نجح الجانب اللبناني في تغيير مفهوم المجتمع الدولي في ما يخص تقديم المساعدات، ليس فقط في اتجاه لبنان بل في اتجاه الدول كافة، وجعلها تُدخل المساعدات الإنمائية بالتساوي مع المساعدات الإنسانية في مفهومها ومقاربتها العامة لهذا الملف.
مستشار رئيس الحكومة والمستشار السابق للرئيس ميشال سليمان الدكتور شادي كرم شرح في حديث لـ”المركزية” تطوير هذه الرؤية بالقول: حاولنا منذ السنة ونصف السنة أن نحضّ مؤسسات الأمم المتحدة المهتمة بموضوع النازحين والإنماء، ومن خلالها المجتمع الدولي، على تفهّم أمرين أساسيين هما:
– أولاً: مقاربة حل ملف النازحين السوريين ومساعدة لبنان على جبه الصعوبات الناتجة عن النزوح وتخفيف أعبائه تحديداً وأعباء تداعيات الأزمة السورية عموماً. فمقاربة المؤسسات الدولية مبنية أصلاً على تقديم المساعدات عند حدوث أي كارثة طبيعية. وحاولنا إقناعهم طوال السنة ونصف السنة، أن هذه المقاربة لا يمكن تطبيقها في لبنان لجهة أزمة النازحين المتعددة الجوانب والتأثيرات والتي تتفاقم باضطراد وتسبّب أعباءً على كل المستويات. وبناءً عليه، فهي تحتاج إلى مقاربة مختلفة عن تلك التقليدية. والمقاربة الجديدة التي طرحناها، تتمحور حول العمل الإنمائي وبالتالي عدم الإكتفاء بالمساعدات الإنسانية وتخطيها إلى ولوج المساعدات الإنمائية المباشرة التي يجب ضخها في التركيبة الإنمائية في لبنان. ما يعني تحسين الخدمات العامة وبناها التحتية من كهرباء ومياه ونقل وتعليم وخدمات صحية …إلخ.
– ثانياً: يتركّز النزوح السوري على مناطق لبنانية تعاني أصلاً من وضع اجتماعي أليم يتجسّد في الفقر والبطالة والمشكلات الإجتماعية وغيرها. وهذا الوضع تفاقم اليوم مع وجود النازحين السوريين في تلك المناطق. ومن الضرورة التي يحتمها الصعيد الإنساني، مساعدة سكان هذه المناطق أيضاً بفعل تراجع أوضاعهم إلى الأسوأ.
وأضاف: ترجمت ثمرة جهودنا التي استغرقت سنة ونصف السنة من العمل على تحقيق هذين المحورين، بزيارة قامت بها الرئيسة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP هيلين كلارك الرئيسة السابقة لحكومة نيوزيلندا، إلى لبنان خلال الأسبوع الجاري بالتزامن مع زيارة المسؤول عن موضوع النازحين واللاجئين في الأمم المتحدة أنطونيو بوترّج المفوّض السامي للمفوضية السامية في ملف اللاجئين. وحصل لقاء جمع كلارك مع ماكينتها الإنمائية غروتوريس مع ماكينته الإنسانية – وهذه ليست بالتأكيد وليدة صدفة- ترأسه رئيس الحكومة تمام سلام، في حضور الوزراء المختصين.
وقال كرم: هذا اللقاء كرّس السياسة التي كنا نسوّقها ونطلب تطبيقها، الأمر الذي سيترجم في برنامج مهم جداً لمساعدة لبنان يأخذ للمرة الأولى في تاريخ المسؤوليْن المذكوريْن في الأمم المتحدة، في الإعتبار العمل المزدوج على الصعيد الإنمائي وتطويره، وعلى الصعيد الإنساني من جهة أخرى بما يطاول السكان اللبنانيين المقيمين في المناطق الحاضنة للنازحين السوريين. وإذ كشف أن الجانبيْن الدولييْن يعملان على هذا البرنامج وهو في طور الإنجاز، نوّه بنتائجه الإيجابية بالقول: إضافة إلى البرنامج المذكور والمساعدات الإنسانية على أهميتهما، فإن هذه الرؤية أو المقاربة الجديدة التي تضع الموضع الإنمائي في قلب هذه المعادلة، تجعل من هذين المسؤولين الدوليين أكثر تأثيراً على المجتمع الدولي ويستطيعا بدورهما أن يجعلا من هذه المقاربة “مفهوماً” ثابتاً معتمداً لدى البلدان التي ننسق معها لرفد لبنان بالمساعدات، لإعادة بناء المرافق الأساسية التي من شأنها أن تساهم في تأمين الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي والأمني في الدرجة الأولى، كما يسمح بتبديد مخاطر الضغط بين المجتمعات الحاضنة والنازحين السوريين في لبنان.