عصام شلهوب
وفق توقعات الاوساط الاقتصادية، من رجال اعمال ومال وصناعيين وتجار، فإن الحكومة مقبلة على مواجهة خريف حار وربما ملتهب لاسباب كثيرة في طليعتها:
1- زيادة حدة الركود الاقتصادي الذي لن يتخطى في حده الاقصى 20٪ على ما يقوله حاكم مصرف لبنان واحصاءات المصارف التجارية والمؤسسات المالية الدولية، بالاضافة الى تراجع وتيرة النشاط الانتاجي، مع ما يعني ذلك من ارتفاع حجم البطالة، (الاحصاءات الاخيرة الصادرة عن مراكز الدراسات ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة العمل العربية) سجلت وجود 37٪ من العاطلين عن العمل في السوق اللبنانية، بالاضافة الى عمليات الصرف الجماعي التي بدأت سوق العمل اللبنانية تشهدها بوتيرة متزايدة خلال الاشهر الماضية، وخصوصاً اليد العاملة الوطنية واستبدالها باليد العاملة السورية الرخيصة، وهذه الحالة طالت كبريات المؤسسات الانتاجية في مختلف المناطق.
2- ارتفاع مستوى الغلاء بشكل لافت وصل بحسب الاتحاد العمالي العام 36٪ مما دفع الى اعلاء مطلب تصحيح الاجور الذي يصر عليه العمال، ولا تعيره اهمية الهيئات الاقتصادية وخصوصاً جميعة تجار بيروت الذي تعتبر ان هذا المطلب غير مطروح.
لكن القضية لا يمكن التغاظي عنها خصوصاً اذا ما نفذت الحكومة الاجراءات التي يتم الحديث عنها لتمويل سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام، خصوصاً رفع الضريبة على القيمة المضافة «TVA»، وفرض رسوم اضافية على بعض الخدمات الاساسية مثل الكهرباء، والمياه وبعض السلع الاستهلاكية.
الاتحاد العمالي وهيئة التنسيق
موقف الاتحاد العمالي العام الرافض لزيادة الضريبة على القيمة المضافة على بعض الخدمات الاساسية تحول حتى الآن من اعتماد هذا التوجه حالياً على الاقل.
وطالبت هيئة التنسيق النقابية والاتحاد العمالي العام بالبحث عن مصادر اخرى لتمويل السلسلة وعجز الموازنة العامة وفي طليعتها وقف الهدر في الانفاق العام، زيادة الضريبة على الاملاك البحرية، وقف التهريب عبر بوابة المرفأ والبوابات الحدودية وغيرها..
ويشير الخبراء الاقتصاديون الى ان الاتجاهات التي سلكتها الحكومات المتعاقبة اعادت تركيز الاقتصاد اللبناني، كما هو معروف عنه، بتشوهاته البنيوية، لا سيما لجهة الامور والمسائل الآتية:
أ- استمرار الدولة بالغرق في الديون بحيث اصبحت مدينة بـ64.8 مليار دولار، ولم يسجل اي تغير يذكر على صعيد تمويل الدين العام المحرر بالليرة اللبنانية والتي بلغت حتى نهاية نيسان من عام 2014 ما مجموعه 58396 مليار ليرة، مشكلة حوالى 59.8٪ من اجمالي الدين العام، وقد بلغت حصة المصارف التجارية 52.3٪ وحصة مصرف لبنان 30.2٪ وحصة القطاع غير المصرفي 17.5٪.
هذا الواقع دفع ببعض الجهات السياسة (معارضة وموالاة) الى المطالبة باعادة النظر بالاولويات عن طريق ايلاء اهمية لافتة لمعالجة المسائل الاجتماعية والمعيشية، وعدم تنفيذ مشاريع غير منتجة، واخذ الوضع المعيشي والاجتماعي بالاعتبار عند الاقتراض، وخصوصاً استشعار الخطر المحيط بلبنان وبداخله بحيث لا يمكن خوض مغامرات اقتراض جديدة من دون ان يتلاءم ذلك مع الاوضاع السائدة في لبنان والمنطقة.
ب- العجز المتفاقم في الموازنة الناجم عن الخلل في التوازن بين الواردات والنفقات، وعدم اقرار الموازنات السابقة والحالية من قبل مجلس النواب، الامر الذي يشكل مخالفة دستورية واضحة ويجعل الانفاق العام غير قانوني وغير دستوري، ويؤدي بالتالي الى مزيد من الخلل الاجتماعي مع اضطرار الحكومة الى صرف الواردات على خدمة الدين العام ودفع الرواتب والاجور (ارتفعت وتيرة عدم دفعها في الفترة الاخيرة بحجة عدم وجود مسوّغ قانوني لهذا الصرف؟؟).
ج- الاستدانة من الخارج حمّل المالية العامة اعباء فوائد كبيرة لمؤسسات وافراد خارجين وحتى لدول قريبة وبعيدة.
ولفت خبراء ماليون الى وجود دينين على لبنان: دين على الدولة ودين على البلاد.
يقول هؤلاء، اذا كانت للدين على الدولة اخطار وان محسوبة، فإن اخطار الدين على البلاد التي يرتبها الدين الداخلي، لا تقل خطورة بدورها، ويجب ان تدفع الحكومة الى الاهتمام بها، على رغم مشاكلها الحالية الكبيرة والخطيرة، تلافياً للمفاجآت المؤذية.
فالمال الخارجي، المودع منه في مصرف لبنان والمكتتب به في سندات الخزينة، وعند غياب شعور اصحابه بالثقة نهائياً في الوضع بلبنان وباستقراره سيسحبون اموالهم، ومن شأن ذلك احداث طارئة وانهيار مباشر.
باختصار تقول هذه الاوساط، لقد استفاق اللبنانيون اخيراً في ظل امكانات البلاد وقدراتها على خطر محدق: تكاثر مقلق للدين العام، فراغ مالي في الخزانة، وعجز يتزايد في الموازنة، ركود اقتصادي وتباطؤ في النمو، وتوقف الاستثمارات المحلية والعربية والاجنبية، يضاف الى كل ذلك حركات اعتراض شعبي (سلسلة الرتب، المياومون، الاساتذة، اساتذة الجامعة اللبنانية، تحرك عمالي في مختلف القطاعات..)، ودعوات الى العصيان المدني..
سلام يسأل
وازاء الاجماع على كل هذه السلبيات من جميع الاطراف، سأل رئيس الحكومة تمام سلام وفي اكثر من مناسبة عن البديل، يأتيه الجواب بضرورة الاستدانة لمعالجة الحالات الطارئة، على طريقة داوني بالتي كانت هي الداء، اي تسكين الشكوى الاجتماعية بالمزيد من الدين العام الذي هو مصدر الشكوى الاساسية.. من دون الدخول في الحلول الناجعة والمطروحة منذ سنوات وعدم اعتمادها يعود الى بعض المتنفذين؟!