فانكوفر تزدهر. في شتى أنحاء المدينة الكندية الساحلية، تتوفر وظائف ينميها اقتصاد أكثر نظافة ومراعاة للبيئة. وتستمر مشاريع التنمية المنخفضة الكربون، وثمة تحول نحو استراتيجيات الطاقة المحلية التي تقلص الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري وتجعل إمدادات الطاقة أكثر مرونة إزاء العواصف والأحمال الزائدة.
فذلك لم يحدث مصادفة. منذ ست سنوات، اتخذ إقليم كولومبيا البريطانية خطوة جريئة بفرض واحدة من أولى أنواع الضرائب على الكربون في القارة. (e) وكانت فانكوفر تتقدم المسيرة بالفعل على صعيد المعايير البيئية، إلا أن الضريبة بدلت الحال، مما حفز بشكل واضح كفاءة الموارد وشجع على المزيد من الابتكار في مجالات الطاقة والصناعة والسياسات.
وعن ذلك يقول رئيس المدينة غريغور روبرتسون “الطاقة المتجددة وشركات التكنولوجيا النظيفة تختار الاستثمار في فانكوفر بالتحديد لأننا نحتل قمة المنحنى بالضريبة على الكربون.” ضريبة الكربون تعزز مساعي فانكوفر لتحقيق مستقبل نظيف يراعي البيئة.
الأسواق والضرائب
تسعير الكربون، سواء من خلال أنظمة تبادل الانبعاثات أو الضرائب على الكربون مثلما تفعل كولومبيا البريطانية، هي طريقة فعالة لنقل الاقتصاد نحو النمو منخفض الكربون وتخفيض الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ.
وباستخدام أنظمة تبادل الانبعاثات، تضع الحكومات حدا أقصى للانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري. فهذه الأنظمة تقيد إجمالي كمية الانبعاثات من خلال إصدار عدد محدود من تراخيص الانبعاثات ووضع نظام للمبادلة يسمح للأطراف الأكثر إطلاقا للانبعاثات بشراء ما تبقى من رصيد التراخيص من الصناعات الأقل إطلاقا لها التي لا تستخدم هذه التراخيص، مما يشجع بشكل فعال الاختيارات منخفضة الكربون بأقل تكلفة يمكن أن يتحملها الاقتصاد ككل.
اليوم، هناك ما يقرب من 40 بلدا وأكثر من 20 مدينة وولاية وإقليما تستخدم شكلا من أشكال تسعير الكربون. وتتباين طرق تنفيذها حسب الاقتصاد ومصادر الانبعاثات وفرص النمو منخفض الكربون، من حيث السعر والأسلوب وكيفية استخدام العائدات وأين يتم تطبيق الضريبة أو الحد الأقصى من الانبعاثات من موقع الاستخراج إلى الاستخدام.
نقل العبء الضريبي
حققت كولومبيا البريطانية تغييرا جذريا عندما استحدثت ضريبة الكربون: فقد أعادت توزيع العبء الضريبي وحولت الضرائب عن العمالة إلى الأنشطة المضرة بيئيا، خاصة الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري.
بدأت ضريبة الكربون على مشتريات الوقود الأحفوري بعشرة سنتات للطن، وزادت حاليا إلى 30 سنتا لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أو ما يعادل 7 سنتات للتر البنزين أو نحو 25 سنتا للغالون. فالضريبة لا تؤثر على الدخل – أي أن الأموال ستعود إلى دافعي الضرائب من خلال تخفيض الضرائب على دخل الأشخاص وأنشطة الأعمال والدعم الموجه للأسر محدودة الدخل. فتخفيض ضريبة الدخل على أنشطة الأعمال يخفف من الآثار الضارة على القدرة التنافسية لاقتصاد الإقليم وينوع هيكله الصناعي ليتجه نحو الأنشطة التكنولوجية المتقدمة والمبتكرة.
