“قال الناس كلمتهم، يا لهم من أوغاد”. هكذا تحدث ديك تاك، المشغل السياسي الأمريكي الأسطوري، حين أدرك أنه لن ينجح في حملته لعضوية مجلس الشيوخ في كاليفورنيا.
ربما يكون لدى أنصار استقلال اسكتلندا مشاعر مماثلة في نهاية الأسبوع. لكن يبقى هناك شيء رائع وجميل حول الديمقراطية أثناء التطبيق لا سيما عندما تكون الرهانات عالية كما كانت بالنسبة للاسكتلنديين، بمشاركة تتلاءم مع ذلك.
أما بالنسبة للأسواق، فإن لديها الموقف نفسه تجاه الحكم على الناخبين، كحال السيد تاك. إنها تعتبر الديمقراطية بمثابة مخاطر غير ضرورية وغير متوقعة.
وكما تقول لنا الآراء المكرورة، الأسواق لا تكره شيئا أكثر من اللبس، واللبس هو جوهر مناورات أشياء مثل الاستفتاء الاسكتلندي. ما يريده المستثمر العادي هو نخبة مستقرة يمكن التنبؤ بها وصديقة للسوق.
في البيئة السياسية بعد الأزمة المحتدمة، لم تعد الأسواق قادرة على اتخاذ هذا كأمر مفروغ منه. وكان استفتاء اسكتلندا هو الأحدث في سلسلة من الانتخابات التي أتيحت للناخبين فيها فرصة لفعل شيء من شأن الأسواق أن تكرهه حقا.
في الأسواق الأمريكية، الهيئة التي لا يمكن للمستثمرين فهمها هي الكونجرس. فانهيار الأسهم بعد إفلاس بنك ليمان براذرز في أيلول (سبتمبر) 2008 توقف بمجرد تصويت الكونجرس ضد “برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة” حزمة إنقاذ البنوك. وكان الاستقبال الأولي للأنباء حول أن الإدارة ستحاول الإنقاذ، إيجابيا جدا حيث إن مؤشرات الأسهم الرئيسة الأمريكية أنهت الأسبوع الذي انهار فيه ليمان بمستويات أعلى مما بدأت به.
في وقت لاحق، تحول اندفاع الأسهم لما بعد ليمان إلى سوق هابطة قصيرة في صيف عام 2011 بعد أن لعب الكونجرس والرئيس لعبة مؤذية إلى حد كبير حول ما إذا كانت الحكومة الفيدرالية ستضطر إلى الدخول في إعسار. لقد تم تجنب ذلك، لكن فقط بعد ترويع المستثمرين.
في أوروبا، أثارت أزمة منطقة اليورو موجة من الرفض للحكومات في صناديق الاقتراع. جميع البلدان الطرفية التي في قلب الأحداث -اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا وإيطاليا- قذفت إلى الخارج بالسياسيين الذين قادوها إلى الأزمة في أول فرصة انتخابية.
لكن لم يذهب أحد إلى ما هو أبعد من ذلك، على الرغم من أن الركود الاقتصادي الوحشي كان يثير غضبا كبيرا، وعلى الرغم من القيام بعرض بدائل جذرية أكثر بكثير، ولا سيما في اليونان.
هذا أمر مهم لأن أزمة منطقة اليورو كانت دائما حول السياسة. كان لدى منطقة اليورو دائما ما يكفي من المال لتلبية ديون البلدان الطرفية؛ كانت المشكلة عبارة عن مشكلة سياسية حول ما إذا كانت الدول في المركز ستوافق على الدفع، وما إذا كانت الدول الطرفية ستقبل الشروط التي عرضت للمساعدة.
سقوط منطقة اليورو في أزمة سببه أن المستثمرين يفترضون أن دول المركز لن تصمد، وأن جمهور الناخبين في مكان ما يرفضون شروط التقشف المصاحبة للمساعدة، وهو ما أثار الانقسام في منطقة اليورو.
كان هذا تنبؤا معقولا، لكنه كان على خطأ. كان هناك غضب وعنف في الشوارع، لكن لم يتخذ أحد خطوة من شأنها أن تعني تحطيم اليورو، وبذلك نجا.
كيف ذلك؟ في جزء منه، كان يعود إلى الحظ. في اليونان، اكتسبت الأحزاب المناهضة للإنقاذ معظم الأصوات في انتخابات 2012، لكن تم اقتسام الأصوات من قبل الأحزاب المتطرفة في اليسار واليمين على حد سواء. ويسمح النظام الانتخابي للأطراف من النخبة اليونانية القديمة بالبقاء في السلطة.
أخيرا، تعتبر النخب متماسكة وتعرف كيف تدافع عن نفسها. هذا ما يدفع إلى شرح رفض اسكتلندا الواضح المعالم في نهاية المطاف للاستقلال. التهديدات والوعود أحبطت تصاعد موجة العاطفة المرتبطة بالهوية الوطنية الاسكتلندية.
هناك أوجه تشابه واضحة بين المسألة الاسكتلندية والانتخابات الأخيرة في منطقة اليورو. وكان من شأن التصويت بنعم أن يفتح الباب أمام عوامل لبس كبيرة، لا سيما حول العملة، وقد يضع أمن بقية الديون في المملكة المتحدة موضع تساؤل.
هل سيخلق استقلال اسكتلندا حقا لحظة جديدة تشبه حادثة ليمان؟ ربما لا. لكن مخاطر هذه النتيجة كانت سترتفع.
لم تخطئ الأسواق في تحديد الحالة المزاجية للناس، كما فعلت في وقت سابق في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. افترض المستثمرون أن التصويت بلا كان مسلما به، واحتمال انفصال الاسكتلنديين لم يكن له أي تأثير على الأسعار المالية -حتى أظهر أحد الاستطلاعات الأولية للرأي قبل أسبوعين أن حملة التصويت بنعم في الصدارة. بعد ذلك تم احتساب مخاطر الانقسام عن المملكة المتحدة في الأسعار، كما يتضح من أداء الجنيه الاسترليني القوي بمجرد أن بدأت النتائج في الظهور أثناء الليل.
ربما يكون رد الفعل الإيجابي هذا سابقا لأوانه. لدى الديمقراطية مزيد من العقبات للأسواق في الأشهر والسنوات المقبلة. في بريطانيا، لا يزال على الحكومة أن تتوصل إلى طريقة لإدارة القدر الأكبر من تفويض السلطات، ليس فقط إلى اسكتلندا، كما وعد أثناء الحملة، وإنما إلى بقية المملكة المتحدة. ولأن هناك انتخابات عامة في السنة المقبلة، فإن هذا لن يكون سهلا، وبالتالي ستزداد عملية الاحتراق البطيء للمخاطر السياسية. يظل الاقتصاد بالنسبة لمعظم أوروبا في وضع حرج. هناك احتمال أن تصوت بعض المناطق الانتخابية من أجل القيام بشيء مختلف اختلافا جذريا. ثم هناك إمكانية إجراء استفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. لكن، بالنسبة للوقت الحاضر، تبدو الأسواق سعيدة، مرة أخرى بقبول حكم الناس.