IMLebanon

وأخيراً… لا مفرّ من إقراض الدولة

Joumhouriya-Leb
أنطوان فرح
تُظهر الأرقام التي قدمتها وزارة المالية أخيراً، انّ العجز في الموازنة الى ارتفاع قد يتجاوز المليارَ دولار في نهاية العام 2014 عمّا كان عليه في العام 2013. ولا توحي المؤشرات السياسة بأنّ هناك بوادرَ لإقرار موازنة للعام 2015، ما يؤكد انّ الامور سوف تمضي على ما هي عليه، سواءَ تمّت الانتخابات الرئاسية على خير، أم لم تتم.

هذا العجز المتفاقم الذي سيتحوّل الى دين اضافي، يحتاج تغطيةً لئلّا تصبح الدولة عاجزة عن تسديد المستحقات. هذه التغطية مؤمّنة، من خلال المصارف التي لن تجد بديلاً من الاكتتاب، وبكثافة، في سندات الدين اللبنانية، بالليرة او بالعملات.

وما هو مُطَمئِن في هذا الصدد، انّ نموّ كتلة الودائع في المصارف يبدو كافياً لسدّ العجز المتفاقم في المالية العامة للدولة اللبنانية. وقد قدّرها حاكم مصرف لبنان بحوالى 6 في المئة، أيْ ما يقارب الـ8 مليارات دولار. وهذا الرقم كافٍ لسدّ فوائد نموّ الدين العام الذي قد يرتفع هذه السنة ليصل الى 67 مليار دولار.

لكنّ الإشكالية المطروحة تتعلق بأسعار الفوائد العالمية التي شهدت انخفاضاً كبيراً في السنوات الماضية أفاد منها لبنان، من خلال عمليات استبدالِ استحقاقاتِ الدين بالعملات. هذا الوضعُ ساهم في خفض كلفة الفوائد على رغم انّ كتلة الدين في ارتفاع مستدام. لكنّ المؤشرات تدلّ حالياً الى احتمال رفع أسعار الفوائد على الدولار.

في المقابل، شهدت منطقة اليورو خطوةً تُعتبر سابقة من خلال فرض فائدة سلبية على الودائع باليورو، وخفض الفوائد على القروض الى أرقام متدنّية جداً، تكاد تلامس الصفر في المئة. هذا الواقع قد يفرض على لبنان التحوّل من إصدار السندات بالدولار، الى سندات باليورو.

لكنّ مثلَ هذا التحوّل، قد يفرض بدوره فكّ الارتباط في تسعيرة الليرة مع الدولار حصراً. واذا لم يتم اعتمادُ هذا الخيار، فإنّ احتمالاتِ رفع الفوائد على السندات بالدولار قائمة، ومثل هذا الامر يشكل مخاطرَ اضافية على المالية العامة للدولة.

إلى ذلك، هناك اشكاليةٌ أخرى مطروحة ترتبط بقرار المصارف تجميد سقف الدين للدولة، وستجد المصارف نفسها مُرغمةً على تجاوزه لاعتبارات عدة ليس أقلها، انّ نسبةَ نموّ الودائع لديها لا يستطيع القطاع الخاص استيعابها في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، والتي لا تشجع على تكبير الاستثمارات، او الدخول في استثماراتٍ جديدة، ما يعني انّ تكبير حجم القروض المصرفية في القطاع الخاص لن تكون ميسّرة. كذلك فإنّ مخاطر الديون الهالكة في هذه الظروف المضطربة تحدّ أكثر من احتمالات توسيع مروحة القروض.

في المقابل، لن تكون القروض الاستهلاكية التي لجأت اليها المصارف أخيراً هي الحل. صحيح انّها جاءت كبديل لنموّ قروض الاعمال، وقروض القطاع العام، وكانت ارباحها حتى الآن مجدية، إلّا أنّ الصحيح أيضاً هو أنّ حجم هذا النوع من القروض وصل الى مستويات خطرة ولم يعد في الامكان الدفع في اتجاه تكبير هذه المحفظة. وهذا التحذير أوردته مؤسسات مالية عالمية تراقب الوضع المالي في لبنان عن كثب.

وقد جاء التحذير العلني الذي وجهه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل فترة في هذه الاتجاه، ليؤكد انّ القروض الشخصية وصلت الى السقف الأقصى، ولا امكانية للتوسّع فيها أكثر.

وكان سلامة أشار الى دراسات قام بها البنك المركزي، أظهرت أنّ 50 في المئة من مدخول الأسرة اللبنانية بات مخصصاً لتسديد قروض شخصية. ويبدو أنّ كلام سلامة جاء رداً على اعتراضات بعض المصارف على تعميم أصدره بهدف وضع قيود اضافية على تضخيم القروض الشخصية، للحدّ من هذا الاندفاع، وهو يرى انها قد تقترب من الخطر في حال لم يتم ضبطها اليوم.

انطلاقاً من هذا الواقع، وبما انّ القروض الشخصية والاستهلاكية وصلت الى سقف لا يمكن تجاوزه إلّا بنسب ضئيلة، وبما انّ قروض الاعمال مترنّحة، بسبب الاوضاع، لا يبقى امام المصارف اللبنانية سوى الاندفاع والتنافس على شراء المزيد من الديون السيادية. وبذلك ستبقى الدولة قادرة على تمويل حاجاتها، وقادرة على تسديد ما يتوجب عليها.

لكنّ هذه السياسة، والتي لا يبدو انّ هناك بديلاً منها في الوقت الراهن، هي مثل لَحْس المبرد، ومخاطرها على المدى الطويل، معقّدة لأنّ البلاد قد تصل الى مرحلة لن تكفيَ فيها الاموال التي لا تزال تتدفق من الخارج لسدّ نموّ العجز، عندها نكون قد وصلنا الى نقطة اللّاعودة.