Site icon IMLebanon

أيفون 6: الضربة القاضية للمحفظة التقليدية … وشركات الدفع نقدا

FinancialTimes
تيم برادشو وتوم بريثوايت وكاميلا هول

عندما كشف ستيف جوبز عن الآيبود في عام 2001، كان قد رأى فرصة لإعادة تشكيل الصناعة. لقد بيعت مئات الملايين من الجهاز، واقترانه مع تطبيق الآيتيونز أصبح ناجحاً جداً بحيث فكك ألبوم الموسيقى وأنهى عصر الأسطوانات المدمجة، وبالتالي تدمير إيرادات صناعة الموسيقى أثناء ذلك.

ننتقل الآن بحركة سريعة مدة 13 عاماً، ونجد أن أبل تتطلع مرة أخرى إلى إحداث ثورة مع خليفة جوبز، تيم كوك، من خلال الكشف هذا الأسبوع عن دخولها إلى القطاع المالي مع خدمة أبل باي Apple Pay. وقال بأسلوب يُذكرنا بتعليقات جوبز الأصلية، إن المدفوعات هي “أعمال هائلة”، بقيمة تبلغ 12 مليار دولار من المعاملات اليومية في الولايات المتحدة وحدها، التي تقتصر على استخدام نظام البطاقات الممغنطة “التي عفا عليها الزمن”. ولاحظ أن المصارف وشركات التكنولوجيا ومتاجر التجزئة التي “كانت تحلم باستبدال” الهواتف الذكية بالمحفظة “فشلت جميعاً”.

لقد كانت لحظة الآيبود بالنسبة للنقود وبطاقات الائتمان. ويعتقد محللون أن شعبية “أبل” وحصتها في السوق يمكن تسمحا لها بالقيام بما تكافح شركات كثيرة غيرها – من بينها جوجل – لتحقيقه.

تُسيطر “أبل” على الأجهزة والبرامج في جهازها الآيفون، وهو ما يُحسّن الأمن من السليكون إلى تطبيق قراءة بصمة الإصبع. وباعتبارها الشركة الأكثر قيمة في العالم، فهي تملك النفوذ لاستمالة المصارف ومتاجر التجزئة لاعتماد التكنولوجيا الخاصة بها. وما يجب أن تفعله “أبل” الآن هو إقناع المستهلكين بأن الاستفادة من أجهزتهم الخلوية للدفع أسهل من البحث في حقيبة اليد عن بطاقة.

وكما يُظهر مثال الآيتيونز، غالباً ما تكون أرباح “أبل” بمثابة خسارة لصناعة أخرى. حيث تنظر وول ستريت بالفعل إلى وادي السليكون باعتباره منافساً لاستقطاب أفضل الخريجين، لكن شركات التكنولوجيا بإمكانها أيضاً اختطاف الأرباح من المصارف. جيمي دايمون، الرئيس التفنيذي لجيه بي مورجان تشيس، أكبر بنك في الولايات المتحدة من حيث الأصول، قال هذا العام: “إنهم جميعاً يرغبون في الاستفادة من حصتنا السوقية”.

لكن بلغ من سيطرة شركات التكنولوجيا أن جيه بي مورجان، وشركة فيزا، وشبكات المصارف والدفع الأخرى مهتمة بالعرض التوضيحي لكوك. الرؤساء التنفيذيون في المصارف يتوددون بشأن “تجربة الزبون الاستثائية” و”الخطوة المثيرة”.

كما يقومون أيضاً بدفع النقود من أجل امتياز الانخراط: 15 سنتاً من أية عملية شراء بقيمة 100 دولار ستذهب إلى شركة صناعة الآيفون، وذلك وفقاً لشخصين مُطّلعين على شروط الاتفاق، الذي هو غير مُعلن. ويعتبر هذا اتفاقاً غير مسبوق، من خلال منح أبل حصة من اقتصاديات المدفوعات التي لا يحصل عليها منافسون مثل جوجل مقابل خدماتهم.

ديكسون تشو، كبير الإداريين للمنتجات في الشركة الناشئة، إنجو موني، الذي عمل في باي بال، وعلى محفظة جوجل، عندما كان في سيتي جروب، يقول: “إن هذا يجعل خدمة “أبل باي” فريدة من نوعها. من المدهش إلى حد ما أن “أبل” كانت قادرة على التعامل مع شيء تعذّر على جوجل”.

قائمة شركاء خدمة “أبل باي” الأولية مثيرة للإعجاب، فهي تتضمن أكبر 11 شركة لإصدار البطاقات في الولايات المتحدة، أي ما يمثّل 83 في المائة من السوق، ومتاجر التجزئة مثل ماكدونالدز وولجرينز، اللذين معاً يملكان 220 ألف متجر في الولايات المتحدة مستعدة لتلقي مدفوعات الآيفون.

