رائد الخطيب
رسم خبراء دوليون ومحليون، صورة متشائمة وسوداوية، حول مستقبل قطاعي النفط والغاز في لبنان، خصوصاً أن الصراع الجيوسياسي في المنطقة، مضافاً الى الأزمات السياسية الداخلية، وتأخر الحكومة في توقيع مرسومي النفط والغاز القابعين منذ سنة ونصف السنة في أدراج الحكومة، كلها معطيات تهدد القطاعين كما تهدد بخسارة لبنان ثروة تقدر بمليارات الدولارات.
هذه الصورة تم تلخيصها من مؤتمر النفط في شرق المتوسط، الذي نظمه مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش اللبناني بالتعاون مع هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان بعنوان «المواد النفطية في شرق المتوسط – الاهتمامات الاقتصادية والسياسية والأمنية» في وزارة الدفاع، والذي ضم عدداً كبيراً من الخبراء في مجالات النفط والقانون الاقتصاد. وقد افتتح المؤتمر بكلمة من مدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية العميد الركن خالد حمادة، ثم بكلمة من رئيس هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان ناصر حطيط.
وحفلت كلمات الخبراء بالمعلومات والأرقام، بيد أن معظم هذه الارقام، ورغم اهميتها وتشديدها على ضمان استقرار لبنان، لن تؤتي ثمارها، في ظل تلكؤ الدولة في مواكبة التهديد الجدي الذي تمثلهُ دول الجوار على المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة في لبنان، لا سيما اسرائيل. واللافت أن الخبراء الذين تحدثوا في الجلستين الصباحيتين لم يتطرقوا كثيراً الى موضوع ترسيم الحدود مع سوريا.
وأشار الخبراء الى أنَّ لبنان باتَ متأخراً بأشواط وبمددٍ زمنية لا تقلُ عن سبعِ سنوات عن دول الجوار، وهو ما يضعُ أسئلةَ استفهامٍ كثيرةٍ حولَ مستقبلِ قطاعي النفط والغاز في بلدٍ يعاني أزمةً ماليةً حادة، كان بالامكان تلافيها أو التخفيف من سرعتها على المدى المتوسط، في ما لو بدأت الشركات بعمليات الحفر والتنقيب في مياههِ الاقتصادية، التي تبدو حدودها متأرجحة بل معتدىً عليها أو غير متفقٍ عليها سواءً مع الجانب السوري أو الجانبِ الاسرائيلي أو مع قبرص التي منحت اتفاقاً نفطياً مع اسرائيل على حسابِ لبنان وخسرَ لبنان بنتيجتها نحو 863 كيلومتراً من منطقتهِ الاقتصادية.
وقال الخبراء إنَّ الاكتشافات التي حصلت مؤخراً في منطقة شرق المتوسط رفعت منسوب التفاؤل، وهي وفقاً لتقديرات لجمعية الجيولوجيين الأميركيين، 122 تريليون قدم مكعب من الغاز كافية لسد حاجات المنطقة.
كما تناول الخبراء المناطق التي تقع على الحوض الشرقي: فقبرص استطاعت ترسيم حدودها البحرية وأبرمت اتفاقات وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة، ووقعت اتفاقاً مع مصر عام 2003 – علماً أن الاعتراض التركي عليها كان عام 2004. ثم وقعت اتفاقية مع لبنان في 2007، إلا أن الاتفاقية غير مبرمة وقد اعترضت عليها تركيا، وهو ما يدعو الى إعادة التفاوض مع قبرص بهذا الخصوص. وفي العام 2010، وقعت قبرص مع اسرائيل وهو ما اعترض عليه لبنان العام 2011، خصوصاً في مسألة التداخل مع المنطقة الاقتصادية التابعة لهُ، وهو ما اعتبره الخبير النفطي ربيع ياغي بيع قبرص للبنان بموجب هذا الاتفاق.
أما اسرائيل، فقد بدأت حفرياتها في موقع تمار الذي لا يبعد كثيراً أكثر من 35 كيلومتراً عن لبنان، لتتابع اكتشافاتها سواء في غزة أو في المناطق الأخرى. وتحتل اسرائيل قائمة الدولة اللأولى في منطقة شرق المتوسط على صعيد الانشطة البترولية، وهي أيضاً تحاول الدخول على البلوكين 9 و10 في لبنان.
أما في مصر، والتي كانت تعتبر من الدول الاكثر انتاجاً على صعيدي النفط والغاز من خارج «أوبك»، إلا أن اكتشافاتها كانت مضخمة بحيث تحولت من دولة منتجة الى دولة مستوردة من اسرائيل.
على أن الخبراء قالوا إن اسرائيل باتت تسبق لبنان بعشر سنوات على صعيد الاكتشاف والانتاج، والأهم هو ابرام عقود سواء مع الدول العربية التي لديها تطبيع علاقات معها أو الى أوروبا والاسواق الآسيوية، وكذلك قبرص التي سبقت لبنان بنحو 7 سنوات، وتحاول تركيا الافادة من خلال الجزء القبرصي – التركي بالتمدد نحو هذا الحوض الشرقي، لأن تركيا تستورد النفط من ايران والغاز من روسيا. أما سوريا، ورغم أنها تملك 3 بلوكات، فقد استطاعت رغم الحرب تلزيم بلوك لاحدى الشركات الروسية.
