IMLebanon

كما تبين من أحداث 2008…الأسواق الناشئة تستعد لرحلة شاقة

FinancialTimes
جيليان تيت

في عام 2008 تعلم المستثمرون دروساً بشأن التفاعلات المتسلسلة في عالم المال. لم يكن ذلك ببساطة بسبب أن زوال بنك ليمان براذرز ضرب الشركات الغربية الأخرى، بل كانت هناك أيضاً تداعيات على الشركات في الأسواق الناشئة.

دعونا نلقي نظرة، مثلا، على تقرير رائع صادر عن بنك التسويات الدولية هذا الأسبوع، يشير فيه إلى أن نحو 50 ألف شركة في البلدان الناشئة، مثل البرازيل والصين وروسيا، عانت بعد صدمة ليمان في عام 2008 خسائر تبلغ 30 مليار دولار عندما ارتفعت قيمة العملة الأمريكية فجأة بوصفها عملة الملاذ الآمن. وكان هذا لأن الشركات كانت لديها عقود المشتقات ــ وعلى الرغم من أن هذه كانت تبدو آمنة عندما كان الدولار ضعيفاً، إلا أنها أنتجت بشكل غير متوقع خسائر بعد صدمة ليمان، لأن أحداً لم يتوقع تأرجح العملات بذلك العنف.

إنه درس في تبعات السوق غير المتوقعة في عالم مترابط بإحكام. إنه الوقت المناسب، ولا سيما بالنظر إلى أن مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ألمحوا هذا الأسبوع إلى وجود خطط لتشديد السياسة النقدية في العام المقبل ــ أدى بدوره لدفع الدولار إلى أعلى مستوى منذ 17 شهراً ــ بما أن ارتفاع معدلات الأسعار سيجعل الأصول الأمريكية أكثر جاذبية.

يمكن لهذا أن يخلق بسهولة صدمات جديدة. فمنذ عام 2008 حافظت البنوك المركزية الغربية على سياسة نقدية متساهلة، بحيث أن المستثمرين العالميين أقدموا على الاستحواذ على أصول الأسواق الناشئة سعياً وراء أي شيء يمكن أن ينتج عوائد. وأدى هذا إلى تحول لافت للنظر، لكنه غير مُلاحَظ إلى حد كبير، في النظام الإيكولوجي للائتمان. ففي الوقت الذي اعتادت فيه الشركات في روسيا والبرازيل والصين والهند على جمع الأموال عن طريق الاقتراض من المصارف، يلاحظ بنك التسويات الدولية أنها واصلت بيع السندات على نحو متزايد لمديري الأصول بدلاً من ذلك.

هذا يخلق عدة مخاطر. فعندما ترتفع أسعار الفائدة الغربية، بعض هذه التدفقات الاستثمارية في الأسواق الناشئة يمكن أن تذهب في الاتجاه المعاكس، وتخلق سلسلة من ردود الفعل غير المتوقعة. في الواقع، حدثت نسخة صغيرة من ذلك العام الماضي، عندما تأرجحت الأسواق بعنف حول تكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي على وشك “الانسحاب التدريجي” من سياسته النقدية الفضفاضة.

النقطة الوحيدة المثيرة للقلق هي أن هذه التدفقات محجوبة بسبب ضباب البيانات. إذا نظرتم إلى الإحصاءات الوطنية لإصدارات السندات، فإنها تشير إلى إصدار شركات الأسواق الناشئة مبلغ 152 مليار دولار من السندات الجديدة العام الماضي، وهو ما أدى إلى وجود مبلغ إجمالي مقداره 650 مليار دولار في السندات المستحقة. ومع ذلك، إذا نظرتم إلى تقارير من شركات في الصين وروسيا والهند، فإنها تعني أن السندات المستحقة تبلغ 1.2 تريليون دولار، مع 265 مليار دولار في مبيعات السندات العام الماضي.

والسبب في هذا الفرق الكبير هو أن عديدا من الشركات باعت السندات من خلال أدوات في مناطق الأوفشور التي يصعب تتبعها. الأسوأ من ذلك، يبدو أن هذا الاتجاه ذهب جنباً إلى جنب مع تزايد مستويات التباين في العملات، على اعتبار أنه تم بيع معظم السندات للمستثمرين الأجانب بالدولار ــ لكن يجري خدمتها عن طريق إيرادات بالعملات المحلية.

بالنسبة لبعض الشركات ــ مثل مجموعات السلع الكبيرة في روسيا أو جنوب إفريقيا أو البرازيل ــ مستوى التباين المذكور ليست له أهمية كبيرة، بما أن لدى تلك الشركات عملية وصول سهلة إلى الدولارات. بالنسبة للآخرين يمكن للدولار المتأرجح أن يشكل مخاطر كبيرة. وقد حذر راغورام راجان، محافظ البنك المركزي الهندي، من التباين في العملات في عديد من الشركات الهندية الكبيرة. ويخشى بنك التسويات الدولية من أن “الموجودات والمطلوبات تعد أقل عرضة لتكون مطابقة لدى شركات التطوير العقاري في الصين أو شركات الطاقة والمرافق العامة في الهند، التي كانت من بين مصدري السندات الدولية الأكثر نشاطا في السنوات الأخيرة”.

الأسوأ من ذلك، أن صناعة إدارة الأصول مركزة للغاية وتخلق ميلا متزايداً لدى مستثمري السندات للدخول في سلوكيات القطيع. الخطر، إذن، يكمن في أن إحدى الشركات الهندية أو الصينية حين تصاب بالإعسار في سندات من إصدارها، فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى تدافع أكبر ــ ومزيد من التفاعلات المتسلسلة.

مثل هذه المخاوف ليست جديدة. فقد واجهت الأسواق الناشئة حركات استثمارية متقلبة من قبل. وبسبب هذا التاريخ بالذات، يعتقد بعض المسؤولين أن شركات الأسواق الناشئة أخذت تصبح أكثر حنكة. مثلا، هناك نقطة مبهجة في بيانات بنك التسويات، وهي أن شركات الأسواق الناشئة تصدر الآن سندات ذات تواريخ استحقاق أطول. وهناك نقطة أخرى هي أنها تستخدم فيما يبدو عدداً أقل من المشتقات الغريبة التي سببت الألم في 2008.

ويأمل بعض مسؤولي البنوك المركزية أن تكون مشكلات الانسحاب التدريجي قد ساعدت أيضاً الشركات والأفراد على الاستعداد. وبحسب أحد كبار المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي “كان لدى الأسواق الناشئة سنة كاملة لتفكر في هذه المخاطر. لقد أعطينا إشارة حول نياتنا بصورة واضحة”.

لكن حين تفكر في المخاطر من الناحية النظرية، فهذا يختلف عن مواجهة الدولار المندفع إلى أعلى وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية من الناحية الواقعية. وكما تبين من أحداث 2008، في عالم مترابط، فإن لدى الصدمات عادة قبيحة تتمثل في البروز في أقل الأماكن التي نتوقعها فيها ــ خصوصاً وسط ضباب البيانات وتباين مستويات الأصول والمطلوبات المختبئة في زوايا النظام الذي يحاول صناع السياسة والمستثمرون أن يفهموه.