وفي حين أنها تفتقر لمتاجر تجزئة مثل وولمارت وبيست باي، اللذين اتحدّا في عام 2012 لتطوير محفظة على الهاتف الخلوي خاصة بهما، إلا أن قدرة “أبل” على انتزاع ممثلين من ثلاث مجموعات كبيرة من عالم المدفوعات – المصارف، وشركات بطاقات الائتمان والمتاجر – هي إنجاز لا يستهان به.

جزء من سبب بقاء نظام بطاقة الائتمان القائم منذ 50 عاماً “عفا عليه الزمن” هو لأنه يعتمد على نظام بيئي معقد من اللاعبين الذين نادراً ما يتفقون على الطريقة الأفضل لتغيير صناعتهم. مع ذلك، الرئيس التنفيذي لواحدة من شركات تكنولوجيا الدفع، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قال إنه فوجئ لكون المصارف كانت على استعداد كبير للتنازل لـ “أبل” بعد ما حصل لشركات إنتاج التسجيلات.

بقيادة رئيس قسم الآيتيونز وأبل ستور، إيدي كيو، كانت “أبل” تتفاوض مع المصارف وشركات بطاقات الائتمان منذ أكثر من عام. وأثناء التطوير، كان المشروع طي الكتمان، مع قيام شركة صناعة الآيفون بإخاف شركائها الجُدد في حال أساؤوا التصرف.

ويقول جيم سميث، رئيس قسم القنوات الافتراضية في ويلز فارجو: “كان هناك أشخاص يعملون على الخدمة [في البنك] بحيث لم يعرفوا على ماذا كانوا يعملون. كان الأمر محتكراً على وجهة نظر واقعية ومحدودة، وللأشخاص الذين بحاجة إلى المعرفة فعلاً”.

بروس دراجت، القائد العالمي للتجارة الإلكترونية في شركة معالجة المدفوعات، فيرست داتا، يقول: “الجميع كان يفهم الأمر المتعلق بما يستطيعون ولا يستطيعون قوله، ومن هم الأشخاص الذين بإمكانهم التحدث معهم”.

إذا كانت أكبر المصارف في العالم تعتبر “أبل” بمثابة تهديد، لماذا إذن تشاركت مع شركة التكنولوجيا ووافقت على التخلّي عن شريحة من الإيرادات؟

أحد أسباب قدرتها على جمع العديد من الشركاء كان غياب أي شيء في خطة “أبل” من شأنه أن يكون ضار فعلاً لأعمالهم – على الأقل حتى الآن. ويقول أحد التنفيذيين في المصارف، إن أنموذج أبل “لا يزال يضعنا في مركز المدفوعات”.

تكنولوجيا “الاتصالات القريبة من الميدان” التي تسمح للزبون بالدفع داخل المتجر من خلال النقر على هاتف في جهاز ما، موجودة بالفعل، على الرغم من أن المنتجات التي تستخدمها، مثل محفظة جوجل، فشلت في كسب قبول شامل. لقد كانت المصارف بالفعل تُخطط لاعتماد “الرمز” الآمن الذي يقوم بتوليد ونقل رمز مرة واحدة لدفع المعاملات بدلاً من التوقيع أو رقم التعريف الشخصي، وتشهد الآخرين يحذون حذوها الآن مع قيام “أبل” باعتماده.

ما يغيب عن خدمة “أبل باي” هو قدرة المستخدمين على إرسال النقود إلى بعضهم بعضا أو تكنولوجيا البلوتوث، التي قد تسمح للمستخدمين بالدفع من على بُعد عدة أمتار من الجهاز بدلاً من بضعة سنتيمترات.

هانز موريس، الرئيس السابق لشركة فيزا والشريك الإداري الآن في شركة رأس المال الاستثماري، نايكا بارتنرز، يقول: “لا يوجد فعلياً ما هو جديد من الناحية التكنولوجية فيما يفعلونه”. لكنه يُضيف أن الطريقة التي قامت بها “أبل” بجمع مجموعة من الشركات المعتادة على المنافسة أكثر من التعاون أمر “مشابه للآيتيونز”.

ويقول موريس: “الجميع يعرف أن التكنولوجيا يمكن أن تحقق تجربة أفضل للمستهلكين، لكن كان لديك شركات تسجيلات، وفنانين وأنظمة توصيل متنافسة لديها خلاف فيما بينها. وبمجرد أن قامت “أبل” بجمعها معاً ضمن حزمة قوية بوجود مشاركين رئيسين، بدأ الجميع بالانضمام”.

المصارف مستعدة لخسارة شريحة من الإيرادات على أمل أن خدمة أبل باي ستصبح متوافرة في كل مكان. وهذا من شأنه زيادة أحجام المعاملات – وبالتالي الإيرادات العامة – ويمكن أن يُقلل من الخسائر الناتجة عن التزوير من خلال إجراءاتها الأمنية المشددة.

