IMLebanon

ازمة في الشركات: المصارف تضغط لضمان سداد قروضها

Akhbar
محمد وهبة
شُغل مجتمع الأعمال، في الأسابيع الماضية، بتقصي حقيقة ما يُتداول في السوق عن نيات عدد من الشركات الكبيرة نقل أعمالها إلى الخارج أو بيعها بصورة كلية أو جزئية. هذه الاخبار اثارت مخاوف على سلامة أوضاع شركات القطاع الخاص، بعد أكثر من 45 شهراً على بدء الأزمة السورية. فهل خرجت المشاكل والأزمات من الكواليس إلى العلن؟ وإلى أي مدى زاد مستوى التأخر عن سداد الديون المصرفية؟ هل قروض الشركات هي مصدر القلق الأكبر أم قروض الأفراد؟

السوق يغلي

قبل نحو أسبوعين، تحدّثت أوساط رجال الأعمال عن مفاوضات بين مجموعة «شرفان وطويل»، التي تملك الوكالة الحصرية لاستيراد وتسويق منتجات «سامسونغ» في لبنان، ومجموعة M1 المملوكة من رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي وأخيه طه ميقاتي. أوضح رئيس مجلس إدارة المجموعة الاولى انطوان شرفان لـ«الأخبار» أنه ليس هناك مفاوضات للبيع لا مع M1 ولا مع غيرها، فما حصل هو أن «بعض المصارف عرضت علينا أن تجري مفاوضات من هذا النوع، لكن لم يتعد الأمر أكثر من ذلك».
لفت شرفان إلى أن مبيعات المجموعة تصل إلى 500 مليون دولار سنوياً، «الا أننا اضطررنا الى نقل إحدى شركاتنا، التي نستورد من خلالها أجهزة الهاتف، إلى دبي، بعد قرار وزير الاتصالات القاضي بالغاء قرار تسجيل الأجهزة التي تدخل إلى لبنان». واضاف شرفان أن الأوضاع ليست «عظيمة» ليس بسبب المنافسة، بل لأن «السوق لم تنمُ خلال الفترة الماضية».
كلام شرفان واضح لجهة الصعوبات الموجودة في السوق، فعلى الرغم من أن حجم المبيعات مقبول في رأيه، إلا أن ازمة ما بدأت تضرب الشركات التي لديها ديون كبيرة مع المصارف، فهي تستورد وفق تسهيلات بالدفع وتبيع بالتجزئة، وهذا هو سبب عرض المصارف إجراء وساطة بين مجموعة شرفان وطويل وشارين محتملين مثل (M1) لتوفير السيولة المطلوبة.
السوق ضجّت ايضا باخبار عن إجراء مفاوضات بين شركة «أيشتي» ومجموعة ماجد الفطيم لبيع الاخيرة نسبة 50% من الاولى، وبحسب هذه الاخبار فان المفاوضات فشلت بسبب رفض رئيس مجلس ادارة «ايشتي» طوني سلامة التخلي عن حصة النصف، كما ان السعر المعروض لم يكن مناسبا، علما ان مسؤولي ايشتي نفوا وجود مفاوضات من اصلها. كذلك، ذكر عمال مصروفون من شركة «كونداس» المملوكة من محمد كوكش وعمر فاخوري، أن الشركة وقعت في أزمة مالية وصرفت أكثر من 150 عاملاً لديها على مدى السنة الماضية من أصل 200 عامل، وصنّفت الباقين في الخدمة على أنهم مياومون تستعين بهم غبّ الطلب.

مخاطر ومسارات

هذه الاخبار ليست سوى الزبدة الطافية على السطح. هناك العشرات من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تتوافر لديها حلول ومعالجات مماثلة لما هو لدى المؤسسات الكبيرة التي تشتهر بعلاماتها التجارية، وهناك الكثير من المصانع التي تسعى جدياً إلى استبدال عمّالها بعمالة أقل كلفة، أو بدأت تدرس كيفية انتقالها إلى الخارج، وخصوصاً الى مصر والأردن. وبحسب رئيس تجمّع رجال الأعمال في لبنان فؤاد زمكحل، فإن «الأزمة التي نشعر بها في لبنان، تدفع المؤسسات نحو ثلاثة مسارات:
ــ إعادة جدولة الديون، وهو أمر يجري بين المؤسسات والمصارف منذ فترة. وهي خطوة تمثّل محاولة لزيادة امد الدفع، وتدرس المصارف كل حالة على حدة.

