تقرير رولان خاطر
بعدما وصل “مقص” الاستحقاقات الدستورية إلى عنق النظام السياسي، انطلقت الحركة الداخلية لبعض القوى السياسية حاملة مبادرات “إنقاذ الجمهورية”. من مبادرة قوى 14 آذار مجتمعة، إلى حركة النائب وليد جنبلاط المكوكية، وليس بعيداً عن هذه المبادرات التصريح الأخير لرئيس “المستقبل” سعد الحريري الذي هدّد بعدم شرعنة أيّ انتخابات نيابية وإضفاء طابع الميثاقية عليها إذا لم يخطُ فريق الثامن من آذآر، وتحديداً “حزب الله”، خطوة ميثاقية مقابلة نحو قصر بعبدا.
مبادرات القوى الاستقلالية كما يقول المراقبون السياسيون، والذهاب نحو التسوية على مستوى رئاسة الجمهورية، لا تعبّر عن تراجع أو خسارة لخط 14 آذار، الداخلي والخارجي، إنّما يمكن وضعها في إطار “التكتيك السياسي” أو الحماية السياسية “لأسس الجمهورية الثانية” القائمة على مبادئ اتفاق الطائف، إذ جاءت هذه المبادرات تعبيراً عن عدم المغالاة في الوطنية إلى حدّ الوصول إلى فقدان كل مقومات صمود الجمهورية والنظام السياسي في لبنان.
بمعنى آخر، أمام المدّ الإرهابي الذي يخترق حدود دول المنطقة، والذي لم يوفّر لبنان في انعكاساته السلبية بفعل إصرار “حزب الله” الايراني على البقاء في سوريا ومن بعدها العراق، كان لا بدّ لقوى 14 آذار وكل من يقابلهم في الخط السياسي الوسطي الخروج بما يحدّ من المدّ السياسي الإيراني بواسطة “حزب الله” وحركة “أمل”، وقطع الطريق على الطموح الفارسي التوسعي الهادف الى جعل حدود إيران الغربية تصل الى البحر الأبيض المتوسط كما أعلن مستشار السيد علي خامنئي يحيا رحيم صفوي، والمتمثل بإعادة تكوين السلطة السياسية في لبنان على أساس ما يسمّى بـ”المؤتمر التأسيسي”، والذهاب بلبنان في أفضل الأحوال نحو المثالثة.
وبحسب المراقبين، يبدو أن الطاولة التي جمعت وتجمع الأميركيين والايرانيين حتى اليوم، في نيويورك، لم تعطِ الايرانيين ما يضمن برنامجهم النووي ومصالحهم ونفوذهم في الاقليم والمنطقة، وجاءت خطوة إبعاد إيران عن “الحلف الدولي” ضد “الدولة الاسلامية” ليكرّس مفهوم عزل إيران عن القرار الأمني الاقليمي لمصلحة الدول الإسلامية والعربية الحليفة تاريخياً للغرب، نظراً لوجودها العسكري في عمق الأزمة السورية والعراقية، وبالتالي، يستمر الايرانيون بممارسة سياسات ضغط واستفزاز في بلدان عدة لها نفوذ فيها، ومنها لبنان، عبر مواصلة عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية، ووضع مفتاح الاستحقاق الرئاسي “في جيب السيد حسن نصرالله”، بحسب التقارير الواردة، ريثما تلمس انفراجات معينة على الصعيد الحوار بينها وبين الغرب.
وفي هذا الإطار، يستفيد “حزب الله” من استمرار الفوضى الدستورية القائمة، ويتخوّف المراقبون من نيّة مسبقة لدى الحزب لتعميم منطق الفراغ على كل المؤسسات، وليس فقط على رئاسة الجمهورية لتطال أيضاً المجلس النيابي، لذلك، كما يرى المراقبون، فإن الحركة السياسية لبعض القوى السياسة تدخل في هذا السياق:
أولاً: مبادرة قوى 14 آذار الرئاسية، منعت فريق 8 آذار من أي محاولة لتحديد شخصية الرئيس المقبل منفردا، لا بل أكدت أن القوى المسيحية في قوى 14 آذار لها الكلمة الفصل والأساس في اختيار رئيس لبنان، الأمر الذي شكّل نوعاً من الحماية المعنوية لموقع الرئاسة الأولى، وفتح باب المناورة في مسالة الانتخابات النيابية. ووضعت سياجاً معنوياً وسياسياً حول أي شخصية مرتقبة، مؤكدة أن موازين القوى في المنطقة لن تكون لمصلحة 8 آذار، وان الانتصارات الوهمية في القلمون أو غيرها، لن تفرض تسويات بعيدة وغريبة عن ثوابت ومبادئ “ثورة الأرز”. والأكثر، انها احرجت 8 آذار امام الرأي العام اللبناني والدولي، ليتأكد أن هذا الفريق هو المعطّل الأساس لعملية انتخاب الرئيس المسيحي الماروني الوحيد في المنطقة.
