تؤكّد الخطوة التي اتّخذها مجلس النواب بإقرار قانون جديد للإيجارات، نيّة السلطة التشريعيّة في خوض غمار قضايا السّكن وإجراء التحوّلات اللازمة على هذا الصعيد لأسباب عدة أبرزها التراجع الكبير في مساحات الأراضي المتوافرة للبناء، وارتفاع أسعار الأقسام السكنيّة منذ العام 2007، الأمر الّذي استوجب حصول تدخّل رسميّ لإيجاد حلول طويلة الأمد نظرًا إلى حساسيّة هذه القضيّة التي تعنى بحقّ أساسيّ من حقوق المواطن على الدّولة. وهذه الخطوة تستدعي البحث في نتائج الواقع الجديد على السوق العقارية وخدمة السّكن مع توقّع تطبيق القانون الجديد في بداية السنة المقبلة وفق نوّاب لجنة الإدارة والعدل (تمّ تمديد العقود التجاريّة حتّى نهاية 2018)، وفي انتظار رأي هيئة التشريع والاستشارات التي يفترض حصولها على طلب رسميّ من وزير العدل أشرف ريفي هذا الأسبوع بعد انتهاء العطلة القضائيّة لإبداء مطالعة في إمكان تطبيق القانون في موعده.
الخبير المالي والاقتصادي أنطوان سعاده أشار لـ “النهار” الى أنّ تجميد قسم كبير من المباني القديمة كانت له مبرّراته ربّما في الاعوام السّابقة، لكنّه لم يعد دليلاً صحيًّا في هذه الفترة كون هذا الواقع ينعكس سلبًا على القطاع العقاري عموماً، ويسمح لأصحاب المباني المنجزة حديثًا بالتحكّم بالأسعار وإدارة السوق بما يتيح تحقيق أرباح ماليّة بعيدة من الأرقام المعقولة والطّبيعيّة. وقد آن الأوان لإعادة الاستقرار والتّوازن إلى العلاقة بين المالك والراغب في الشراء من جهة، وبين المالك والمستأجر من جهة أخرى، وفق النّسب الواقعيّة للقدرة الشرائيّة المُتاحة عند المواطن. وأكّد أنّ الدّولة أصبحت ملزمة في الفترة الأخيرة التدخّل لإعادة إحياء قطاع الإيجارات، وخصوصًا مع ارتفاع أسعار الشقق وانعدام القدرة عند غالبيّة الشباب على الشراء، وارتفاع قيمة بدلات الإيجارات السكنيّة، وهي وجدت نفسها ملزمة لهذه الغاية إصدار قانون جديد للإيجارات متوازن يحافظ على الأمن السّكني للمستأجر في فترة تقارب السّنوات العشر المقبلة، ويسمح من جهة أخرى للمالك في تحصيل إيجاراته وفق الحدّ الرائج بشكل تدريجيّ ومقبول، كما يعيد الثّقة إلى المطوِّرين للاستثمار في القطاع وبناء شقق صغيرة ومتوسّطة الحجم تناسب إيجاراتها الفئات الشبابيّة. وبرأي سعادة، إنّ تحرير الإيجارات القديمة السّكنيّة تدريجياً ستكون له فوائد عديدة أبرزها ضخّ مزيد من الأموال في السّوق العقاريّ، ورفع نسبة عرض الأقسام المخصّصة للسّكن وبالتّالي خفض قيمة بدلات الإيجارات وأسعار هذه الأقسام بما يناسب مختلف الفئات الاجتماعيّة بعدما بلغت في بعض المناطق في بيروت حدًّا غير مقبول مع ارتفاع الطّلب بشكل كبير على الإيجار من اللاجئين السّوريين. ويبقى الأهمّ برأيه رفع نسبة المداخيل المفترض تحصيلها كضريبة على الأملاك المبنيّة لمصلحة الخزينة العامّة والبلديّات، اذ يتوقّع أن ترتفع هذه المداخيل بنسب كبيرة في السّنة السّادسة من تطبيق القانون الجديد، بعد بلوغ بدلات الإيجارات القديمة معدّلها الطّبيعي وفق الحدّ الرّائج الذي يعادل 5 % من قيمة المأجور بحسب المادّة 20 من القانون الجديد للإيجارات، وبخاصّة أنّ الدولة والبلديات تحصّل الضّرائب حاليًّا وفق بدلات إيجار لا تتخطّى 3 % من قيمة البدل الرّائج، وهي تبلغ بحسب مصادر وزارة المال حوالى الـ 40 مليار ليرة سنويًّا فقط لمصلحة الخزينة التي تقع تحت عبء الدّيون والمصاريف. وأشار إلى أنّ نموّ القطاع سيسهم في تخفيف الضّغط على المؤسّسة العامّة للإسكان والمصارف الخاصّة، وستشهد السّنوات المقبلة إعادة رسم خريطة إسكانيّة جديدة في بيروت وجبل لبنان تقوم على النموّ المتوازن والمعقول، الأمر الذي يستوجب من الدّولة إبقاء التدخّل الرسميّ لمصلحة الفئات الضعيفة من ذوي الدّخل المحدود، وذلك من خلال إيجاد مزيد من البرامج الإسكانيّة، والحوافز التمويليّة، والتّنمية المتوازنة، وعبر إقرار قوانين داعمة للحقّ في السّكن وأبرزها الإيجار التملّكي.
وختم سعادة بالقول إنّ التطوّر التشريعي المستمرّ والمتراكم من الدّولة بالتّزامن مع تطوير برامج المصارف، هو المدخل الصحيّ لوضع وتنفيذ خطّة إسكانيّة متكاملة تحفظ الاستقرار بين العرض والطلب على الشقق، وفي النتيجة تضمن الأمن السكنيّ لجميع الفئات. وطالب الدولة بوضع دراسات دقيقة تصدر عنها مؤشّرات مستمرّة لمستوى حجم السوق العقارية وحركة البيع والعرض والطّلب.