محمد وهبة
«إن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يستمد قوّته المالية من سيطرته على بنك الموصل ومن تهريبه للنفط المستخرج من الحقول التي يسيطر عليها، عبر تركيا أو لبنان». هذه العبارة وردت على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أول من أمس خلال إدلائه بشهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، مشيراً إلى أن «الدولتين تتعاونان مع الولايات المتحدة الأميركية من أجل وقف التهريب، إلا أن تركيا تعاني الصعوبة المتمثّلة في وجود 49 من مواطنيها رهائن في يد تنظيم الدولة…».
تصريح كيري يثير الكثير من الأسئلة: هل أصبح لبنان معبراً لتهريب النفط؟ هل هناك إمكانية عملية لتمرير كميات من النفط من سوريا إلى لبنان عبر طرق التهريب؟ كيف يفسّر المطلعون هذا التصريح، فهل يحمل خلفيات سياسية، أم أن عمليات التهريب حقيقية ومخفية أيضاً؟
لم يقترن كلام كيري بأي تفاصيل أو دلائل على أن داعش تهرّب النفط عبر لبنان أو عبر تركيا، بل تحدّث عن الأمر بوصفه من البديهيات أو المسلّمات، حتى إنه تحدّث عن تعاون لبنان وتركيا مع الولايات المتحدة في هذا المجال. وهذا يعني، في ما خصّ لبنان، أن الدولة اللبنانية تقرّ بوجود عمليات تهريب لكميات من النفط الذي استولت عليه داعش، وأنها مطلعة على نشاط ممرات التهريب بين البلدين لكنها قاصرة عن مكافحتها.
تصريح كيري أثار استغراب المطلعين على أعمال التهريب بين لبنان وسوريا. في رأي هؤلاء، فإن تهريب النفط الخام مختلف جداً عن تهريب المشتقات النفطية والسلع الأخرى التي يتبادلها المهربون، سواء لجهة الكميات والطرق المستعملة وإمكانية تصريف البضائع، وإضافة إلى ذلك، فإن سيطرة النظام السوري على معظم المناطق الواقعة على الحدود بين لبنان وسوريا، تجعل من عمليات التهريب بكميات كبيرة أمر فيه صعوبة بالغة. فمن جهة عكار، يسيطر الجيش النظامي السوري على كل البلدات المحاذية للبنان، أما من جهة القصير ــ الهرمل فالسيطرة أيضاً هي للجيش السوري…
وبالتالي لم تبق سوى ثلاث مناطق تشتهر بوجود معابر تهريب بين البلدين؛ الأولى تمرّ عبر عرسال حيث الجيش السوري يسيطر على الأراضي السورية ومقاتلو داعش والنصرة ينتشرون في جرود عرسال. المنطقة الثانية تمرّ عبر مناطق راشيا، والثالثة تمرّ عبر شبعا. وباستثناء عرسال وخصوصية ما يحصل في جرودها اليوم، فإن المناطق الباقية، أي راشيا وشبعا، تعدّ بعيدة جداً عن مناطق إنتاج النفط في سوريا، أي دير الزور والرقة اللتين تقعان في شمال سوريا، وهي بعيدة أيضاً عن مصافي النفط في حمص وبانياس، فضلاً عن أن المعابر فيها قد لا تكون مجهّزة لهذا النوع من التهريب.
وبحسب المعلومات المتداولة، فإن «داعش» تنتج نحو 20 ألف برميل يومياً من النفط الخام وتبيع البرميل الواحد بقيمة 18 دولاراً. هذا يعني أن السعر زهيد جداً مقارنة بأسعار النفط الخام العالمية التي تتجاوز 100 دولار للبرميل الواحد، لكنه يعني أيضاً أن نقل هذه الكميات يتطلب ناقلات معدّة لنقل خزانات كبيرة تسير ضمن قوافل كبيرة من حقول الإنتاج إلى مراكز التصدير أو التكرير. وبالتالي، فإن دخول مثل هذه القوافل إلى لبنان سيكون ملحوظاً جداً سواء من مناطق التهريب أو لدى وصولها إلى مناطق التصدير أو التكرير، علماً بأن لبنان ليس لديه مصافي نفط عاملة، ما يلغي الاحتمال الأول ويجعل الاحتمال الثاني، أي تهريب الكميات بهدف تصديرها من لبنان، الحل الوحيد المتاح لهذه الكميات من النفط الخام.
وعلى افتراض أن «داعش» بالتعاون مع جهات محلية على طرفي الحدود وبالتواطؤ مع جهات نافذة في لبنان، تمكنت من إدخال كميات من النفط الخام بسريّة تامة، فهل ستتمكن من تصدير هذه الكميات؟ الإجابة التي يقدّمها المطلعون، تشير إلى أن تصدير النفط يجب أن يحصل من ميناء خاص، وفي حال الاستعانة بميناء لتصدير البضائع العادية، فإن البواخر التي تنقل النفط ليست بواخر نقل عادية أيضاً… «لا يمكن اخفاء النشاط على هذا المسار، ولا يمكن أن يبقى الأمر سرياً، لو كان النفط الخام يدخل إلى لبنان مهرّباً لانتشر الخبر بسرعة بين المهرّبين الذين سيتهافتون في اتجاه غرف حصّة من هذه الكميات المربحة».
عملياً، يمكن المقارنة بين تهريب النفط الخام وتهريب مشتقات نفطية على أساس أن البنزين أو المازوت يهرّب إلى لبنان بكميات معدّة لاستهلاك مناطق معينة ولا يصدّر إلى الخارج. إحدى الحالات العملية، كشفت أخيراً، عن صفقة عقدتها جهات محلية مع مجموعات «داعشية» من أجل تهريب كميات من البنزين من سوريا إلى لبنان آملة أن تحقق أرباحاً تصل إلى 250 دولارا عن كل طن بنزين مهرّب. وبحسب المعطيات المتداولة بين المهربين وبعض شركات المحروقات، فإن قافلة واحدة من الصهاريج الصغيرة دخلت إلى لبنان لتبيع البنزين السوري إلى محطات الوقود بأسعار تحقق أرباحاً إضافية للمحطة بنحو 100 دولار للطن الواحد. هذه الجهات استفادت من فرق ضئيل في أسعار البنزين بين سوريا ولبنان ولم تدفع ضريبة قيمة مضافة ولا رسما جمركيا… «غير أن هذا الأمر لم يجر سوى مرّة واحدة حتى الآن، وقد انكشفت المعطيات حولها بوتيرة سريعة يوم حصولها لأن عملية التهريب جرت في إطار صفقة بين مهربي المشتقات النفطية المعروفين وبعض العشائر التي تسيطر على خطوط التهريب».