واليوم، باتت الضرائب على الدخل في كولومبيا البريطانية وفانكوفر من أقل معدلاتها في كندا، وواصل اقتصادهما نموه، وأصبح معدل نصيب الفرد من الانبعاثات الغازية فيهما من بين أقل المعدلات في أمريكا الشمالية. كما أنهما تسهمان في أن يكون عالمنا أكثر أمانا وصحة من خلال تخفيض الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري والتي تقف وراء تغير المناخ، لاسيما بالنسبة للفقراء الأكثر تعرضا للمخاطر الناجمة عن آثار تغير المناخ والأقل قدرة على التكيف معها.
السويد، واحدة من أولى البلدان التي فرضت ضريبة على الكربون وطبقت نظام تبادل الانبعاثات. منذ تطبيق ضريبة على الكربون عام 1991، أصبح لدى السويد القدرة على فصل الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري عن النمو الاقتصادي. وفي الفترة من 2000 إلى 2012، انخفض إجمالي الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 16 في المائة في الوقت الذي نما فيه إجمالي الناتج المحلي بنسبة 30 في المائة. في الوقت نفسه، تعد الضرائب على الكربون فيها من أعلى المعدلات في العالم، رغم أن المصانع تدفع معدلات ضريبية أقل من المستهلكين لتخفيف آثار ذلك على قدرتها التنافسية. وتذهب العائدات إلى الميزانية العامة للدولة مما يساعد على تخفيض الضرائب الأخرى.
تحسين تبادل الكربون
درست كاليفورنيا الأنظمة المبكرة لتبادل الانبعاثات الغازية، والتي تشمل البرنامج الأمريكي لمكافحة الأمطار الحمضية من خلال تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت. (e) وفي عام 2013 وضعت نظاما لتبادل الكربون وتحديد سقف لانبعاثاته للانتقال بالاستثمار إلى الطاقة النظيفة والتنمية منخفضة الكربون.
ويضع هذا النظام حدا أقصى للانبعاثات الغازية المتصاعدة من محطات توليد الكهرباء والمنشآت الصناعية الكبرى على مستوى الولاية بحيث ينخفض هذا الحد كل عام ليصل بمستوى الانبعاثات عام 2020 إلى ما كانت عليه عام 1990، أي أقل بنسبة 28 في المائة عن المستويات الحالية. وللسماح للجهات المسؤولة عن إطلاق الانبعاثات الغازية بالمرونة، وضعت الولاية نظاما لتبادل الانبعاثات.
وتفادت كاليفورنيا بعض التحديات التي واجهها نظام تبادل الانبعاثات لديها، ويعود ذلك في جانب منه إلى تجنب الإفراط في النسب المسموحة من الانبعاثات. وبنهاية العقد، تتوقع كاليفورنيا جمع مليار دولار أو أكثر سنويا من بيع المخصصات من الانبعاثات – وهي أموال ستعيد استثمارها في الطاقة النظيفة، وكفاءة الطاقة، والمجتمعات المستدامة.
وثمة قادم جديد إلى سوق الكربون ينبغي مراقبته: الصين أطلقت سبعة مشاريع تجريبية محلية لتبادل الانبعاثات خلال العام الماضي لاختبار مختلف الهياكل وهي تستعد لإنشاء سوق للكربون على مستوى البلاد. وستشكل هذه الأسواق مجتمعة ثاني أكبر سوق للكربون في العالم بعد أوروبا. وستتضاءل الأنظمة القائمة أمام قيام سوق وطنية في الصين.
ولدى الصين الأسباب التي تجعلها تتخذ إجراء لتسعير الكربون. فقد عانت مدنها من ارتفاع مستوى التلوث في السنوات الأخيرة مما حدا بمدينة بكين بالشروع في عملية تخفيض للفحم وإن كان القلق يساورها بشأن أمن الطاقة. كما تطمح الصين لتقليص الانبعاثات الغازية، بما في ذلك تخفيض كثافة الكربون بحلول عام 2020 بنسبة تتراوح بين 40 و 45 في المائة عن مستوياته عام 2005. ويؤدي نظام تبادل الانبعاثات إلى الحد من تلوث الهواء وإلى الحصول على فوائد الكربون بأقل تكلفة ممكنة.