إلى حد كبير لم يُلقِ المستثمرون الغربيون بالاً للصراع العسكري في أوكرانيا، وهو ما دفع الأسواق العالمية إلى الأعلى. لكن في عمق بعض المؤسسات المالية وأجهزة الاستخبارات يدور نقاش محتدم فحواه أن المستثمرين ينبغي أن يراقبوا ما يجري. ولا يدور هذا حول الجنود المقاتلين والدبابات، ولكن حول عالم الإنترنت.
قبل أسبوعين كشف بنك جيه بي مورجان تشيس النقاب عن أنه كان الضحية لهجوم كبير على الإنترنت، والآن يعمل بالمشاركة مع وكالات حكومية أمريكية بخصوص هذا الموضوع (من المفترض أن هذه الوكالات تشتمل على مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي).
تفاصيل الحادث غامضة ورفض البنك التوسع في الحديث عن الموضوع للعموم، لكن يبدو أن الهجمات انطلقت من روسيا، وكانت معقدة بصورة استثنائية وأثرت على مؤسسات أخرى أيضاً. ونتيجة لذلك أخذ المديرون التنفيذيون في لندن ونيويورك يتساءلون: هل من الممكن أن تكون المرحلة المقبلة في النزاع الأوكراني موجة هجوم بواسطة الإنترنت على التمويل الغربي – للانتقام من العقوبات، أو لإثارة الخوف؟
من بعض الجوانب، هذه المخاوف ليست جديدة. فقد واجهت الشركات الغربية تصاعد الهجمات عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة: في العام الماضي، مثلا، جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان، كشف النقاب عن أن البنك كان يعاني “عشرات الآلاف” من الهجمات كل يوم. ومع أن كثيراً منها يبدو أنه قادم من الصين، إلا أن هجمات أخرى تأتي من شبكات إجرامية في روسيا، وهي البلد الوحيد الذي يُعتبَر لديه قدرات إلكترونية مساوية للقدرات الأمريكية.
ويخشى خبراء الإنترنت الآن أن يكون هناك مزيج من الحوافز والمهارات الكامنة وراء مثل هذه الهجمات التي يمكن أن تغير وجهتها. لكنهم حتى الآن يشعرون بارتياح (متواضع) من حقيقة أن الهجمات الخبيثة حقاً ضد المجموعات المالية الغربية – أو تلك التي تهدف إلى التسبب في ضرر دائم أو ذعر يشعل فتيل انهيار في السوق – يبدو أنها جاءت من مجموعات لا تمتلك قدرات متطورة للغاية. الجماعات الإرهابية الإسلامية، مثلا، تستولي على عناوين الصحف، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من إحداث انهيار في أي من البورصات.
وفي الوقت نفسه، انطلقت عبر الإنترنت هجمات متطورة حقاً على المجموعات المالية الغربية من جماعات أو دول التي تريد “فقط” سرقة معلومات استخبارية أو مال، لكنها لا تدمر نظماً بأكملها. فقبل كل شيء، البارونات الروس والمسؤولون الصينيون يحتفظون بالمال في المصارف والأسواق الغربية، وبالتالي يفترض أنهم يريدون الإبقاء على هذه الأموال سليمة.
لكن في بعض المجموعات المالية ومحافل الاستخبارات، السؤال الكبير حول ما يمكن أن يحدث إذا كان قراصنة الكمبيوتر الروس (أو أية جهة متطورة بالمثل) سيتوقفون عن الاقتناع بأن لديهم مصلحة في التمويل العالمي، أو مصلحة مشتركة في الحفاظ على استقرار السوق. “وهذا مصدر قلق كبير”، كما يقول رئيس تنفيذي مقره نيويورك.
حتى الآن، ليس هناك دليل يذكر على أن هذا التحول حدث بالفعل. “مركز تبادل وتحليل معلومات الخدمات المالية”، وهو هيئة للصناعة تم إنشاؤها أخيرا بواسطة المصارف لمناقشة هجمات الإنترنت، أبلغ أعضاءه، بشكل مقصود، الأسبوع الماضي أنه لا داعي للذعر. وشدد في رسالة إلكترونية على أنه، بصرف النظر عن حادثة جيه بي مورجان، إلا أن شيئا مهما لم يتغير في مشهد الإنترنت.
لكن بعض المجموعات في القطاع العام والقطاع الخاص في الغرب تكثف دفاعتها بهدوء. ففي الأسبوع الماضي أعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” أنها قررت للمرة الأولى تصنيف الهجوم على الإنترنت على أنه من الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى استجابة مشتركة من التحالف.
وفي الوقت الحاضر تعمل هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة على تنفيذ نظام لفحص الدفاعات الإلكترونية لدى الشركات المالية. وتحاول المصارف الكبيرة والبورصات أن تزيد مشاركة المعلومات مع بعضها بعضا ومع الحكومة عبر FS-ISAC
وفي كثير من النواحي، هذا يعتبر خبراً ساراً: حتى وقت قريب كان مستوى التعاون بين القطاعين العام والخاص في أمريكا منخفضاً، بل ويرثى له، مقارنة بأماكن مثل أستراليا.
لكن هذه الخطوات لا تزال أبعد ما تكون عن الشمول، ناهيك عن كونها مضمونة. على وجه الخصوص، عالم إدارة الأصول متخلف أيضاً وراء المصارف والبورصات. ولاحظ إلدون سبريكيرهوف، المؤسس المشارك لشركة eSentire للاستشارات، أن هذا القطاع “ليس منخرطاً إلى هذا الحد، نظراً لأنه مجزأ إلى حد كبير – لديك صناديق تحوط قيمتها مليار دولار من التي لا تعرف حتى ما هو FS-ISAC”.
وحتى وقت قريب، افترض كثير من الخبراء أن التركيز الرئيس لهجوم الإنترنت الخبيث ممكن أن يكون على إحدى البورصات أو أحد البنوك. لكن إذا كان هناك شيء واحد ظهر بعد عقد من الاضطرابات الجيوساسية، فهو أن الصدمات لديها عادة سيئة في القدوم من أماكن لم تكن الأعين عليها. وإذا كان هناك هجوم على الصناديق المشتركة مثلاً، فان هذا يمكن أن تكون عواقبه وخيمة.
وعليه، الرسالة الحقيقية من الشائعات حول بنك جيه بي مورجان هي أن الحكومات الغربية بحاجة إلى تصعيد الضغط على الشركات المالية من أجل أن تعمل على تحسين خطط دفاعاتها الإلكترونية عبر الصناعة وتقديم المساعدة الملموسة.
وبطبيعة الحال، مواصلة الرجاء بألا تتصاعد التوترات الجيوساسية أو تنتقل من العالم الحقيقي عتيق الطراز، إلى الفضاء الإلكتروني.