عندما أعلن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور خفض أسعار 629 دواء بنسبة وسطية تناهز الـ20%، هلّل الجميع من اصحاب الشأن للقرار. ولكن عندما اعقب القرار بآخر يتعلق بتعديل اسس تسعير الدواء، انتفض الصيادلة ومستوردو الادوية احتجاجاً على خفض نسبة ارباحهم. فهل هذا الامر يدفعهم الى عدم الالتزام، ومن يراقب جدية التطبيق؟
لا يخفي أبو فاعور أن قرار تعديل اسس تسعير الدواء خفض ارباح مستوردي الادوية والصيادلة على نحو كبير، لذا فإنه يعتبر أن الاعتراض متوقع منهم لأنهم يعتبرون ان الخفض حصل على حسابهم. ولكن برأي ابو فاعور فإن الخفض حصل لمصلحة المواطن “وهذا هو هدفي من القرار”. ويوضح ” كنا نأخذ من الشركات المنتجة للدواء السعر الوسطي، فأصبحنا نعتمد السعر الأدنى، كذلك خفضنا النسبة المئوية التي كانت تتقاضاها الشركات المستوردة اضافة الى جعالة الصيدليات، وتالياً ما يقولونه عن خفض ارباحهم صحيح”.
يأخذ الصيادلة والمستوردون على الوزير أنه عدل القرار للمستشفيات ولم يرأف بوضعهم، ولكنه يبرر الأمر بأن للمستشفيات وضعاً خاصاً “اكتشفنا أن المستشفيات لديها صيدليات، فمثلا لدى مستشفى الجامعة الاميركية 85 صيدلياً في قسم العلاج الكيميائي وتالياً يتكبدون كلفة تحضير الدواء… وكل ما فعلناه أننا اعطيناهم نسبة 8% عن هذه الكلفة، أي اننا اعدنا النظر بالقرار ليس على أساس كلفة بيع الدواء بل على أساس كلفة تحضيره”.
صحيح أن القرارات الأخيرة شجعت استخدام ادوية “الجنريك”، ولكن ابو فاعور يرى أن “الوصفة الطبية الموحدة التي وافق عليها الجميع (الاطباء والضمان)، ستساهم أكثر في خفض الكلفة على المواطن والدولة، وستمنع السمسرات غير المشروعة بين بعض الاطباء وشركات الادوية.
الصيادلة: لعدم المس بجعالتنا
لم تعترض نقابة الصيادلة على قرار وزارة الصحة خفض اسعار الادوية، “انطلاقاً من أن تحديد السعر لا يؤثر على ارباحنا”، وفق ما يؤكد نقيب الصيادلة ربيع حسونة. ولكن اعتراض النقابة جاء على خلفية خفض جعالة الصيادلة. فالخفض الذي وصل إلى 17 في المئة بالنسبة لـ261 دواءً باهظ الثمن، و20% لـ628 دواءً آخر، حوّل جعالة الصيدلي إلى 80 دولاراً مقطوعة. وهذا ما تعترض عليه نقابة الصيادلة، إذ أنّ بعض الأدوية الباهظة الثمن التي كانت تبلغ نسبة جعالة الصيدلي فيها 23 و24 %، تراجعت وفق هذا القرار إلى 2 أو 3%، خصوصاً وان الصيدلي يدفع ضريبة للدولة تراوح بين 9 و20%.
أمام هذا الواقع، ومنذ صدور القرار، لم تهدأ نقابة الصيادلة. ووفق حسونة، الاتصالات والاجتماعات متواصلة مع أبو فاعور للنظر في هذا الأمر. لكنه يسجّل اعتراضاً على “كون الخفض وقع على عاتق الصيدلي الذي لم تعد جعالته تصاعدية بالنسبة الى هذه الأدوية، بل ظلم بشكلٍ كبير. لذا فإن مطلبنا الاساسي هو في عدم مس جعالتنا من سعر الدواء، خصوصاً في ظل الضغوط الاقتصادية والمالية التي يرزح تحتها الصيدلي. لا نزال في نقاش مع وزير الصحة في هذه المسألة لنصل الى الحل الذي يرضي الصيدلي لكي لا يكون حقه مهدوراً”.
هل هذا الأمر يمكن أن يكون سببا لعدم التزام الصيادلة الأسعار الجديدة؟ “موضوع التسعير لا يمكن التلاعب به، يجزم حسونة. “السعر الذي تحدده وزارة الصحة نطبقه فوراً، مع الاشارة الى أن ثمة مراقبة من دوائر التفتيش التابع للنقابة ووزارة الصحة”.
المستوردون: متضررون كما الصيادلة
تخضع أسعار الادوية في لبنان الى أسس تسعير دقيقة وشفافة يضعها وزير الصحة بموجب لجنة مؤلفة بقرار منه وبعد أخذ رأي الوزارات المختصة ونقابتي الصيادلة ومستوردي الادوية واصحاب المستودعات ومصنعي الادوية، عملاً باحكام المادة 80 من القانون رقم 367 تاريخ 1 آب 1994 (مزاولة مهنة الصيدلة). تشمل هذه الاسس وفق ما يشرح رئيس نقابة مستوردي الادوية واصحاب المستودعات أرمان فارس تحديد المستويات الآتية:
1 – سعر الاستيراد المجاز (CIF أو FOB).
2 – قاعدة تحويل سعر الاستيراد المجاز الى سعر العموم (بما في ذلك النسب المئوية المحددة لتغطية تكاليف الشحن والتأمين ومصاريف التخليص والرسم الجمركي والمصاريف الاخرى، هامش ربح المستورد/الموزع وهامش ربح الصيدلي).
3 – قاعدة تحويل عملة الاستيراد الى الليرة.
آخر قرارات وزير الصحة في هذا المجال هو القرار رقم 796/1 تاريخ 17 نيسان 2014 والذي عدّل بشكل عدد شرائح الادوية عبر إنشاء شريحة خامسة (E) للأسعار مع خفض نسب المصاريف والارباح وفقاً للجدول المبين ادناه. وهذا يعني برأي فارس أن “الضرر من التعديل لم ينل من الصيادلة وحدهم بل من مستوردي الادوية كذلك”.
ورغم تنفيذها للقرار، الا ان تلك الجهات طالبت باعادة النظر ببعض احكام القرار من منطلق حقها تغطية مصاريفها والحصول على اتعابهم المشروعة نظراً إلى مساهمتهم في توفير الدواء عبر سلسلة غير منقطعة من المسؤوليات من “المنتج الى المواطن”، وفق معايير عالمية للجودة وضمان الجودة.
استجاب وزير الصحة الى مطالب المستشفيات، “اما نحن فلا نزال في انتظار جوابه عن مطالبنا باعادة النظر بالأسس التي وضعها، من دون المساس بمصلحة المواطن”، يقول فارس.
ولكن أبو فاعور يرد بأنه لن يتراجع عن قراره عند إعادة النظر في اسس تسعير الدواء… “مصلحة المواطنين أولوية بالنسبة إلي”، لافتاً الى أن احد انواع الادوية انخفض سعره 1500 دولار. ويؤكد أن الالتزام تام بالقرار، وثمة دوريات من التفتيش الصيدلي في الوزارة تؤكد أن الامور تسير على ما يرام”.
قرارات وزير الصحة التي تصبُّ في مصلحة المواطن، لن تتوقف عند هذا الحد. إذ يكشف أبو فاعور أنه سيعلن قريبا عن نظام جديد يتعلق بالمستشفيات سيعطي الارجحية لحق المواطن، بحيث يدفع المستشفيات الى حسن معاملة المرضى على نحو ملزم”.