المدني، لنبني على الشيء مقتضاه”.
وفي كلمته التي ألقاها في المؤتمر الصحافي، قال شماس “إن لبنان تحوّل بأسره صفيحاً ساخناً، ما يستوجب تدخـّــــل الهيئات الاقتصادية، التي هي بمثابة حرّاس الهيكل الاقتصادي، والتي لن تسمح بتصفيته في غفلة من الزمن.
وحذَّر من “أن العورات المالية بدأت تظهر تباعاً مع عجز الخزينة عن دفع مستحقـــّــاتها بانتظام لأصحاب الحقوق، من موظفين ومقاولين وضمان اجتماعي ومستشفيات والمؤسسة العامة للإسكان وغيرها”.
التحذير عينه جاء على لسان رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار الذي اعتبر “ان المنطقة العربيّة تقف على صفيح ساخن، ولبنان وسط البركان العربي المضطرب والهائج، ليس في منأى ولن يكون عمّا يحصل من حولنا، علماً أنّ التداعيات أصابت أوّل من أصابت الاقتصاد اللبناني”.
أمام هذا الواقع، اعتبر القصار أنه لا بدّ من أن يتحمّل المسؤولون مسؤولياتهم، لأنّ بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، واستمرار القوى السياسية على النهج التعطيلي ذاته، سوف يولّد لا سمح الله انفجاراً اجتماعيّاً في الشارع الذي يغلي في الأساس.
أما شقير فسأل “من يعتقد ان مستثمراً يأتي او يبقى في لبنان في ظل عدم وجود رأس للدولة؟”، من يعتقد ان سائحاً او شركة مستعدة أن تأتي الى لبنان في ظل غياب رأس الدولة؟ “من هنا كانت دعوته الى انتخاب رئيس للجمهورية “لا من أجل دعم فريق سياسي على آخر، انتخبوا رئيساً لا محبة بمرشح دون الاخر، نريد رئيساً خدمة للبنان وفي خدمة لبنان، نريد رئيساً من اجل إنقاذ الاقتصاد وحماية أرزاق الناس”.
وعرض رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل واقع الاقتصاد في “عز الازمة الاقتصادية العالمية”، حيث سجل معدلات نمو بين 8 و9 في المئة، واستقطب فقط في عام 2009 أكثر من 15 مليار دولار من الخارج، في الوقت الذي لامست اقتصادات اكبر دول العالم معدلات نموها الصفر، وأما في الأعوام الاخيرة تراجعت معدلات النمو لدينا على نحو كبير”.
الى ذلك، أشار رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل الى التحديات التي تواجه لبنان، معتبراً أن “ملءَ سُدّةِ الرئاسةِ الأولى باتَ مسألةً حيوية ذات أولويةٍ مطلقة، وخصوصاً أن لبنان يواجهُ في الفترةِ الأخيرة تحدّياتٍ متعاظمة على الصعد الأمنية والاقتصاديّةِ والماليّةِ والاجتماعية. ومن مُسلَّماتِ جـبهِ هذه التحدّيات أن الدفاع عن سيادةِ الوطن وحمايةَ استقلالِه وسلامة أراضيه منوطان، وفق ما ينصّ عليه الدستور، برئيسِ البلاد الذي هو القائد الأعلى للقواتِ المسلّحة”.
ولفت رئيس اتحاد المؤسسات السياحية بيار الأشقر الى التحذير الذي أطلقته المؤسسات السياحية من أن هذه المؤسسات “ستقفل أبوابها” مؤكداً أن “هذا ما يتحقق اليوم”.
وأوضح ان “هذه المؤسسات تقف أمام المحاكم اليوم وتتلقى الإنذارات من دون أن تحقق لها الدولة حقوقها مقابل واجباتها”.