إيفا الشوفي
قبل عامٍ من انتهاء المدة الزمنية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في لبنان، التي وُضعت عام 2000، أُطلق بالأمس التقرير الرابع لعام 2013-2014 الذي أظهر تراجعاً حاداً في بعض الأهداف أبرزها الحد من الفقر والاستدامة البيئية. أزمة اللجوء السوري، التي أصبح عمرها 3 سنوات، منعت لبنان، وفق التقرير، من تحقيق تقدّم في الأهداف التي وضعها منذ 14 عاماً؛ فمثّل اللجوء بانعكاساته وتأثيراته محور التقرير والمبرّر الأساسي لهذا التراجع.
«لبنان على المسار الصحيح لإنجاز خمسة من الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، أما الأهداف الحساسة المتعلقة بالحد من الفقر والنوع الاجتماعي والبيئة ما زالت بعيدة عن التحقيق، وللأسف قد تكون في الواقع في حالة تراجع»، هذا ما أعلنته مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هيلين كلارك في زيارتها الأولى إلى لبنان. التقرير السابق الذي صدر عام 2004 أظهر أن 36.6 % من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر بينهم 8 % يعيشون بأقل من 2.4 دولار في اليوم، مقابل 28.6 % يعيشون بأقل من 4 دولارات في اليوم. أما في الوضع الحالي، فقد ازدادت هذه النسبة نظراً للتحديات التي طرأت على اللبنانيين، إذ أصبح 160 ألف لبناني إضافي تحت خط الفقر منذ بدء الأزمة السورية.
لم ينجح لبنان والمنظمات الدولية في تحقيق هدف خفض هذه النسبة إلى 14.3% بسبب «مشاكل هيكلية أبرزها تدفّق اللاجئين ما أدّى إلى تفاقم الضعف». التدفق العشوائي، الذي فشلت الدولة حتى اليوم في تنظيمه مع مراعاة الظروف الإنسانية للاجئين، توزّع على 1700 بلدة يعاني معظمها فقرا شديدا. والإحصاءات الأخيرة تظهر أنّ 85 % من اللاجئين يُقيمون في مناطق البقاع والشمال التي تلامس نسبة الفقر فيها 67 % من سكانها اللبنانيين. خلق هذا الأمر توترات حادة بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة بدأت تظهر عبر ممارسات عنفية، وباتت تهدّد بانفجار كبير ما لم يجرِ التعامل معها بجدية واستيعابها، ما أثار خوف المنظمات الدولية ومثّل السبب الرئيسي لزيارة كلارك.
بحلول نهاية هذا العام يكون برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد قدّم دعماً للبنان بقيمة 50 مليون دولار ترمي غالبيته إلى بناء قدرات الخدمات والبنى التحتية على تحمل العبء الذي فرضه اللاجئون، أمّا المشاريع التالية «فستكون بمثابة فوائد دائمة عبر الاستثمار في تحسين شبكات المياه والصرف الصحي» وغيرها من الخدمات التي ترمي إلى إدخال المجتمعات المضيفة في عملية التنمية للتخفيف من حدّة التوترات. طمأنت كلارك الحكومة إلى أن هناك زيادة في إسهامات البرنامج للعام المقبل لتقديم خدمات أكثر للسكان، تستهدف المجتمعات الأكثر هشاشة. هذا الأمر كان محور كلام وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، ممثلاً رئيس مجلس الوزراء تمام سلام، إذ شدّد على وجوب انتقال الاستجابة لتداعيات الأزمة السورية إلى مقاربة جديدة تقوم على نهج تنموي منظم وعلى أساس قطاعي ومناطقي. رأى درباس أن وتيرة الدعم الدولي لا تتناسب مع الحدث الطارئ «فهي كانت سريعة، لكن غير كافية والأرقام التي أظهرها التقرير تؤكّد التأثير السلبي الحاد للاجئين».
من جهة أخرى تمكن لبنان من تحقيق الهدف التربوي من خلال الوصول إلى معدلات تسجيل مرتفعة، إضافة إلى تحقيق الأهداف الصحية الثلاثة، وبخاصة خفض وفيات الأمهات والأطفال إلى 9 بالألف وتوسيع دائرة التلقيحات.إلا أنّ سجلات لبنان تتفاوت في ما يتعلق بتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. كذلك فإن نتائج الهدف 8، حول تعزيز الشراكة العالمية للإنماء الإقتصادي، هي أيضا متفاوتة نتيجة تكامل السوق اللبناني في التجارة والمال والقدرة على استقطاب التدفقات المالية، لكن التحديات التي يواجهها البلد في الوقت الراهن تجدد إشعال ديناميات الدين العام السلبية، لذلك هناك حاجة إلى استجابة دولية أقوى.
إطلاق التقرير ترافق مع توقيع مذكرة تفاهم حول مشروع «الدعم لتقديم الخدمات المتكاملة على المستوى المحلي» بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكل من وزارة الصحة العامة، الشؤون الاجتماعية، التربية والتعليم العالي والداخلية والبلديات. تقوم هذه المذكرة على تعزيز النشاطات التنموية بين البرنامج والوزارات لدعم الحكم المحلي والتنمية المحلية، والتشبيك بين مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليم على المستوى المناطقي. إضافة إلى البدء بتأسيس نظام الإحالة المحلية باستخدام نهجٍ قائم على القدرة على التحمل لمعالجة المشاكل في قطاعات الصحة والتربية والقطاعات الاجتماعية. ويرمي المشروع إلى دعم تطوير الخطط والخدمات الصحية الإقليمية المتكاملة بهدف زيادة إمكانية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ذات الجودة العالية في المجتمعات المحلية المستهدفة، كما يسعى إلى زيادة مستوى الوعي حول المسائل الصحية في المدارس الرسمية.