تتكثّف الاتصالات الدولية قبل انعقاد أعمال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة في نيويورك الأسبوع المقبل وستشهد أروقة المنظمة الدولية للسنة الثانية على التوالي انعقاد اجتماع «المجموعة الدولية من أجل لبنان» الذي سيترأسه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وسيكون لبنان ممثلا برئيس حكومته تمّام سلام ووزير خارجيته جبران باسيل وسفيره في الأمم المتحدة نواف سلام.
وفي موازاة ذلك، قام ممثّل الأمين العام للأمم المتّحدة ديريك بلامبلي بزيارتين للسعودية ثمّ إيران. وإذا كان الهدف المعلن من زيارة السعودية هو شكرها على دعمها المستمرّ للجيش اللبناني وآخر مظاهره تقديم الملك عبد الله بن عبد العزيز مبلغ مليار دولار لزيادة قدرات الأجهزة الأمنية اللبنانية، فإن زيارة بلامبلي لإيران كانت أيضا للبحث في كيفية تثبيت استقرار لبنان.
إلا انّ الهدف الرئيسي لهذه الزيارات الأممية هو الحصول على تأييد دولي واسع للبنان وإثارة اهتمام الدولتين الإقليميتين الأشدّ تأثيرا فيه، ما يعطي زخما أكبر للرسائل السياسية التي ستصدر عن المجموعة الدولية في اجتماعها المقبل.
لا يهدف اجتماع نيويورك الثاني الى جمع المال، وهو غير مخصص للمانحين بل للدول المؤسسة، وخصوصا الدّول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن. سيلقي الاجتماع الضوء مرة أخرى على احتياجات لبنان ويدعو الى تسريع المساعدات الدولية للجيش اللبناني والتي بحثها بشكل مفصّل اجتماع روما في حزيران الفائت، بالإضافة الى التباحث في كيفية الاحتواء الإنساني والاجتماعي لقضية النازحين السوريين الى لبنان، فضلا عن دعم مشاريع الدولة الاقتصادية من خلال الصندوق الائتماني الذي بدأ يستقبل مبالغ ماليّة تراوح حاليا بين الـ 30 والـ40 مليون دولار بمساهمة من البنك الدولي وفرنسا وفنلندا والنروج.
يكمن هاجس الأمم المتحدة لبنانيا اليوم في توفير الاستمرارية في عمل المؤسسات اللبنانية لأنها الوحيدة القادرة على الحفاظ على الاستقرار، ويعزّز أداء الأحزاب المنضوية في حكومة سلام هذا التوجّه الدولي من خلال مواجهتها للتحديات في المنطقة بعقلانية وتكاتف.
ولعلّ أبرز ما سمعه بلامبلي في زيارتي الرياض وطهران كما كشف لصحيفة “السفير” هو أنّ الدولتين حريصتان على الاستقرار وتؤيدان الحكومة القائمة وتعتبران إجراء الانتخابات الرئاسية أمرا عاجلا.
تفاؤل بلامبلي ينسحب أيضا على الهبة السعودية للجيش بسلاح فرنسي بقيمة 3 مليارات دولار والمؤجلة منذ أشهر. لا يخوض الديبلوماسي الدولي في التفاصيل، لكنّ مصادر مطلعة تشير الى أن الخطوة السعودية ـ الفرنسية فاقت توقعات الأمم المتحدة والدول المعنية بتقوية الجيش اللبناني وتلبية احتياجاته من حيث التدريب وتحسين مواقعه على الحدود.
وتقول ان الهبة السعودية عبر فرنسا أساسية للجيش اللبناني، لكنّ تطبيقها سيكون طويلا بعض الشيء غير أنها ستبقى ضمن الهامش الزمني للخطّة الخماسية التي وضعها الجيش اللبناني، أما الروزنامة الزمنية للتنفيذ فتتعلق بالسعودية وفرنسا وليس على لبنان إلا تحديد قائمة احتياجاته. فالدولتان لديهما نيات حسنة تجاه الجيش وهذا هو المهمّ.
وتذكر المصادر أنّ قضية عرسال كانت بمثابة جرس إنذار جعل السعودية تدفع مبلغ مليار دولار إضافية لتعزيز الأجهزة الأمنية كافّة.
بالعودة الى الاجتماع الثاني للمجموعة الدّوليّة من أجل لبنان فهو سيعيد تذكير العالم بأنّ لبنان، هذا البلد الصغير، يحظى بإجماع دولي غير مسبوق، فبالرغم من خلافات الدّول العميقة حول قضايا المنطقة والعالم، فإنها تتفق على الحفاظ على استقرار لبنان ودعم جيشه وحكومته لاستيعاب أزمة النزوح الكثيف عبر البلديات والمجتمعات المضيفة.
وتعوّل الأمم المتّحدة في اجتماع نيويورك على زيادة الدّعم المادي وخصوصا أن منظماتها المعنية بالنازحين لم تحصل هذه السنة إلا على 40 في المئة من المبالغ المطلوبة، ما أوقعها في عجز ينبغي سدّه سريعا، والقضية ليست سهلة وخصوصا أن مشاكل النزوح لا تقتصر على لبنان ودول الجوار بل تتعدّاها الى دول المنطقة وبلدان عدّة في إفريقيا الوسطى وفي جنوب السودان وسواهما من بؤر النزاعات. من هنا أهمية إدراج لبنان ضمن الأولويات الدّولية.
توصّف الأمم المتحدة ذاتها بأنها شريك للبنان لكنّ المسؤولين فيها يدركون أن هذه الشراكة لا تستقيم ولا تصبح فعّالة إلا بالتعاون والتنسيق مع دول إقليمية وفي طليعتها السعودية وإيران.
ويشدد بلامبلي دوما في اتصالاته على ضرورة التسريع في إجراء الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وينصح محدثيه بألا ينتظروا الضوء الأخضر من الخارج كي يباشروا في ترتيب بيتهم الداخلي، فالتأجيل المستمر للاستحقاق منذ 25 أيار الفائت باتت تداعياته بما فيها الأمنية الخطرة ماثلة أمام الجميع. يختصر بلامبلي مرارته بكلمة واحدة: حرام.