شركتا ماستركارد وفيزا تقومان الآن بتغطية تكاليف تزوير البطاقات، لكن اعتباراً من العام المقبل ستقوم بتحميل المسؤولية لمتاجر التجزئة إذا لم تستخدم تكنولوجيا “الشريحة ورقم التعريف الشخصي” المنتشرة على نطاق واسع في أوروبا، لكن لم يُسمع بها تقريباً في الولايات المتحدة. وأجهزة متاجر التجزئة الجديدة غالباً ما تسمح بمعاملات رقم التعريف الشخصي وتكنولوجيا الاتصالات القريبة من الميدان. وهذا قد يعمل على تسريع استخدام خدمة أبل باي.

وعلى الرغم من أن المدفوعات داخل المتجر كانت مركز عرض أبل التوضيحي، إلا أن المصارف متحمسة أكثر لخدمة التسوق عبر الإنترنت المُبسطة. وتعتقد المصارف أن منح الزبائن زراً من خلال خدمة أبل باي للضغط عليه عبر الإنترنت، بدلاً من طباعة معلومات البطاقة – ولا سيما على شاشة صغيرة – سيكون حافزاً حقيقياً للمزيد من الإنفاق.

ويقول جود لينفيل، رئيس قسم البطاقات في سيتي جروب: “إن هذا يتعلق بالتجارة الإلكترونية. إذا كان هناك تطبيق حيث يتسوق شخص ما، فإن القدرة على الانتهاء من تجربة التسوّق تلك من خلال النقر على خدمة أبل باي ستوفر الراحة والأمان”.

وذلك من شأنه جعل باي بال هدفاً أكثر وضوحاً للتضرر من أبل. فمن خلال الجمع بين منافسيها مع كل جهاز آيفون جديد وساعة، فإن أبل تقوم بالفعل بسرقة بعض النمو المحتمل من محاولة باي بال الخاصة بإنشاء تطبيق محفظة خاص بها. وعلى الرغم من الدروس من تطبيق الآيتيونز، فإن الصناعة المصرفية والمدفوعات في الوقت الحالي واثقة من أن أبل هي شريك حميد. يقول جيسون أوكسمان، الرئيس التنفيذي لاتحاد المعاملات الإلكترونية: “إن ما أعلنت عنه “أبل” بالفعل كان نهاية بطاقات الائتمان البلاستيكية، لكن ليس نهاية الدفع عن طريق الائتمان”.

لكن القوانين التنظيمية المرهقة التي تتعلق بأن تصبح مصرفا، تقوم بإنشاء خندق كبير بحيث من غير المرجح أن تحاول “أبل” عبوره. حماية البيانات، والأمن، وعمليات مكافحة غسل الأموال كلها بعيدة عن الهواتف الذكية الماكرة وخدمات التخزين عبر خدمة السحابة. ويقول مسؤول تنفيذي بارز في أحد المصارف الأمريكية: “لا يوجد الكثير من الأشخاص الذين يقولون، “أنا مهتم فعلاً بالاحتفاظ برأس المال والأصول المرجحة بالمخاطر‘”.

لكن الإصدارات المستقبلية من خدمة أبل باي بإمكانها تهديد النظام القائم بشكل أكثر عمقاً. تماماً كما انتقلت خدمة الآيتيونز من الموسيقى إلى الأفلام والتلفزيون والإذاعة، بإمكان “أبل” الدخول إلى المزيد من مجالات الخدمات المصرفية في تلك المناطق المجهولة بين المدفوعات البسيطة وخدمات المصرف الكاملة.

يقول بين ميلني، مؤسس شركة معالجة المدفوعات، دوولا: “إن “أبل” تقوم بلعب لعبة طويلة. حيث بإمكانهم استخدام اعتماد [المستهلكين] لمراوغة المرحلة النهائية من البنية التحتية القائمة للمدفوعات”. ويُضيف أن امتلاكهم للأجهزة والبرامج ومئات الملايين من تفاصل مدفوعات الزبائن، يعني “أنهم الشركة الوحيدة في العالم التي تستطيع فعلاً القيام بذلك (…) فـ “أبل” ليست شركة خائفة من ممارسة السيطرة”. وفي الوقت الحاضر تتخلى المصارف عن جزء من أرباحها التي تحصل عليها من خلال “أبل”، لكن الرسوم البالغة 0.15 في المائة ربما تبدو ضئيلة في وجه نظر أنظمة دفعات الجوال المتنافسة التي تحاول بصورة طموحة قطع الطريق تماماً على المؤسسات المالية. يقول سكون جاليت، الرئيس التنفيذي لشركة بايونير، التي تتخصص في الدفعات عبر البلدان: “هذا الأمر سوف يتم بك أو دونك. من المنطقي أن تختار الشركة التي تريد أن تلعب معك مقابل الشركة التي تحاول أن تقطع الطريق عليك”.

وتماماً مثلما قضى الآيبود على أسطوانات الـ “سي دي”، تأمل أبل في أن تودع عهد الدفعات البلاستيكية والورقية. وفي حين أن الآيتيونز خفف من وزن محفظة صناعة الموسيقى، لا بد أن تأمل المصارف أن “أبل” سوف تزيد من وزن محافظها، بدلاً من استبدالها تماماً.