وسط هذه المعمعة أين يقع لبنان بين هذه الدول؟
لا شك، وكما يقول الخبراء، ان دول الجوار باتت سباقة زمنياً للبنان، والأهم أنها استطاعت رسم حدود مناطقها الاقتصادية الخالصة. فيما لا تزال المنطقة الاقتصادية في لبنان مفتوحة على كل الاحتمالات. أما قانون الموارد البترولية فيحمل الكثير من الشخصانية، كما قال الخبير ربيع ياغي، فيما لعب الخلاف السياسي والمذهبي دوراً في تأجيل اقرار مرسومي النفط في الحكومة، المتواجدين في مجلس الوزراء قبل عامٍ ونيّف، وهو بالطبع ما سينعكس سلباً. فلبنان الغني بالنفط والغاز، يحتاج لعقول تستوعب هذا الامر، خصوصاً أن هذه الثروة البترولية ليست ملكاً لأحد بل هي ملك كل لبنان والجيل المقبل.
واقترح ياغي، إعادة التفاوض مع قبرص بشأن اتفاقها مع اسرائيل بالنسبة لنقطتي البداية 1 و6، واستبدالهما بالنقاط 7 شمالاً و23 جنوباً واستعادة ما قضم من المنطقة الاقتصادية، وانشاء وزارة خاصة بالنفط، وانشاء الشركة الوطنية للبترول، واستقطاب أصحاب الاختصاص والخبرة بعيداً عن المذهبية، وانشاء قوة لحماية الثروة البترولية للتمكن من القيام بالاستكشافات النفطية.
وتناول الخبراء موضوع البلوكات وخصائصها الجيولوجية ونوعية الصخور وأهميتها بالنسبة للشركات، بما يتوافق مع النظام البترولي الذي يشكل جاذبية للشركات، خصوصاً وأن 70 في المئة من مياه لبنان تم مسحها بالابعاد الثنائية والثلاثية.
وقال رئيس وحدة الجيولوجيا والجيوفيزياء في هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، إنه تمت دراسة الجدوى الاقتصادية لكل بلوك. فمثلاً البلوك 1 يحتوي على نحو ملياري ونصف مليار برميل من النفط السائل وهو يكفي حاجة لبنان مدة لا تقل عن 75 سنة، والبلوك 4 يحتوي على ما لا يقل عن 425 مليون برميل، وهي كلها ارقام تقريبية وفقاً للنظام النفطي.
وحذر الخبراء من مغبة الوقوع في فخ التخمينات العالية، خصوصاً وأن مسألة الموارد تنقسم الى شقين، الأول يتعلق بالموارد غير المستكشفة وبالاحتياطات الممكنة.
وأشار مدير العمليات لدى شركة بتروليب ناجي أبي عاد، الى أن اسرائيل تملك ما بين 10 تريليونات متر مكعب و35 من حجم التقديرات للنفط والغاز في حوض شرق المتوسط، ولبنان لديه احتمال يوازي هذه القيمة ما بين 15 الى 35 تريليوناً. إلا أنها موارد غير مستكشفة.
وحذر الخبراء أيضاً من التأخر الذي سينعكس على صناعة الغاز خصوصاً في ظل الاكتشافات المتتالية في المنطقة والعالم والتي من شأنها خلال العقدين المقبلين أن تخفض الاسعار وأن تجعل أسواقه محدودة. وعليه، يجب إنتاج الغاز في الوقت المناسب ونوعية المكتشف منه، وبالتالي يتطلب انتاجه تسويقه فوراً، والمبادرة الى دراسة أسعاره في السوق ومقارنتها بتكاليف الانتاج. بالاضافة الى ذلك، فان الاسواق الاقليمية ضيقة، وكذلك فان أسعار الغاز من شأنها أن تتهاوى بسبب الانتاجات الكبيرة، ولذا، سيواجه لبنان منافسة شديدة في المستقبل كلما زاد حجم الاكتشافات.
كذلك، حذر الخبراء من موضوع «حروب الميليشيات» في المنطقة وأثرها على ثروتي الغاز والنفط. ولفت الخبير النفطي وليد خدوري الى التكاليف التي تتسبب بها «داعش» في العراق وسوريا، وما يحدث في العريش وغيرها، وقال إن لبنان هو البلد الوحيد الذي لا يزال متفرداً بمسألة الاكتشافات والحفريات.
وأشار الخبراء الى أن لبنان وقع على اتفاقية قانون البحار في العام 1995، وهي اتفاقية لم توقع عليه دول الجوار تركيا واسرائيل وسوريا، ما من شأنه أن يمنحه قوة قانونية لكنها «غير كافية»، كما قال ايلي جارماش الخبير القانوني في شؤون البحار في فرنسا. وأوضح أن المطلوب أولاً توافر الارادة السياسية، كما عليه سلوك سبل حل النزاعات في هذا الموضوع، وهي متعددة. وعلى الجسم القضائي في لبنان دعم هذه القوة القانونية والدفع بها الى الامام، لكن من المهم ايجاد قنوات للحوار، كما اشار نيك نورتن مستشار وحدة الطاقة في المملكة المتحدة.