أنيس أيوب
في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري، تنفس مستأجرو العقار في دولة الإمارات الصعداء، وذلك بعد أن قرأوا أول تقرير في عامين، يشير إلى تراجع أسعار الإيجارات في بعض المناطق بنسب تتراوح بين 8 و12 بالمائة.
نقول أن مستأجري العقار وليس مشتريه، هم الذين تنفسوا الصعداء، لسبب واضح وبسيط، هو أن المستأجرين مضطرون للسكن، في حين أن المشترين ليسوا مضطرين للشراء، وإذا لم تعجبهم الأسعار فإنهم ببساطة يؤجلون قرار الشراء، وهذا للأسف ليس حال المستأجرين المضطرين لمكان يأويهم. لقد حبس المستأجرون أنفاسهم طيلة العامين الماضيين وهم يرون أسعار الإيجارات ترتفع بشكل صاروخي، إن لم يكن بشكل جنوني في كل مكان، في دبي كما في أبو ظبي والشارقة، وعجمان وحتى الإمارات الأخرى.
وجعلت حمى ارتفاع الإيجارات، المستأجرين يضربون أخماساً بأسداس مع مطلع كل صباح، ومع نهاية كل شهر، وبخاصة مع اقتراب تجديد عقود إيجاراتهم. وهؤلاء الذين تجوز تسميتهم “بـ المستضعفين في الأرض” وفقا لتعبير فرانز فانون يوماً، كانوا يدركون جيداً أن ملاك بيوتهم وشققهم، أو حتى شركات التأجير ومكاتب الوساطة العقارية التأجيرية، تقف لهم بالمرصاد متحينة تلك اللحظة للانقضاض عليهم. فقد التهمت الزيادة في الإيجارات جزءاً كبيراً من مداخيل ورواتب المستأجرين طيلة العامين الماضيين.
لقد قلت في مقال سابق أن تلك الزيادات الكبيرة في أسعار الإيجار، تنعكس بشكل مباشر على قدرة الأفراد والأسر على الانفاق والصرف. وحذرت من أن ذلك ليس مؤشراً صحيحاً، ولا حتى صحياً، وأن انعكاساته على السوق بشكل عام ستكون سلبية . نعم لقد شعر معظم المستأجرين بالصدمة من جراء رفع القيمة الايجارية في غالبية الشقق السكنية، الأمر الذي وضعهم أمام خيارات صعبة، تتمثل إما في البحث عن شقة أخرى، أو الانصياع لرغبات الملاك ومكاتب التأجير والوساطة العقارية، التي لا تتوانى عن القيام بأي شيئ، لاستغلالهم ولتحقيق الأرباح .
يضاف إلى ذلك، أن معظم المستأجرين لم يكونوا يضعون في حساباتهم أعباء مادية جديدة، لا سيما أن دخولهم بقيت على حالها، ولم يطرأ عليها أي تغيير. نعم لقد تذكر المستأجرون بألم، المعاناة وحالة الحصار التي مروا بها خلال عام 2008 وخافوا من العودة إلى تلك الأيام التي شهدت ارتفاعات خيالية في أسعار الإيجارات جعلتهم أمام خيارات قليلة جداً “أحلاها مر” كما يقال.
فهؤلاء كانو أمام خيارات تسفير عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية، والعيش مع عزاب آخرين تفاديا لدفع معظم الراتب ، إن لم يكن كله، على الإيجار، أو أمام البحث عن شقق بمساحات أصغر ولا تفي باحتياجاتهم الأسرية، وفي أماكن بعيدة عن مواقع أعمالهم وعن مدارس أبنائهم، مع ما يحمل ذلك من سلبيات للجميع.
حينها، سكنت زميلة لنا في الشهامة القريبة من أبو ظبي رغم أنها كانت تعمل في دبي. وحينها انتقل زميل آخر مع أسرته إلى مدينة العين، على الرغم من أن عمله كان في بدبي، لأنه كان سيضطر إلى دفع راتبه بالكامل، كإيجار للشقة التي يسكنها.
ولكم أن تتصوروا المشاكل الأخرى التي تترتب على ذلك كضرورة البحث عن مقاعد دراسية خالية لأبنائه في مدارس المنطقة الجديدة التي سينتقل إليها، وكذلك اضطراره إلى قضاء ساعتين صباحاً، ومثلهما مساء كل يوم في الطريق من منطقة السكن الجديدة إلى مقر عمله القديم، هذا إذا لم يتم احتساب رسوم الوقود الإضافي لسيارته وكذلك رسوم “سالك” ربما.
هذان الزميلان اللذين تحدثت عنهما، هما مجرد نموذجين لما حدث في حينها، وأعتقد جازماً أن قصتيهما ليست إلا جزءاً من عشرات آلاف القصص المماثلة الأخرى. غني عن القول أن استقرار الإيجارات يعني استقرار البشر، واستقرار الأسواق، وحتى استقرار النفوس. لذلك أقول “ربنا أبعد عنا شر الارتفاع الجنوني للإيجارات مرة أخرى”.