ثانياً: تصريح الرئيس سعد الحريري بشأن مقاطعة الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية أعاد إلى الأذهان انتخابات الـ1992، عندما قاطعت القوى المسيحية وتحديدا الموارنة الانتخابات النيابية، ما احدث خللا في التوازن السياسي والطائفي، ولم يعط الميثاقية للانتخابات آنذاك. وبذلك، عبّر الرئيس الحريري عن موافقة ضمنية للتمديد لمجلس النواب تفادياً لأي فراغ في حال لم يتم انتخاب رئيس، وبالتالي جاء كلامه بمثابة تحذير الفريق الآخر من اللعب على وتر النظام السياسي وفرض آليات او مفاهيم قد تضرب عمق وجوهر الصيغة اللبنانية.
ثالثاً: حركة النائب وليد جنبلاط، التي وصفها المراقبون بأنها غير مباركة على الصعيد الرئاسي، لأنها بطبيعة الحال، لن تنتج توافقاً بين القوى المسيحية المتباعدة في النهج والمبدأ، كما لن تنتج تفاهماً وتوافقاً على أي اسم مرشح للرئاسة، وبالتالي لا حلحلة على مستوى رئاسة الجمهورية في المدى المنظور، طالما ان القراءة الاقليمية لحزب الله لا تتناسب مع الواقع الداخلي اللبناني.
إلا ان المطلعين على مسار الأمور الداخلية، يؤكدون أن كلام الدكتور سمير جعجع الأخير عن وجود ظروف قد تحتّم عدم إجراء الانتخابات النيابية، مروراً بموافقة الرئيس الحريري الواضحة على التمديد كأفضل الشرور في حال لم يتم انتخاب رئيس، إضافة إلى حركة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي يقول المطلعون إنها تحمل في طياتها إنذاراً إلى القوى السياسية، لدفعهم باتجاه الموافقة على التمديد اكثر منه الوصول إلى حل على مستوى الرئاسة، لأن جنبلاط يملك قراءة سياسية، تتوافق مع بعض قيادات 14 آذار ومن ضمنها الرئيس أمين الجميّل في اللقاء الأخير الذي جمعهما في بكفيا، من ان عدم الموافقة على التمديد سيودي بالأمور نحو الأسوأ، نحو الفراغ المحتّم، وبالتالي نحو فرض نموذج ومشهد جديد للواقع السياسي اللبناني، أقله يتمثل بطرح فكرة المؤتمر التأسيسي والبدء بتغيير جذري لثقافة الكيان اللبناني، تؤكد حتى اللحظة ان قرار التمديد قد اتخذ سواء بصفقة أو غير صفقة، حفاظاً على الارث الوطني والكيان اللبناني.
من هذا المنطلق، تتجه قوى 14 آذار برفقة القيادات الوسطية، الى الموافقة على الأمر الواقع، ألا وهو التمديد، تفادياً لأي معركة سياسية دستورية ميثاقية، قد توصل البلاد إلى معارك عسكرية في الشارع، خصوصاً أن إجراء الانتخابات مسألة غير مضمونة النتائج في هذا الوقت، وأن فرض شروط آحادية مسألة تتطلب الكثير من القدرة والإمكانات والتصميم، غير متوفرة لدى قوى 14 آذار، لذا فإن الواقع الانتخابي يبدو أنه يتجه نحو التمديد لمجلس النواب من دون أفق واضح لمسار الاستحقاق الرئاسي.