عدنان حمدان
عجقة تحركات عمّالية مطلبية، في أكثر من قطاع، ينفذها المعنيون بها، من دون أن تلقى تحركا داعما أو مؤيدا من قبل اتحادات نقابية أساسية، يفترض أنها تعنى بالدفاع عن مصالح أعضائها، من «اتحاد النقل الجوي»، إلى عمال «شركة طيران عبر المتوسط» (تي ام اي) الـ140 الذين يطالبون بديمومة عملهم، وبدفع رواتبهم المتأخرة لثلاثة أشهر، إلى «اتحاد نقابات المصالح المستقلة والمؤسسات العامة» الذي ما زال يقف متفرجا على ما يجري مع العمّال المياومين الذين مضى على اعتصامهم في «مؤسسة كهرباء لبنان» حوالي شهر ونصف الشهر، من دون أن يقوم بأي مبادرة تجاه العمال وإدارة المؤسسة، أقله جمع الطرفين للتحاور عبره، ان كان عاجزا عن الدعم لقضيتهم.
وتنسحب مسألة النأي بالنفس على هذا الاتحاد الأخير في ما خص العمال المياومين في «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، والناجحين في مباراة الضمان عبر مجلس الخدمة المدنية لإدخالهم في ملاك الصندوق.
الأكثر تمثيلا
في المقابل، ان «الاتحاد العمّالي العام»، الذي يعتبر نفسه الهيئة الأكثر تمثيلا للطبقة العاملة، لا يختلف موقفه عن مواقف الاتحادين الآنفي الذكر، وهو الحاضن كل الاتحادات، لكن الصفقة التي أبرمت برعايته بخصوص عمال الكهرباء المياومين، ظهرت نتائجها في ما هو حاصل اليوم مع العمال، فكأن المسالة كانت «بلفة» لهم.
أما في ما خصّ المياومين في صندوق الضمان، فلم تتعد القضية أكثر من الكلام، في حين ان «الاتحاد العمالي العام» الممثل في مجلس إدارة الصندوق بعشرة أعضاء، يستطيع أن يفرض تثبيت المياومين، عبر استخدام حق الفيتو في جلسات مجلس الإدارة، لكنه لم يجرؤ على ذلك.
تبدو التحركات العمالية يتيمة الاحتضان، في أحرج الأوقات، وفي ظل وضع اقتصادي مترد وسيئ، ووضع معيشي صعب على أبواب الموسم الدراسي الحافل بهجمة شرسة لزيادة الأقساط المدرسية، وعدم قدرة المواطنين على تحمل الأعباء المعيشية، وتثقيلها بزيادة الأقساط، ما يزيد العبء على ذوي الدخل المحدود، المهددين بمنافسة اليد العاملة الخارجية من قبل النازحين السوريين، الذين باتوا عمالا في معظم القطاعات الإنتاجية.
تؤدي منافسة اليد العاملة السورية اليد العاملة اللبنانية، في معظم القطاعات، إلى انتشار البطالة التي زادت أكثر من 9 في المئة نتيجة النزوح السوري، حيث تخطت معدلات البطالة أكثر من 30 في المئة في صفوف الطبقة العاملة اللبنانية، وهي تصل إلى أكثر من 50 في المئة في صفوف الخارجين إلى سوق العمل من الجامعيين والمهنيين وأصحاب المهن. فلبنان يحتاج إلى خلق 35 ألف فرصة عمل سنوياً يؤمن منها حسب إحصاءات الضمان حوالي سبعة آلاف إلى ثمانية آلاف فرصة عمل، ناهيك عن ضيق فرص العمل في الخارج، لا سيما أسواق الخليج الأكثر استيعاباً للكفاءات اللبنانية من أصحاب التحويلات التي تساعد العائلات المقيمة اجتماعياً.
أمام هذا العجز النقابي، وعدم قدرة وزارة العمل، في الظروف الراهنة، على فرض القانون الذي يحدد القطاعات أو المجالات المسموح لها باستخدام عمال، وغياب النقابات المعنية، يلجأ العمال إلى الأساليب الممكنة، والنموذج الأحدث هو ما قام به عمال «تي ام اي» من اعتصام، يعودون إليه لاحقا، في غياب النقابة التي يفترض أن تدافع عنهم، ويصفونها بأنها أصبحت جسماً واحداً مع الإدارة، أو أصبحت جزءاً منها بعد ترفيعات إدارية وزيادة رواتب لمحسوبين عليها. بل يقولون لـ«السفير» أكثر من ذلك، إن «النقابة باعتهم بثلاثين من الفضة»، ويؤكد أحد العاملين في «تي ام اي» لـ«السفير» أن «العاملين في الشركة يتجهون إلى «تشكيل لجنة عمالية، تقوم مقام النقابة التي تخلت عنهم»، ويؤكدون القول «من بيت أبي ضربت».
تأييد خجول
إذا وضعنا التحركات العمالية المطلبية جانبا، تبرز قضية «هيئة التنسيق النقابية»، والتحركات الطويلة العريضة والحاشدة، فقد نالها من «الاتحاد العمالي العام»، تأييد خجول من خلال بيانات موسمية، لكن الواقع لا يعكس التأييد، بل كان الاتحاد يغطي تأييد «سلسلة الرتب والرواتب» كلاميا، فيما لم ينتصر مرة للنموذج النقابي الذي يعبّر عن ضمير المجتمع اللبناني، ويبرهن هزال الحركة النقابية التي تعتبر نفسها الممثل الوحيد للعمال والعاملين في القطاع العام، انه كان يبطن موقفا معاديا لها لأنها سحبت البساط من تحته.