Site icon IMLebanon

الإصلاح العميق لسوق الإسكان العالمي عنصر حيوي للاستقرار

FinancialTimes
مارتن وولف

في معظم البلدان ذات الدخل المرتفع ما يهم أكثر من أي شكل آخر من أشكال التمويل هو مسائل تمويل الإسكان. ويرتبط ذلك ارتباطا وثيقا بالموجات الأخيرة من الأزمة المالية، أكثر بكثير من بعبع المالية العامة. ويجب علينا إعادة التفكير فيما كنا نفعله، ولماذا كنا نفعل ذلك، وما إذا كان يمكن أن نفعله على نحو أفضل.

تقوم البلدان بتمويل الإسكان بطرق مختلفة. في الولايات المتحدة، مثلا، يعد هذا التمويل ضمن المسؤولية الاجتماعية لدرجة مذهلة. في المملكة المتحدة يأتي (بصورة أو بأخرى) من المصارف الخاصة. وما هو مثير للدهشة أن الإقراض للأفراد المؤمنين في مقابل المساكن يمثل ثلثي الميزانية العمومية للنظام المصرفي البريطاني، إذا تجاهلنا الإقراض من قبل المؤسسات المالية إلى بعضها بعضا.

مع ذلك، بصرف النظر عن الطريقة التي تتم بها هيكلة تمويل الإسكان، فإن آثاره إلى ما هو أبعد من سوق الإسكان وحدها. فارتفاع أسعار المنازل يبرر المزيد من الإقراض. ومن ثم يدفع المزيد من الإقراض أسعار المنازل إلى أعلى. في هذه العملية قد يولد تمويل الإسكان فقاعات أسعار الأصول، وزيادات هائلة في الرفع المالي، وإنفاق غير مستدام من قبل الأسر. هذا هو بالضبط ما حدث في العديد من البلدان خلال الفترة المؤدية إلى أزمات ما بعد عام 2007.

وراء كل هذا يكمن إجماع اجتماعي قوي في الآراء لصالح مالك المنزل الذي يسكنه. وقد برر هذا الإجماع نطاقا من الإعانات المالية لهذا النوع من الحيازة. واحدة من هذه الإعانات يتم تجاهلها على نطاق واسع: الفشل الشامل لفرض ضريبة على “الإيجار المفترض”. مالك المنزل الذي يقيم فيه هو من الناحية العملية “يستأجر” من نفسه. لكن هذا “الايجار” النظري معفى من الضرائب، بينما الملاك يدفعون ضريبة على الإيجار الذي يتلقونه وهذا يجعل المنزل الذي يقيم فيه مالكه أرخص بكثير من تأجير الممتلكات. ومن المثير للاهتمام، أن هذه الميزة الضريبية ستنتهي إذا كان الإيجار معفى من الضرائب.

لكن إذا ما بقيت هذه الفوائد لمشتري المساكن، يصبح التحدي السياسي في كيفية إدارة العواقب. هنا يبدو أن هناك ثلاثة شروط مسبقة لمزيد من الاستقرار.

أولا، والأكثر وضوحا، تحتاج المخاطر إلى أن يتم استيعابها ضمن التكاليف الاجتماعية الناتجة عن الاستخدام. والمقصود بذلك هو أن من البديهي أن تتحملها مصارف القطاع الخاص. وتقوم الممارسة الأمريكية التي تعني ضمانا غير مباشر للمطلوبات التي ترعاها الحكومة من شركات ضمان القروض العقارية، مثل فاني ماي وفريدي ماك، وتسمح في الوقت نفسه فيه لمديري هذه الوكالات بالحرية التجارية التي أثبتت أنها كارثية. لكن في حين إن بريطانيا اكتشفت ذلك بصورة مؤلمة، يمكن أن تظهر مشكلات مماثلة في القطاع الخاص. الإصرار على حقوق ملكية أعلى، وعلى ضرورة وجود جهات إصدار للقروض للاحتفاظ بتعاملات كبيرة في الأصول التي يورقونها ثم يعيدون بيعها، لا بد أن يكون جزءا من الاستجابة لهذه الإخفاقات التي وقعت في الماضي.

ثانيا، الإقراض مقابل الممتلكات، بما في ذلك مقابل مشتريات المساكن، ولكن أيضا المباني التجارية، يجب أن يكون ما تتركز عليه الجهود لإنجاح سياسة “الحصافة الكلية”. ويشمل ذلك التغيرات في المعدل المسموح به في “نسبة القرض إلى القيمة” ردا على التحركات في أسعار الائتمان والأصول. في السياق الحالي، فإن إجراءات تلك السياسة تعد ضرورية، لكن لا تتصور أنها ستكون دون مشكلات. الضبط الدقيق أو حتى الضبط التقريبي للإقراض يعد صعبا جدا، لأنه في كثير من الأحيان من الصعب تحديد فقاعاته. وعلاوة على ذلك، فإنه عن طريق إزالة سوق العقارات باعتبارها الأداة الرئيسة التي تعمل من خلال السياسة النقدية، هناك خطر كبير من الآثار التي تعد حتى أكبر وأكثر تخريبيا في أسواق أخرى – مثل الأصول المالية أو العملات الأجنبية.

أخيرا، يجب توجيه الاهتمام إلى التحول بعيدا عن عقود الديون غير المرنة بطبيعتها نحو العقود في حقوق الملكية المشتركة. ومن الممكن أن نتصور أن بعض التمويل سيتم توفيره على هيئة عقود تقاسم المخاطر على الشكل التالي: التمويل المزود سيحمل عائدا مستمرا للمستثمرين على أن يتم ربط قيمته بأحد مؤشرات أسعار المنازل. وهذا من شأنه أن يؤمن وقاية للمقترضين أثناء حدوث انهيار في أسعار المنازل. ومن شأنه أيضا أن يعطي المدخرين القدرة على الاستثمار في سوق الإسكان بخلاف الاستثمار عن طريق شراء المنازل العادية وغير الجذابة (والمكلفة).

وبالنسبة للمستثمرين، يمكن أن يتبين أن هذه الأدوات الجديدة عبارة عن أصول جذابة. والأهم من ذلك أن المستثمرين يشتركون تلقائيا في المخاطر في السوق. ومن شأن ذلك أن يجعل المقترضين أقل تعرضا لمخاطر الرفع المالي المتطرف ويجعل النظام المالي أكثر قوة بصورة إجمالية. هذه هي واحدة من التوصيات الواردة في “بيت الديون”، وهو كتاب مهم بقلم الاقتصاديين الأمريكيين عاطف ميان وأمير صوفي.

بصورة جماعية، وضعنا رهانا كبيرا على زيادة الرفع المالي في المساكن. وقد سار هذا بطريقة سيئة للغاية. وإذا أردنا تجنب الكوارث في المستقبل، فإن هذا الجانب من جوانب الترتيبات المالية لدينا يحتاج إلى إعادة النظر والإصلاح. الإجابة ليست بسيطة. لكن تكرار التجربة الأخيرة مع الاقتراض المبالغ فيه في مقابل المسكن هو بالتأكيد أمر يجب تجنبه، مهما كان الثمن.