ــ زيادة الاستدانة في محاولة من المؤسسات لمواجهة الصعوبات القائمة في السوق ولتغطية جزء من استحقاقاتها التي لم تتمكن من مواجهتها.
ــ إعادة الهيكلة: ويجري ذلك من خلال إدخال مستثمرين جدد إلى المؤسسة لضخّ أموال جديدة في رأس مال الشركة. هذه الخطوة تمثّل الخطوة الأخيرة أمام المؤسسات، فهناك مؤشّر واضح على أن مديونية القطاع الخاص باتت توازي 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني أن المؤسسات استنفدت كل طاقتها ومصادرها للاستدانة ولم يعد بإمكانها زيادة مديونيتها بعدما استعملت كل الضمانات الثابتة التي تملكها». وفيما يشير زمكحل إلى أن مستقبل السوق واضح في اتجاه «خروج المؤسسات من خلال الإغلاق أو الإفلاس. هناك وضع حساس جداً لجهة ضرورة البحث عن أسواق خارجية جديدة تعوّض النقص الطارئ على أسواقها الحالية وخصوصاً أن السوق الإقليمية سيئة».
«نبض» المصارف

مهما يكن حال المؤسسات، بكبيرها وصغيرها، فإن الحديث عن بيع شركات كبيرة هو إبرة وسط كومة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني منذ أكثر من سنتين. وأهمّ مؤشّر على هذه الحال موجود لدى المصارف التي تكشف عن «نبض» السوق. هذا النبض كان ضعيفاً جداً قبل نحو سنتين عندما أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً يطلب فيه من المصارف تسهيل عمليات إعادة جدولة الديون للمؤسسات، ثم أصدر أخيراً تعميماً يحدّد فيه نسبة دين الأسرة قياساً على دخلها وألا يتعدى 45%. وقد ازداد الامر صعوبة بعدما تبيّن ان الديون المشكوك في تحصيلها زادت خلال الفترة الماضية إلى 5.8%. وبحسب أرقام بنك داتا، فإن الديون المشكوك في تحصيلها لدى مصارف «ألفا»، ارتفعت بنسبة 46.3% بين نهاية عام 2010 وحزيران 2014، إذ سجّل الحجم الإجمالي للقروض المشكوك في تحصيلها نحو 2.29 مليار دولار ثم ارتفع إلى 3.36 مليار دولار، أي بزيادة قيمتها 1.06 مليار دولار. وفي المقابل، ارتفعت محفظة تسليفات القطاع الخاص من 35 مليار دولار في نهاية 2010 (بما فيها تسليفات المصارف اللبنانية خارج لبنان) إلى 57 مليار دولار في نهاية حزيران 2014، أي بزيادة قيمتها 22 مليار دولار، وبالتالي فإن الزيادة في الديون المشكوك في تحصيلها خلال الفترة المذكورة، والبالغة مليار دولار، تمثّل 4.5% من التسليفات المحققة في الفترة المذكورة.
وفي رأي الخبير المصرفي مازن سويد، فإن مؤشر الديون المشكوك في تحصيلها هو قاعدة عالمية. فأي قرض لم تسدد فوائده لمدّة تزيد على ثلاثة أشهر يعدّ مشكوكاً في تحصيله برغم أن بعض المصارف المركزية في العالم تظهر مرونة في التعامل مع فترة التأخر عن السداد.
أما سبب ارتفاع مستوى الديون المشكوك في تحصيلها من 3% في السنوات الماضية إلى 5.8% حالياً، فيعود «إلى تدني النمو الاقتصادي»، لكن ما يقلق سويد، ليست الديون للشركات «لأن هناك ضمانات مقابل هذا النوع من الديون والتسهيلات، فضلاً عن أن الشركات العائلية وهي النسبة الأكبر في لبنان، لديها التزام أكبر في سداد ديونها برغم أن هذا الأمر لا يعفي أحداً من ارتفاع مستوى مخاطر التراجع الاقتصادي واحتمالات تقلص الناتج المحلي بدلاً من نموّه، لكن المخاطر الأكبر تأتي من ديون الأفراد». مصدر الخطر على ديون الأفراد ناجم عن عدة أمور أهمها: أن استدانة الأفراد مبنية على وظائف ثابتة، وبالتالي فإن هذه الوظائف الثابتة أصبحت مكشوفة على الأوضاع الحالية وهي مهدّدة، وخصوصاً أن بين فئات المقترضين من يتعرّضون لمنافسة العمالة الأجنبية الوافدة إلى لبنان ووظائفهم معرّضة لهذا الخطر، وبالتالي فإن سداد ديونهم للمصارف معرّض لهذا الخطر أيضاً».